دلالات زيارة وفد صنعاء التفاوضي إلى موسكو.. هل نشهد تفوقاً دبلوماسياً جديداً لصنعاء؟
يقف التحالف بقيادة السعودية والإمارات أمام إنجازات كبيرة تحققها صنعاء على كافة الأصعدة، وما إن برزت إمكانية كسبها علاقات دبلوماسية جديدة، تمكنها من تعزيز موقفها أمام المجتمع الدولي، وإنشاء علاقات دولية تحقق لها أهدافها “الوطنية”، هذه الإنجازات المتسارعة لدى صنعاء يبدو أنها تشكل قلقاً متزايداً بالنسبة للتحالف خاصة في ظل المستجدات الأخيرة على الساحة اليمنية والإقليمية، والأوضاع الدولية الراهنة وعلى وجه الخصوص الحرب الأوكرانية – الروسية.
لم يكن في حسبان التحالف يوماً أن تتمكن صنعاء مستقبلاً من كسب علاقات دولية في إطار العمل الدبلوماسي، والوصول إلى انتزاع اعترافات على المستوى الدولي وإن بشكل غير معلن، لاعتقاد السعودية والإمارات الدولتين الحليفتين لأمريكا وبريطانيا أن سمعة صنعاء التي سعت منذ سنوات على تلطيخها عبر ماكينتها الإعلامية ستقوض أي تقارب قد يجمعها في المدى القريب أو البعيد مع أي دولة عربية أو غربية أو شرقية.
منذ سنوات قليلة من بعد الحرب السعودية الإماراتية على اليمن، سعت حكومة صنعاء لاستئناف فتح باب العلاقات الدبلوماسية مع دعواتها المتكررة لإعادة فتح سفارات الدول في العاصمة اليمنية، في حين يستقبل مسؤولي الحكومة بصنعاء بين الفينة والأخرى وفوداً وسفراء عدد من الدول بما فيها دول أوروبية لمناقشة الأوضاع المتردية في اليمن واستمرار الحرب والحصار المفروض على اليمن من التحالف وانعكاسها على الوضع الإنساني.
شهد الملف السياسي اليمني حراكاً متصاعداً في الآونة الأخيرة في أعقاب التفاوضات بين طرفي صنعاء والتحالف برعاية أممية ووساطات عربية ودولية، والتي كانت تجري بهدف تمديد الهدنة الإنسانية والعسكرية في اليمن المعلن عنها نهاية مارس الماضي من قبل مبعوث الأمم المتحدة، هذا الحراك يتزامن مع التوترات الحاصلة بين الدول الغربية وروسيا على خلفية الحرب في أوكرانيا، وما أحدثته من تداعيات وتأثيرات على الاقتصاد العالمي والغربي تحديداً، والذي لولاه لما ضغطت واشنطن بقوة نحو توقيع الهدنة بين اليمن والتحالف والإصرار على تمديدها لضمان تحييد الهجمات اليمنية على الإمدادات النفطية الخليجية والتي إن حدثت ستؤدي إلى رفع أسعار الطاقة وبالتالي عدم فاعلية أي عقوبات أمريكية وغربية على روسيا.
وما إن بدأت الهدنة حيز التنفيذ قبل أكثر من أربعة أشهر كثفت صنعاء من جهودها الدبلوماسية الخارجية بالتزامن مع تعزيز تواجدها على الصعيد الأمني والإداري والسياسي والعسكري داخلياً، وكثفت أيضاً من محاولاتها إيجاد أطراف دولية فاعلة للضغط على التحالف لوقف الحرب على اليمن ورفع الحصائر الذي تسبب بكارثة إنسانية حسب توصيف أممي، بالتزامن مع الانتهاكات المتواصلة للهدنة، ووضع العراقيل المستمرة أمام الاستحقاقات الإنسانية.
وفي خطوة وصفها مراقبون للشأن اليمني بالممتازة والإيجابية وأنها تأتي في الوقت ذاته كضربة موجعة للتحالف، شهد الملف اليمني الدبلوماسي تطوراً جديداً حيث زار وفد صنعاء التفاوضي العاصمة الروسية موسكو، واجتمع كبير مفاوضي صنعاء محمد عبدالسلام بالممثل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الشرق الأوسط وأفريقيا نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف.
وأعلن الوفد التفاوضي برئاسة محمد عبدالسلام على منصة “تويتر” عن لقاءه بميخائيل بوغدانوف بالعاصمة الروسية لمناقشة المستجدات، وبحث “آفاق تحقيق تسوية سلمية شاملة للحرب على اليمن ومعالجة الملف الإنساني”.
وجاء اللقاء بعد نجاح الجهود الأممية والوساطة العمانية بتجديد الهدنة للمرة الثالثة لمدة شهرين إضافيين، عقب إعلان المبعوث الأممي لدى اليمن في الثاني من أغسطس الحالي التجديد وفق الشروط السابقة.
ويفترض خوض جولة جديدة من المشاورات السياسية خلال الأيام القليلة القادمة للبحث عن ملفات الهدنة بما فيها مناقشة آلية صرف المرتبات وزيادة الرحلات الجوية لتشمل وجهات أخرى غير وجهتي الأردن والقاهرة والسماح بدخول المزيد من سفن المشتقات النفطية لميناء الحديدة، ضمن الضمانات الأممية التي حصلت عليها صنعاء للالتزام بتنفيذ ما ورد في الهدنة وعدم خرقها سعودياً وإماراتياً.
وقبل دخول الهدنة حيز التنفيذ بأكثر من شهر، كانت حكومة صنعاء قد قدمت “رؤية سلام” لروسيا، وقبلها للمبعوث الأممي، بهدف تخفيف معاناة اليمنيين وتهيئة الأجواء لوقف الحرب والدخول في عملية سياسية برعاية الأمم المتحدة، تضمنت المطالبة بضرورة فك الحصار على مطار صنعاء وموانئ الحديدة من أجل “ضمان حرية التنقل وتدفق السلع والبضائع دون أي قيود”، كما أن بنود مبادرة صنعاء والتي أحرجت دول التحالف أمام روسيا، تضمنت حرص صنعاء على تنظيم الإيرادات النفطية والغازية بما يضمن صرف المرتبات دون استثناء أو تمييز والحرص على حل ملفات إنسانية واقتصادية ترى صنعاء أن إقحامها في الحرب استهداف للشعب اليمني بأكمله وانتهاك للقوانين الإنسانية.
يذكر بأن روسيا دعت في ديسبمر من العام الماضي، مجلس الأمن إلى “الاعتراف بتغير موازين القوى على الأرض في اليمن” مؤكدة بأن تنفيذ القرار 2216 الصادر عن مجلس الأمن في 2015 أصبح أمراً مستحيلاً، وتأكيدها على أنه “لا وجود حقيقي للشرعية على الأرض مقارنة بسيطرة صنعاء على غالبية المحافظات والمناطق ذات الكثافة السكانية”، وحذرت عبر ممثلها بمجلس الأمن ديميتري بوليانسكيفي من أن “تجاهل هذا الأمر سيقود لفشل أي جهود للمبعوث الأممي الرامية لجمع الأطراف على طاولة مفاوضات واحدة”.
محمد بن عامر – المساء برس|