خفايا الاهتمام الأمريكي الصهيوني بالمياه الإقليمية اليمنية ومحاولات السيطرة على البحر الأحمر وبحر العرب
يشهدُ موقعُ اليمن البحري في ظل العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي، حالةً من حرب تشابُك المصالح الأمنية والاقتصادية والسياسية الإقليمية والدولية، خُصُوصاً في البحر الأحمر الذي يشكل أهميّةً استراتيجية للعالم.
وتعتبر البيئة السياسية في المياه اليمنية، بيئة نشطة لكثير من الدول الإقليمية والدولية، بحكم جغرافيتها التي تتقاطع فيها المصالح الدولية؛ ولهذا فَإنَّه من المهم أن يكون في مضيق باب المندب والجزر والموانئ اليمنية احتلال وتحَرّك وحضور دولي وإقليمي، بما في ذلك أمريكا والدول الأُورُوبية وتحت ذرائع حماية خطوط التجارة العالمية وحفظ الأمن العالمي.
وخلال أكثر من ألفَي يوم من العدوان على بلادنا، نشطت الإمارات والسعودية في السيطرة على الموانئ والجزر اليمنية، خدمة للأمريكيين والصهاينة وفي مقدمة ذلك التحكم بمضيق باب المندب الشهير عالميًّا.
وتقول نائبة رئيس جامعة صنعاء للدراسات العليا والبحث العلمي الأُستاذة الدكتورة نجيبة مطهر: إن الصراع سابقًا دار حول نقاط التحكم في البحر الأحمر، سواءٌ أكان صراعاً دوليًّا أَو محليًّا، ثم عاد عام 2015م.
وترى مطهر أن الأساطيل الدولية والسفن الحربية توجّـهت إلى المياه الإقليمية اليمنية؛ بهَدفِ احتلال الجزر والموانئ؛ نظراً لأهميتها الاستراتيجية ولتنفيذ أهداف خريطة الصراع الدولي في البحر الأحمر، خَاصَّة في المياه اليمنية المحتلّة اليوم والتي، تشهد منافسة حادة عليها بين القوى الدولية الساعية للنفوذ وعلى رأسها أمريكا والدول الكبرى.
وتشير مطهر إلى الأهميّة الاستراتيجية التي تربط بين أهمِّ ممرين في العالم، هما قناة السويس وباب المندب، فالتحكّم في البحر الأحمر وإغلاقه يؤمن لهم الدولة الصهيونية في فلسطين، لافتة إلى أنه عندما شُنَّ العدوان الثلاثي على مصر واحتلت قناة السويس وبورسعيد لجأت مصر لاحتلال الجزر اليمنية، وبالذات جزيرة ميون التي من خلالها استطاعت أن تسيطرَ على البحر الأحمر، مما أضاع للعدو الصهيوني الاستفادة من ميناء إيلات المتواجد على خليج العقبة في أعالي البحر الأحمر، واستفادت مصر من أنها قامت بعمليات عسكرية واستخباراتية قامت بها الضفادع البشرية المصرية في تفجير ميناء إيلات واستهداف السفن البحرية الإسرائيلية.
وتؤكّـد مطهر أن للبحر الأحمر قيمة استراتيجية، وَله بعد جغرافي يحرم خصوم الإدارة الأمريكية مثل الصين وروسيا من عدم لعب دور في مشاكل الشرق الأوسط، وبالذات على الدول التي تطل على البحر الأحمر، مشيرة إلى أن الدول العربية هي المنتشرة على البحر الأحمر والتي كان يفترض أن يكون البحر الأحمر مغلقاً من قبلها، لكنَّ حالةَ الوهن والضعف في بعض الدول المطلة مثل السعودية وغيرها والمتمثل في التبعية العمياء لتلك الدول الكبرى أمريكا وإسرائيل، أَدَّى إلى تفكك الدول العربية وعدم الحفاظ على القيمة الكاملة على البحر الأحمر؛ لأَنَّها لا تدرك أهميته نتيجة الدور الذي تقوم به السعوديةُ والإمارات مع إسرائيل.
