دبلوماسي عربي يكتب : “فزعة” اليمنيين تحمل الإيمان والعزة والكرامة

“فزعة” اليمنيين تحمل الإيمان والعزة والكرامة

عشتُ مشاهد كثيرة سنوات المُراهقة في واقع مُعاناة الشعب الفلسطيني، أقرأ وقتها عن “مجانين بني صهيون”، يمشون بسرعة كبيرة لا يُبالون بتشريد أهل الأرض عند بناء كيانهم اللقيط، ولا بانطباع العالم عمَّا يفعلون، وكما هي العادة فإنَّ السرديات حول جنون هؤلاء كثيرة، ولك أن تتخيل ما شئت، فقط لا تستغرب إذا قيل لك إنَّ السامية لهم وحدهم دون البشر. فليكتب التاريخ أنَّ هؤلاء قد دفعوا الشعوب للقبور والسجون، ذنبهم أنهم حلموا بحرية أوطانهم، وعالم لا يكون فيه طغاة.

كل هذا دفعني إلى التساؤل عما يفعله الإنسان بالإنسان.. ألزم اليمنيون اليوم العالم الحجة، فامتشقوا سيف شجاعتهم، ولبسوا ثوب النخوة العربية النقية، تآزروا بإزار الإرادة الحرة، فجعلوا حلف “الوهن” يتبخَّر في مياه البحر الأحمر، استهدفوا خلاصة شر الكيان الصهيوني في صميم قوة غطرسته، فزلزلته القوة اليمنية، فزادت ارتداداتها لتصل مقياسها بحر العرب والمحيط الهندي، والبحر الأبيض المتوسط، نُصرة لأهل غزة..  فأشرقت مسيرة “يافا” سماء أرض فلسطين المُحتلة، مُعلِنة قرب الفرج لمن أقلقهم ليل الاحتلال الذي أرخى بثِقَله على عقارب ساعة الزمن.. إشراقة جميلة أنيقة حملت معها بشائر انطلاقة الحياة مع بزوغ فجر تحرير فلسطين، تسلَّلت خيوط ضوء انفجارها في قلب الكيان الغاصب، لتطرُد عتمة ليل ظلمه وطغيانه وغطرسته، تُعلن للحياة استيقاظ الأرض، لتعمل وتصنع النصر والعدل، وتتَّكِل على الله في أمنيات أحرار يمن العروبة والإيمان، بإرادة ومثابرة؛ فالأماني وحدها لا تكفي لتحقيق الأهداف.

“الفزعة اليمنية” عطر التقاء النخوة بقبلة العروبة المنطبعة على وجه الأرض، ونسائم الدين اللطيفة التي تحمل آمالا بالخير والسلام في أرض السلام، هي إشراقة سكنت أرواح الفلسطينيين، وكل الشعوب الحرة التي تعشق العدل وترغب في معانقة الحرية. رمزية “مسيرة يافا” بداية، ولحظات للاستثمار وللتعويض عن غربة الاحتلال، بنصر مُؤزَّر يفقد المحتل الغاصب بوصلته، الأرض تنهض من ثباتها، والفزعة اليمنية بدأت مرحلتها الخامسة، بين إشراقة مسيرة يافا وليلة زأرت فيها نيران كثيفة غاشمة. عدو غاشم، بدأت ناره مثل يراع يلتمع في حلكة الليل ثم تعلوه غمامة سوداء. رمزية أفعال لا يفترقان بتناقضهما، عرفنا بهما معنى إشراقة مسيرة يافا، وعتمة تخبط العدو وضلاله، لعشاق العدل والحرية نقول طوبى لكم.

