دلالة “بسم الله مجراها ومرساها” وأبعاد “نعدكم بتحولات قريبة مفاجئة”.. اليمن الذي “جرّه” أعداؤه ليعلو
“بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا، إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ”، بهذه العبارة استهل القائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية المشير الركن مهدي المشاط، حديثه بشأن مسار البناء العسكري المتصاعد، وبهذه العبارة أنهى حديثه بعد جملة من الرسائل في خطابه أمام “أولي البأس الشديد”: “أعدكم بأن هناك في الأيّام القادمة ستسمعون بتحولات عما قريب تحولات مفاجئة”، لتكون هاتان العبارتان كفيلتين بنقل صورة واضحة للجميع تنقل ملامح المرحلة القادمة، في حين أن تلك الرسالتين كفيلتان بأن تجبر تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي ورعاته الدوليين والأمميين، على الوقوف وإعادة النظر في سلوكه الراهن وإعادة ضبط كُـلّ الحسابات والتقديرات وتغيير مسارها نحو التفكير في كيفية الخروج من المأزق بأقل الخسائر؛ لأَنَّ الاستمرار في ذات الطريق يقود نحو تضخيم فاتورة المغامرة والمقامرة في بلدٍ عرفها الجميع عبر التاريخ باسم “مقبرة الغزاة”.
وفي حين تحدث المشير المشاط عن عدد من الجوانب في سياق حديثه عن المستجدات والارتباطات المتعلقة بها، فقد كشف العديد من الأسرار التي ستتحدث عنها بشكل أكثر المرحلة القادمة التي قد تشهد حضوراً غير مسبوق للجيش اليمني، الذي اعتبره قائده الأدَاة التي ستقود اليمن واليمنيين نحو فرض المعادلة التي خطها اليمنيون بدمائهم ونسجوها بتضحياتهم الكبيرة.
بناء قواتنا متصاعد ويوازي تحَرّكات الأعداء.. تلبية الطلب المشروع أولى
وبشأن طبيعة تحَرّكات القوات المسلحة اليمنية في المراحل القادمة، أوضح الرئيس المشاط الجزء الأكبر منها، بتأكيده بالقول: “إن المسار التدريبي سيستمر بإذن الله وبتصاعد وبوتيرة عالية في جميع المناطق العسكرية”، في حين كشف أسباب إدلائه بهذا النوع من التصريحات بتأكيده على أن الطرف الوطني: “مصممون وصادقون فيما نقول إننا سنوصل بلدنا بإذن الله إلى بر الأمان بهذه الرؤوس الشامخة الأبية، الرافعة لراية الحق”، وهي كلمات توحي بأن القادم سواء أكان سلماً أَو حرباً، لن يكون إلا في سياق البحث عن الحق اليمني المسلوب منذ عقود طويلة، وهي إعادة حرية اليمن واستقلاله وسيادته، وانتزاع القرار اليمني من داخل السفارات وتلفونات السفراء.
وعلى قاعدة “إن التاريخ لا يُصنع بالارتزاق، بل يُصنع بالذود والحمى والدفاع عن الأوطان”، رسخ القائد الأعلى للقوات المسلحة ثبات الموقف اليمني في مواصلة الطريق والصمود، معززاً تلك القاعدة بقوله: “سنواصل المشوار بإذن الله سبحانه وتعالى حاملين الراية تحت قيادة سيدنا وقائدنا وابن نبينا سيدي وقائدي عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله وأبقاه”، مُضيفاً: “تقع على عواتقنا أيها الإخوة مهمة جسيمة وعظيمة، وهي صون هذا البلد، وسيادته واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه، في أن يكون حراً مستقلاً كامل السيادة على كُـلّ التراب الوطني، بإذن الله سبحانه وتعالى، وهذه المسئولية نحن نتشرف في قيادة الدولة أن نحملها وأن نكون بإذن الله بمستوى هذه المسئولية”، وبهذه العبارات أحرج الرئيس المشاط تحالف العدوان وكلّ الوسطاء الدوليين، حَيثُ أن كُـلّ محطات الصمود والنضال التي يجترحها الشعب اليمني لا تخرج عن إطار البحث عن الحرية والاستقلال وقطع أذرع التدخل الخارجي، وهي مطالب محقة تتغنى بها كُـلّ دول الاستكبار في حديثها عن السياسات الخارجية المتعلقة بالهجمات التي تطال حلفائها، وبهذا الإحراج جعل الرئيس المشاط ردود تلك الدول والوسطاء الدوليين لا تخرج عن إطار الاعتراف بتبني سياسة الكيل بمكيالين، فهي تتغنى بتلك العناوين عندما يتعلق الأمر بحلفائها، لكنها تحاول طمس هذه الحقائق والحقوق عندما يتعلق الأمر بمشاريعها التوسعية وسباق النفوذ في المنطقة العربية والإسلامية، ومنها اليمن التي تُعتبر المركز الاستراتيجي للمنطقة، إن لم تكن المركز الاستراتيجي واللاعب الأكبر في مسار رسم السياسات الدولية.
