خيارات واشنطن أمام الصمود الروسي…بقلم/ عبدالله بن عامر
Share
لسنا بمنأى عن تداعيات الصراع الروسي الغربي، فعلى الأرجح أننا مقبلون على تقلبات وتحديات كبيرة ضمن النتائج والانعكاسات السلبية لتطورات المعركة بأبعادها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، فما يتوقعه هؤلاء ليس بأفضل مما يستنتجه أولئك ليس لأن هؤلاء متشائمون أو أولئك أكثر تشاؤماً بل لأن المؤشرات الواضحة تكشف لنا المسارات التصاعدية التي ستؤول إليها المعركة جراء الضغط والضغط المضاد واستخدام المزيد من الأوراق الهادفة إلى تحقيق تحول حاسم في المسار العام لها.
نجح الروس في تجاوز صدمة العقوبات والحرب النفسية ويتجهون على وقع ذلك لتفعيل أوراق جديدة يحتفظون بها لإجبار الغرب على التراجع وليس الغذاء هو السلاح الوحيد بيد بوتين بل هناك المزيد من الأسلحة التي قد تدفع بالكرملين إلى استخدامها خلال الأسابيع المقبلة، فيما تعمل واشنطن على الوقوف مجدداً أمام لحظة تاريخية مهمة تعيد فيها قراءة المعركة ودراسة احتمالات إمكانية استمرارها ضمن عنوانها العريض الحرب الطويلة وما تتطلبه من تحركات وخطوات واستعدادات خاصة، وإدارة بايدن لم تتمكن بعد من معالجة قضية الطاقة وارتفاع الأسعار، وأما الاحتمال الثاني فيقوم على سرعة العمل على إنهاء الصراع حتى لا تتمكن روسيا من تحقيق المزيد من الإنجازات وبالتالي عكسها على طاولة السياسة بل وفرضها على متغيرات الواقع العالمي، وكل ما تخشاه واشنطن أن تكون نتائج المعركة حتى هذه اللحظة مقدمة لنتائج أكثر إيجابية بالنسبة لموسكو التي تضغط أكثر باتجاه دفع الغرب إلى التراجع عن عقوباتهم كما تدفع قواتها على استكمال السيطرة على الشرق الأوكراني وتحويل أوكرانيا إلى دولة حبيسة بالمعنى الجغرافي.
المعركة لا تتوقف عند حدود أوروبا بل أن تداعياتها سوف تمتد إلى مختلف البلدان فالاحتجاجات المتوقعة نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء ليست إلا فرصة أمام روسيا لإحداث هزات عنيفة قد تمتد إلى بلدان محسوبة على المعسكر الغربي وهو ما سيشكل ضغطاً مضاعفاً على إدارة بايدن التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من خسائر كبيرة على مستوى الهيمنة والنفوذ لاسيما مع ضيق الخيارات بالنسبة لها فالتوجه إلى معركة طويلة يتطلب شروطاً أصبحت واشنطن عاجزة عن تلبيتها في ظل تداعيات معركة الأشهر الماضية والعمل على حسم المعركة بالتوصل إلى تسوية سوف يجعلنا أمام أشهر ستبلغ فيه الأزمة مستوى الذروة قبل أن تجد واشنطن لنفسها مخرجاً يجبر الروس على عدم استخدام مصطلح نصر أو هزيمة في وصف نتائج المعركة.
عموماً المعركة ستنتقل من بلد إلى آخر وستحاول روسيا التأثير في نتائج التحركات الشعبية لتصبح في صالحها ليس لتأكيد رواية الكرملين وتحذيراته بشأن الغذاء بل كذلك في استغلال التحولات لصناعة خارطة عالمية جديدة لن تكون الصين بعيدة عنها، ولهذا فإن العقلية الأمريكية سوف تحاول التراجع قبل أن يتعرض نفوذها في أوروبا للاهتزاز على وقع تداعيات المعركة الاقتصادية والتلويح الروسي بتفعيل المزيد من الأوراق التي قد تؤدي إلى المزيد من الخسائر على صعيد الهيمنة الأمريكية بشكل عام.
قبل ذلك ستحاول واشنطن تفعيل الخدمات الخليجية السعودية ضمن دراسة خيار استمرار المعركة إلى أجل غير مسمى، وعادة لا تأخذ واشنطن بمثل هذه الخيارات , وعندما تعجز تلك الخدمات عن تقديم ضمانات عاجلة لتحقيق تحول في أسعار النفط وبما يؤدي إلى الإضرار بروسيا فهنا ستسارع واشنطن إلى طاولة التسوية وعندما تفعل ذلك سيكون العالم قد تأثر أكثر نتيجة تفعيل روسيا لسلاح الغذاء إلى جانب الطاقة لأن الحل يتطلب فترة من الوقت تكون فيها الرؤية لدى خبراء الاستراتيجية الأمريكية قد نضجت أكثر ثم وضع مسار لترجمتها والتمهيد لها وكل ذلك حتى لا تبدو أمريكا قد خسرت جولة من جولات معركتها المستمرة مع المنافسين لها.
أثناء ذلك فإن معظم بلدان العالم سوف تتأثر وجميعها قادمة على مرحلة صعبة قد تمتد لعدة أشهر وهي الفترة التي سوف تقرر فيها واشنطن إما التراجع والتسوية مع روسيا أو التصعيد المضاد والذهاب بالعالم نحو المجهول.