وتضيف الدكتورة مطهر، أن مما جعل العديد من القوى الدولية تسعى إلى بسط نفوذها على البحر الأحمر وتدفع بأساطيلها البحرية وسفنها الحربية إليه وَالتواجد فيه منذ أول لحظة للعدوان على اليمن؛ لأَنَّه يلعب دوراً مركزيًّا ومحوريًّا من مدخله الشمالي عند السويس إلى مدخله الجنوبي عند باب المندب والقرن الأفريقي في الحرب والأمن، والتحَرّكُ الحالي للأساطيل البحرية الأمريكية والإسرائيلية والدولية والإقليمية في المياه اليمنية من البحر الأحمر يكشف عن حقيقة أهميّة هذا البحر الاستراتيجية.
مخطّطات استعمارية
إن ما يحدث في المياه الإقليمية لليمن في ظل العدوان يدخل ضمن مخطّطات استعمارية دولية تسعى من خلالها دولُ العدوان وأمريكا وإسرائيل والدول العالمية إلى إيجاد موطئ قدم لها في السواحل والجزر اليمنية، وبالذات في مضيق باب المندب وجزيرة سقطرى وميون، بما يحقّق لكل منها المصالح الاقتصادية والنفوذ السياسي والعسكري، حتى ولو كان ذلك على حساب تجويع وحصار وقتل اليمنيين، وهذا ما تقوم به دولُ العدوان السعودي الإماراتي المدعومة عسكريًّا ومادّيًّا، بالاستيلاء على السواحل والموانئ والجزر اليمنية، وتسليمها للعدوان الإسرائيلي والأمريكي والاستفادة من الموقع البحري الاستراتيجي والحيوي.
وتؤكّـد نائب رئيس جامعة صنعاء للدراسات العليا والبحث العلمي الأُستاذة الدكتورة نجيبة مطهر، أن المياه الإقليمية اليمنية أصبحت مطمع الدول الاستعمارية؛ نتيجةَ موقعها البحري، وهدفاً رئيسيًّا للدول العظمى وهدفاً استثنائيًّا للنفوذ الإقليمي، المحتلّ للجزر والموانئ والمنافذ البحرية اليمنية أهمها مضيق باب المندب وجزر أرخبيل سقطرى وأرخبيل حنيش وجزيرة كمران الاستراتيجية، إضافةً إلى جزيرة ميون التي تعتبر أهمَّ الجزر المتحكمة بالملاحة البحرية في مضيق باب المندب والمطلة عليه.
وتضيف مطهر بقولها: “ولهذا فلا غرابة أن نجدَ الإدارات الأمريكية المتعاقبة والصهيونية العالمية والبريطانية وأدواتهم السعودية والإماراتية، تهتم بالمياه الإقليمية اليمنية وتفرض سيطرتها الكاملة على بحر العرب والبحر الأحمر، وتحتل وتسيطر على موانئ وجزر اليمن؛ لأَنَّها تسعى إلى تحقيق الأبعاد الاستراتيجية لها، ومنها إطباقُ الحصار على الشعب اليمني من جهة البحر، وهو حصار غير قانوني ولا يمت بأية صلة للمواثيق الدولية والسيطرة والتحكّم على الملاحة البحرية الدولية التي تمرُّ عبر باب المندب، حيث يمر أكثر من 30 مليون برميل نفط يوميًّا، وهذا يمثل ثلث احتياج العالم من النفط”.
من جانبه، يؤكّـد مستشارُ رئيس المجلس السياسي الأعلى عبدالإله حجر، أن دول العدوان تهدفُ من خلال احتلال الجزر والموانئ اليمنية إلى إحكام الحصار على اليمن واستخدامه كسلاح في عدوانها على بلادنا، الذي تأمل من خلاله إعادة الهيمنة على الشأن اليمني، كما ترغب دولة الاحتلال الإماراتي في استغلال الموانئ البحرية للتعويض عن الخسائر المتوقعة عن ركود ميناء دبي؛ نتيجة أية تصعيد في الخليج، كما تعمل دولة الإمارات المحتلّة على خدمة الكيان الصهيوني من خلال التواصلات السرية بينهم لتأمين مخاوفه في البحر الأحمر، الذي يعتبر شرياناً اقتصاديًّا حيويًّا لدولة الكيان الصهيوني، وتسهيل إنشاء قواعد استخباراتية لأغراض عسكرية.