وفي خطابه يعاود الرئيس المشاط كلماته المحرجة للمجتمع الدولي بقوله: “نحن في مسيرة هذا الشعب نسعى بإذن الله سبحانه وتعالى، لاستعادة بلدنا الذي يقع جزء منه تحت أقدام الغزاة والمحتلّين، سنسعى لاستعادة هذا الجزء من هذا البلد الغالي حتى ينال شعبنا حقه في حياته الكريمة، وعيشه الكريم ومعنا كُـلّ القوى الوطنية والدينية والقبلية تحت عنوان اليمن، نحن تحت عنوان اليمن ومعنا كُـلّ القوى الخيرة في هذا الشعب”، وبهذه الرسالة ترك الرئيس الباب مفتوحاً أمام الإحراجات بوجه تحالف العدوان ورعاته الدوليين، في حين أوسط كُـلّ الأبواب أمام أطماع “التحالف” ومشاريعه الاستعمارية، لتكون محاولات تحالف الغطرسة فتح أبواب الأطماع بالقوة، أشبه بسعيها الأعمى والحثيث نحو المهلكات”.
تحذير لترك “المناورات” الموهِومة.. لا رادَّ لبأس البالستيات والمسيرات اليمنية
ومع أن المؤشرات تؤول إلى إصرار تحالف العدوان والغطرسة في متابعة الطريق المحفوف بالأطماع غير المشروعة، والمحفوف أَيْـضاً بالأخطار التي أوجدتها ردود الفعل المشروعة حيال تلك الأطماع، فَـإنَّ ملامح المرحلة القادمة من الردع ستكون مليئة بالعمليات النوعية في عمق دول العدوان، حَيثُ أكّـد قائد القوات المسلحة اليمنية: “سنستمر بإذن الله سبحانه وتعالى حتى نعيد لبلدنا الواحد والموحد ألقه ووحدته وأمنه واستقراره”، في حين كشف المشاط الصورة الكافية من حقيقة الردع بقوله: “لن نتردّد بإذن الله في تنفيذ أقسى الضربات ولا في اتِّخاذ كُـلّ ما من شأنه نيل شعبنا حقه في عيشه الكريم، والحر والمستقل”، وهذه الرسالة قرعت الأجراس في آذان النظامين السعوديّ والإماراتي أكثر من غيرهم، وبينت لهم ما يكفي لأن يقودهم نحو تغيير سلوكهم، لا تصعيده بالغطرسة.
وفي حديثه لم يغفل الرئيس المشاط كشف طبيعة الردع في العمق الجغرافي اليمني المحتلّ من قبل واشنطن ولندن والرياض وأبوظبي، حَيثُ أوصل المشاط رسالة تنويهية خطيرة على المتجاهلين ومطمئنة على العقلاء، وأكّـد بقوله: “إن التواجد الأمريكي الذي أُعلن عنه بالأمس في حضرموت لهو مصداق لما كنا نقول، إن هناك لعاباً يسيل تجاه شعبنا لكننا بإذن الله سنجفف ذلك اللعاب”، في إشارة إلى أن تجفيف “لعاب الأطماع” لن يكون بالمنديل، بل بالعمليات المباغتة والنوعية والحاسمة.