لا يلغي دخان غارة العدو الغاشم على ميناء الحُديدة إشراقة مسيرتكم التي فقأت عينه، إن فزعتكم لإخوانكم في غزة رمزية للخير، للحب، لكل ما هو إنساني وفطري وحقيقي وعميق عمق الحياة البشرية.. أيها اليمنيون هيَّأتوا أنفسكم، وأنتم موزعو الهموم بين أمل تتشبثون بخيوطه، وخوف تهابون دبيبه، بلدكم بعد حرب طويلة مصاب يحترق، فأفرغتم ما في باطن أرضكم مرارا حتى أنهكتم، لكن بنخوتكم وشجاعتكم وإرادتكم الحرة، ظللتم وقوفاً شامخين رافعي الرؤوس والراية.. إشراقة فزعتكم هي وقت الفرج بالنسبة لمن أقلقهم المقلقون وأزعجهم المرجفون وتخلى عنهم الأقربون.. إشراقة فزعتكم في مرحلتها الخامسة تحمل بشائر انطلاقة الحياة الحُرة لفلسطين مع بزوغ مسيرة يافا.

أبشري غزة.. فزعة يمن العروبة والإسلام مستمرة، تحمل معها كثيرا من تباشير النصر، بما يعكس بنيان الأخوة المرصوص.. خرجت “فزعة” اليمنيين ظاهرة للداني والقاصي، انطلاقا من وقفتهم بالجهد الذي بذلوه ويبذلونه.. إنهم استثنائيون، ألحقوا ذاتهم بهذا الاستثناء، قاوموا الظلم الذي وقع عليهم وعليكم، وبينوا معدن أخلاق النصرة التي وصفوا بها، ولو قلبنا تاريخهم، وشجاعتهم، لاستفدنا فوائد تعلم الاستقامة والشجاعة ونصرة المظلوم، والإرادة في السلام والحروب.

لذا فإنَّ الحكمة “يمنية”، اليمنيون لا يهابون الخطر، ولا يترددون في قول الحق، ولا يحجمون عن التضحية بحياتهم في سبيل نصرة المظلوم، وشجاعتهم ممزوجة بحكمتهم التي تكشف عن طبيعتهم، بل تضرب بجذورها في أعماق وجودهم.

أبشري يا غزة العزة.. إن الظلم مهما طال أمده واسودت لياليه وطالت أذرعه واشتد فساده، وانتشر في ربوعك، حين تستمر فزعة اليمن، وساحات المقاومة الاخرى.. الليل سينجلي وتنقشع ظلمته، وفجر العدل والحرية قريب لأنَّ حلف “الفزعة” يحمل الخير والعدل والنصر والوعد الحق.. إنه تجمع وميثاق تنادت فيه المشاعر الإنسانية لنصرة المظلوم، والدفاع عن الحق، إنه مفخرة يجمع حسنيي العروبة والإسلام، فزعتهم ومسارعتهم للاستجابة في إغاثة أهلك يا غزة دلالة دامغة على إنسانية هذا الشعب العربي الأبي الأصيل، واستحقاقه الاحترام.. إنهم “الأنصار”، عندما احتاج أهلك العون استخدموا كل الإمكانات المتوفرة لديهم لتحرير كل فلسطين.. تحركوا، بإرادة واثبة، ونصرة صادقة، بأفضل ما يملكون من عديد وعتاد.. كانت مسيرة “يافا” قد أرعبت العدو في عقر داره، فوصل صوت انفجارها مسامع المظلومين تأكيدا لاستمرارية مساندة اليمنيين لهم، وبعثت الأمل في النفوس بقرب انقشاع الظلم عن أهل غزة.. هكذا عاقب اليمنيون طغيان الصهاينة، فهم المؤمنون بأنَّ سنة الله ماضية في إهلاك الظالمين، موقنين بتمكين الله لعباده المؤمنين، وإسكانهم في الأرض التي كانوا يستضعفون فيها: “ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين” (القصص:الآية 6)، فعاقبة مكر وكيد صهاينة العصر، ومحاولاتهم في إخراج أهل غزة من أرضهم آيلة إلى ما صار إليه مكر الظالمين وكيدهم من قبلهم.

 

د. قاسم بن محمد الصالحي

دبلوماسي عماني

قد يعجبك ايضا