التطبيعُ واحتلالُ الجزر اليمنية
وبحسب المصادر المتخصّصة في الشؤون السياسية والعسكرية، فَإنَّ الجزر والموانئ ومنفذ باب المندب يمثل أهميّة خَاصَّة للاستراتيجية الأمريكية ورغبتها في السيطرة عليها لأهميتها الاستراتيجية وارتباطه المباشر بمنطقة الخليج العربي، ولضمان استمرار تأمين الخطوط الملاحية التي يمرُّ بها النفط عبر البحر الأحمر وقناة السويس، ولاستمرار دورها الفاعل في منطقة الشرق الأوسط مع إعادة ترتيب المنطقة، طبقاً لمصالحها الاستراتيجية.
ولأنَّ الجزرَ اليمنية تشكّل محوراً مهمًّا لأيِّ عمل عسكري محتمل يهدّد مصالح أمريكا في المنطقة وما حولها، تؤكّـد المصادر بأن الأبعاد الاستراتيجية من السيطرة الأمريكية والإسرائيلية عليها خلف الاحتلال الإماراتي، ضمان للمصالح الدولية ولأمن إسرائيل التي تتعهّد به، ولمنع سيطرة قوى معادية لها على البحر الأحمر بشكل عام، وخَاصَّة مضائقه وجزره المهمة، خُصُوصاً بعد تواجد بعض الدول المتنافسة في البحر الأحمر، ومنها فرنسا وبريطانيا والصين العملاق القادم في البحث عن نفوذ في هذا الشريان البحري المهم، حيث توجّـهت نحو مصادر الطاقة في أفريقيا وتأمين خطوط الملاحة، فعقدت اتّفاقيات مع السودان وأنشأت خطَّ أنابيب لنقل النفط من جنوب السودان إلى ميناء بور سودان على البحر الأحمر، وتشير التوقعات إلى أنه ستتجاوز التجارة الخارجية الصينية مع دول حوض البحر الأحمر حجم التجارة الخارجية لأمريكا والدول الأُورُوبية مجتمعةً.
وبحسب مراقبين، فَإنَّ الأبعاد الاستراتيجية الأمريكية للسيطرة على المناطق الحيوية في اليمن أصبحت واضحة، من خلال قيام دول العدوان السعودي الإماراتي منذ بداية العدوان بالانتشار العسكري في مضيق باب المندب وجزيرتي سقطرى وميون، وهذا ما يصفه عسكريون بالاحتلال المباشر للجزر والسواحل اليمنية.
وبحسب التقارير الدولية، فإنَّ إسرائيل ومن يدعمها أدركت أهميّة البحر الأحمر بشكل عام ومضيق باب المندب بشكل خاص، وبذلت قصارى جهدها للسيطرة على ذلك الممر المائي المهم والتحكم فيه؛ لأَنَّ ذلك البحر هو قلب العالم وشريانه ومفتاح أمن المنطقة العربية منذ الأزل وإلى الأبد، فمن خلال البحر الأحمر يعبر (٦٠٪) من احتياجات أُورُوبا من البترول؛ ولهذا فقد قطعت شوطاً كَبيراً في السيطرة عليه عن طريق الإمارات المحتلّة.
وتشير التقارير إلى أن إسرائيل سعت إلى التوسع منذ إعلانها للسيطرة على منفذ لها في البحر الأحمر، استجابةً لتعليمات بن غوريون الحاسمة التي أعلن فيها أن حياة كيانه أَو موته يعتمد على البحر الأحمر الذي من خلاله يتم تحقيقُ مجموعة من الأهداف الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية.