ومع تحَرّكات القوات المسلحة اليمنية المتصاعدة استعداداً لمعركة استعادة الحقوق، يوازي تحالف العدوان ورعاته الدوليين بقيادة أمريكا هذه التحَرّكات، بتصعيد في البحر والبر على هيئة مناورات تدشينية لتصعيد أوسع، في حين أكّـد المشاط أن الرد اليمني يتجاوز كُـلّ تلك التحَرّكات والاحتياطات الهشة التي تعدها واشنطن وحلفائها في تحالف العدوان، حَيثُ أشار بقوله إلى أن: “مناورات الغضب العارم التي تجري اليوم في ينبع يشارك فيها الجيش الأمريكي والجيش السعوديّ إنها ستكون بإذن الله الهروب الطويل، بدل الغضب العارم، ستكون الهروب الطويل بإذن الله سبحانه وتعالى”، في حين أكّـد المشاط تجاوز الردع اليمني لتلك التحَرّكات بتنويهه –مخاطباً الرياض وأبوظبي– إلى أن “الأسلحة الدفاعية التي يُمَنِّيكم بها الأمريكي لتقيكم ضربات يدنا الطولى في قوتنا الصاروخية وطيراننا المسيَّر لا تغني عنكم شيئاً من ضرباتنا”، معززاً رسالته بوصف قدرات الأسلحة اليمنية في عبارة تمثلت بقوله: “إنها مصممة لأن تصل إليكم بإذن الله في حال ركبتم رؤوسكم وأصررتم على استمرار عدوانكم وحصاركم على شعبنا اليمني”، وبهذا أقام الرئيس المشاط الحجّـة الكاملة على دول العدوان وكشف لهم أسراراً عن مدى القدرات اليمنية، عسى أن يختار الأعداء الطريق الأسلم.
وللتأكيد على أن الإدلاء بهذه الأسرار يكشف مدى حرص الطرف الوطني على الإعداد للسلم بالمجاهرة عن الخيارات المتاحة، وليس بإخفاء ما تملكه اليمن من ردع مفاجئ هدفه الحرب، وجه الرئيس المشاط النصح بقوله مخاطباً النظامين الإماراتي والسعوديّ بقوله: “كفى.. كفى، الأمريكي يلعب بكم أنه يريد من خلال هذه المناورات أن يرفع معنوياتكم المهترئة، أما نحن فلا مناوراتكم ولا كُـلّ ضجيج تلك الأساطيل في البحر الأحمر وخليج عدن إنها لن تهز فينا شعرة بإذن الله سبحانه وتعالى، وسنمضي لأن نستعيد كُـلّ حقوقنا رغماً عن أنوف كُـلّ المتغطرسين”.
ووسع المشاط دائرة نصحه للأطراف الدولية المتواجدة في الجغرافيا اليمنية المحتلّة، ليزيح كُـلّ الحجج واللوائم عن الطرف الوطني، حَيثُ قال في خطابه أمام “أولي البأس الشديد”: “من خلالكم أيها الرجال الأوفياء، نؤكّـد أن كُـلّ إجراءات الاحتلال التي يجريها في مناطق تقع تحت سيطرته نعتبرها باطلة ولا أَسَاس لها، وأن المركز القانوني لعاصمة الجمهورية اليمنية صنعاء يخلي مسئوليته عن كُـلّ تلك الإجراءات ولا يعتبرها نافذة، ولا يعتبرها شرعية ولا تمت للشرعية بصلة، وإننا في حَـلّ منها وإننا نعتبر أن كُـلّ إجراءاتكم هي إجراءات احتلال زائلة مهما جثمت على صدر الشعب باذن الله”، في إشارة إلى أن عمليات الردع ستطال كُـلّ من يحاول تجزئة حقوق اليمنيين المشروعة أَو يسعى لبلع ولو حتى جزء بسيط منها، في حين أن هذه الرسالة تضاف إلى ما أكّـده رئيس الوفد الوطني محمد عبدالسلام، الأسبوع الفائت حين أكّـد أن الشركات الأجنبية في جنوب اليمن لن تنجو من الرد والردع اليمني المتمثل على هيئة صواريخ بالستية وطائرات مسيَّرة.
الأعداء أمام خيارين.. إما دفع اليمن نحو مسالمتهم أَو جره نحو الإٍيلام بهم
وفي سياق حديثه، كشف الرئيس المشاط أَيْـضاً عن سرّ آخر يكشف مدى غباء تحالف العدوان وتيهه نتيجة غطرسته، حَيثُ أكّـد بقوله: “إنما يزيدنا طمأنينة في صوابية موقفنا هي الأحداث التي تتوالى يوماً بعد يوم”، مُشيراً إلى أن تحَرّكات تحالف العدوان المشبوهة هي من تجبر الطرف الوطني على اللجوء نحو الإعداد النوعي والهائل، فتحَرّكاته التصعيدية دفعت اليمن لبناء قواته المسلحة حتى وصلت إلى ما نالته اليوم، في حين يعني هذا السر أن تحَرّكات العدوان المسالمة ستجبر الطرف الوطني على اللجوء نحو الإعداد للسلام.
وبهذا السر على لسان رئيس اليمن، أزاح الطرف الوطني آخر الحجج، وترك تحالف العدوان أمام خيارين، إما السلم وهو الأقرب، أَو الحرب وهو الأتعب والأهلك، وهنا يتبين للجميع مدى صبيانية تحالف العدوان واستهتاره وغبائه، فضلاً عن انكشاف مدى تمسكه باحتلال اليمن وسلبه الحرية والسيادة والاستقلال، في حين عرج المشاط على ما شهدته المراحل السابقة من محطات في هذا السياق، بقوله: “كم بذل وأسدى سيدي قائد الثورة -حفظه الله وأبقاه- النصح لأُولئك الذين ركبوا رؤوسهم ووقفوا في صف المعتدي وحتى أنهم للأسف الشديد إلى هذا اليوم لم يعرفوا كم هو الخطأ الفادح الذي ارتكبوه، إنهم لا يحبون الناصحين وصلوا في نهاية المطاف إلى التردّد هل كان موقفهم صائباً أم خاطئاً وللأسف الشديد لم يصلوا إلى قناعة أن موقفهم خاطئ من اليوم الأول”.
وبعد إقامة الحجّـة الكاملة، عزز الرئيس المشاط من رسائل الحشد الكامل لكل الإمْكَانيات والقدرات بيد الطرف الوطني، بتأكيده على أن: “الدماء الطاهرة التي قدمها أبناء الشعب اليمني، هي ثمن حرية واستقلاله فلا تبخلوا يا أولي البأس الشديد غذوا شجرة الحرية بدمائكم الطاهرة والزكية، حتى نيل شعبنا حقه الكامل في العيش الكريم والحرية والاستقلال”، مُضيفاً: “لن نسمح بإذن الله باليأس ولا بالقنوط أن يتسلل إلى نفوسنا بإذن الله سبحانه وتعالى مهما كانت الصعوبات ومهما كانت التحديات، سنظل أُولئك الأوفياء المضحين كما ضحى آباءنا وأجدادنا مع آباءك وأجدادك في كربلاء من قبائل مذحج ومن قبائل همدان ومن قبائل حاشد، ومن قبائل قضاعة، سنفي معك يا سيدنا كما وفى أجدادنا مع جدك الحسين في كربلاء وأريقت دمائهم حماية لعرض رسول الله -صلواتُ الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين-“.
وفي ختام خطابه أسدل القائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية الستار على كُـلّ ما كشفه عنوةً في السلام لا تحريضاً على الحرب، وخاطب كُـلّ المرابطين خلف متارس الدفاع والردع، بقوله: “أحييكم جميعاً وأنتم تقفون في متارسكم لصد الغزاة والمعتدين، أحيي شعبنا اليمني العظيم العزيز على صموده، وعلى قراره الصائب في مواجهة الغزاة والمعتدين حتى نيل استحقاقه وحريته واستقلاله”، وهنا بدا الخيار الوطني واضحاً وواحداً لا شريك له، ألا وهو حق الحرية والاستقلال، في حين أن هذا الخيار هو الأقرب للإقرار والقناعة من قبل تحالف العدوان لو قرّر التنحي عن الغطرسة والاستكبار والاستهتار.