ولا شكَّ أن علاقةَ إسرائيل والتطبيعَ معها من قبل الدول العربية، منها دولُ العدوان الإمارات والسعودية والبحرين التي أعلنت بعد الاحتلال المباشر للجزر والموانئ التطبيع وتم التواجد العسكري الإسرائيلي في جزيرة سقطرى وميون، كما تعمل دول العدوان من خلال التطبيع على تطوير استراتيجيات جديدة في احتلال الجزر اليمنية التي تؤمن الاحتلال الإسرائيلي، وهذا من أهمِّ عوامل نجاح إسرائيل في احتلال البحر الأحمر والسيطرة عليه وعلى دول شرق أفريقيا ووسطها وغربها.
ومن خلال الدراسات والبحوث، فَإنَّ تحَرّك إسرائيل في المياه الإقليمية اليمنية والسيطرة عليها ناتج عن دراسات استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار بما تراعي مصالحها وتعزيزها وبما يلحق الضرر باليمن وبالدول المطلة على البحر الأحمر.
وما يحدث في الجزر والمنافذ اليمنية المحتلّة، يمثّل الهدف الأول في التخطيط الاستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي على جميع المستويات السياسية والعسكرية والجغرافية، من خلال الاحتلال الإماراتي السعودي للجزر اليمنية، والتي تمثل مناطق مهمة لأمنها القومي بحسب ما ترصده مراكز الدراسات الاستراتيجية لديها.
وبالعودة إلى بداية العدوان على بلادنا، نجد أن قائدَ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي قد أكّـد أن السيطرة على الموانئ والجزر والمنافذ البحرية اليمنية يأتي على رأس الأهداف الاستراتيجية لدول العدوان الأمريكي السعودي على بلادنا، وهو ما أكّـده وحذّر منه قائدُ الثورة مراراً.
وترى الدكتورة نجيبة مطهر، أن ما يحدث في المياه الإقليمية اليمنية من وجود دولي وإقليمي واحتلال مضيق باب المندب والجزر والموانئ، هي أحداث تخفي وراءَها أبعاداً استراتيجية كبرى، أهمُّها أنها تمهد لإدارة أكبر معركة بحرية سوف يشهدها العالم، ويمكن أن تكون هذه المعركة في مضيق هرمز أَو في مضيق باب المندب، وهذا حسب المخطّط الصهيوني الرامي إلى بسط كامل نفوذه على باب المندب والجزر والموانئ اليمنية، وبدعم دول عظمى منذ عهد الرئيس الشهيد الحمدي، وقبله الإمامُ يحيى حين كان الاحتلال الإسرائيلي والدولي يسعى وراء ذلك.
وعلى هذا الخط، تلتقي مصالح الكيان الصهيوني –بحسب الدكتورة مطهر- مع مصالح الدول الخليجية التي جاهرت بالتطبيع، وبدأوا بكلِّ جرأة احتلال الجزر والموانئ اليمنية، حيث يجعل من إسرائيل مركزاً إقليميًّا للنقل البحري بما يعزز اقتصاد الكيان ويجعله الرابح الأكبر على حساب الآخرين، خُصُوصاً نشاط النقل عبر البحر الأحمر ومضائقه.
احتلالُ باب المندب
يمتاز مضيق باب المندب بعرض وعمق مناسبين لمرور كُـلّ السفن وناقلات النفط على مسارين متعاكسين متباعدين، حيث يبلغ عرضه 30 كم، وعمقه 100-200م.
ووفقاً للإحصائيات العالمية، فَإنَّ مضيقَ باب المندب يستحوذ على 7 % من الملاحة العالمية، ويمرُّ منه حوالي 6 ملايين برميل نفط يوميًّا، وهذا ما يؤكّـد مصلحةَ الدول الكبرى ودول الإقليم في أهميّة السيطرة على هذا الشريان الدولي، الذي تتدفَّقُ منه الطاقةُ لأهمّ وكُبرى الدول الصناعية، إضافةً إلى أنه تمر منه 13 % من إنتاج النفط العالمي عبر البحر الأحمر.
وتمرُّ به شحنات تبلغ نحو 4,8 ملايين برميل يوميًّا من النفط الخام والمنتجات البترولية المكرّرة إلى أُورُوبا وأمريكا، ما يعادل 60 % من احتياجات أُورُوبا، ونحو 25 % للولايات المتحدة الأمريكية.
ويُقدّر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر فيه في الاتّجاهين بأكثر من 21 ألفَ سفينة وناقلة، بواقع 57 سفينة يوميًّا، وتعبر منه نحو 12 مليون حاوية سنويًّا.
وتؤكّـد مصادر محلية وتقارير دولية، أن مضيق باب المندب تعرض لاعتداءات كثيرة، آخرها منذُ بدء العدوان على اليمن في 26 مارس 2015م، حيثُ أخذ نصيبَه من الغارات الجوية اليومية لطيران العدوان، والتي تصل إلى أكثر من 100 غارة في اليوم الواحد، حتى تمكّن الاحتلال الإماراتي من السيطرة عليه وبمساعدة المرتزِق والخائن طارق عفاش وجميع المرتزِقة الذين اعتنقوا الخيانة للوطن؛ لأَنَّه من ضمن أهداف دول العدوان على اليمن ومطامعها الاستعمارية، يليها بقية السواحل والجزر اليمنية المحتلّة حَـاليًّا.
وبحسب المصادر، فَإنَّ مضيق باب المندب قد تعرّض لحرب منذ عقود؛ بسَببِ أهميته، حيث قامت مصر بإغلاقه في حرب أكتوبر 1973، طوال الحرب ولم تفتحه إلا في يناير 1974، بعد توقيع اتّفاقية فض الاشتباك الأولى وبدء الانسحاب الإسرائيلي من غرب قناة السويس.
وتضيف المصادر، أن المضيق كذلك تعرّض لهجوم أمريكي إثر هجمات 11 سبتمبر 2001 وبالتحديد في فبراير 2002، حيث قامت فرقة العمل المشتركة 150 التابعة للقوة البحرية المشتركة، تحت قيادة أمريكية، بتأمين المضيق لمحاربة القرصنة في المنطقة -حَــدّ ادّعائها-، مشيرةً إلى الوجود الإسرائيلي في باب المندب والذي يعود إلى ستينيات القرن الماضي، وتحديداً عندما قرّرت بريطانيا وعلى وقع ضربات الشعب اليمني وتوسع حجم العمليات الفدائية، الرحيل من عدن ومن المحافظات الجنوبية.
وعن تواجد إسرائيل في باب المندب في الماضي، تؤكّـد المصادر أن إسرائيل تواجدت بعد أن نسجت خيوط العلاقة مع دولة إثيوبيا، واستفادت منها في إيجاد موطئ قدم لها في منطقة جنوب البحر الأحمر، عبر استئجار جزر إثيوبية (قبل استقلال أرتيريا بعقود)، أعقبته محاولات التمدد والتوسع للسيطرة على مضيق باب المندب، الذي يشهد هذه الأيّام احتلالاً مباشراً من قبل الاحتلال الإماراتي الأمريكي الإسرائيلي، واعتداءات وتحَرّكاتها عدوانية سابقة؛ بهَدفِ السيطرة عليه وعلى الجزر اليمنية، والتي نجم عنها اغتيال الرئيس الشهيد الصماد، ومن قبله اغتيال الرئيس الشهيد الحمدي.
وبحسب موقع القدس العربي، فَإنَّ اليمن أدرك مبكراً الأطماع الإسرائيلية في المنطقة وسعيها إلى توطيد علاقاتها مع البلدان الأفريقية القريبة في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وهذا بحسب مذكرة سرية أرسلت من اليمن إلى الجامعة العربية في أكتوبر (تشرين الأول) 1977، يؤكّـد فيها تزايد الوجود العسكري الإسرائيلي والأثيوبي في منطقة ساحل أريتيريا وباب المندب، وأن أثيوبيا باعت الشريط الساحلي الأرتيري للمخابرات الصهيونية، الأمر الذي يمكّن الكيان الصهيوني من التهديد المباشر للجزر اليمنية والمضيق الجنوبي، ولا سيما أن بعض الدول العربية سلكت سلوكاً عدائيًّا تجاه بعض الدول الأفريقية.
ولهذا نجد أن معظم التحليلات والتقارير والدراسات السياسية العربية والدولية، أثبتت أن إقدام أرتيريا على احتلال جزيرة حنيش في منتصف كانون الأول (ديسمبر) 1995، بدعم وقيادة إسرائيلية جرى لصالح الاستراتيجية الإسرائيلية التي تتطلع إلى تحقيق تقدم ملموس للسيطرة على البحر الأحمر، حيثُ نجح الكيان الصهيوني في الالتفاف على استقلال أرتيريا وتوثيق العلاقة مع حكومتها، إضافةً إلى نجاحه من خلال السيطرة على الدولة المطلة على البحر الأحمر، وكذلك من خلال الحرب والعدوان على اليمن الذي يعتبر في نظر السيد عبد الملك الحوثي والكثير من المحللين السياسيين، الطريقَ الوحيدَ لاحتلال باب المندب والجزر والموانئ اليمنية.
بوابةُ إسرائيل الكبرى
تؤكّـد الدكتورة نجيبة مطهر، أن أوّلَ تحليق جوي للطيران الحربي الإسرائيلي فوق باب المندب كان في العام 1976م، الذي كان من ضمن المخطّطات الاستراتيجية الصهيونية منذ الفترة العثمانية، إذ اتّفق أُولئك المخطّطون على ضرورة امتداد الحدود اليهودية إلى سواحل البحر الأحمر، والحصول على المميّزات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي يوفرها هذا الامتداد؛ باعتبَاره المجال الحيوي لتحقيق حلم الصهاينة بإقامة إسرائيل الكبرى، والذي لا يتم إلَّا من خلال السيطرة على مضيق باب المندب والجزر والسواحل اليمنية الماثلة في أذهان مخطّطي استراتيجية الاحتلال الإسرائيلي.
واهتم الكيانُ الصهيونيُّ بالجزر اليمنية ضمن استراتيجيته في السيطرة عليها والتحكم بمضيق باب المندب لتحقيق الأهداف وَالأبعاد الاستراتيجية والسياسية والعسكرية والاقتصادية المتمثلة في التأثير بشكل أَو بآخر على دور الدول العربية الواقعة على ساحل البحر الأحمر، وضربها عسكريًّا بواسطة قوته البحرية خلال أية مواجهة عربية – صهيونية، وتأمين الاتّصال بين البحر الأحمر والبحر المتوسط لحلفائه من القوى الاستعمارية، بالإضافة إلى أن احتلالَ الجزر اليمنية في البحر الأحمر تضمن قدرته ومن المركز القوي، على إغلاق مضيق باب المندب في الوقت المناسب في وجه الملاحة العربية واليمنية والسيطرة عليها، وهذا بحسب مصادرَ محلية.
وَمن ضمن الأبعاد الاستراتيجية، تؤكّـد المصادر أن السيطرة على الجزر اليمنية يؤدي إلى مرونة التحَرّك التجاري والاقتصادي باتّجاه الجنوب، وعبر البحر العربي والمحيط الهندي؛ بقصد التواصل بأقطار جنوب شرق آسيا والقارة الأسترالية، والتمكّن من الإشراف على حركة الملاحة في البحر الأحمر على طول الخط الملاحي الممتد من باب المندب إلى ميناء إيلات، وذلك بإقامة نقاط مراقبة بحرية على الجزر اليمنية الممتدة في البحر الأحمر، وإنشاء قواعد عسكرية بحرية وجوية في جنوب البحر الأحمر في الجزر اليمنية، ليستطيع هذا الكيانُ الانطلاقَ منها وفرض سيادته على مياه وسماء البحر الأحمر.
المسيرة | عباس القاعدي