خط الإيمان والجهاد أفضل من عمارة المسجد الحرام. القول السديد
خط الإيمان والجهاد أفضل من عمارة المسجد الحرام.
{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ} وهنا يصحح القرآن الكريم يصحح لنا المقاييس، وكيف تكون نظرتنا حتى لا نخدع، ولا نكون ساذجين، حتى نكون واعين.. لماذا؟.
بعض الأعمال مثلما قلنا التي ظاهرها الصلاح يسهل على الكافرين والمشركين والضالين والمنافقين والمنحرفين عن الحق يسهل عليهم أن يعملوها، يسهل عليهم، يعني: حتى لو كان كافرا أو مشركا أو منافقا أو ضالا أو فاسقا يسهل عليه أن يعملها؛ لأنها لا تحتاج إلى دافع إيماني للقيام بها، وقد يتوفر دافع آخر لفعلها، من مثل ماذا؟ من مثل بناء مساجد أو ترميمها، من مثل خدمات للحجاج مثلما تعمل الحكومة السعودية.
الحكومة السعودية الآن على ما هي عليه من عمالة، على ما هي عليه من ارتباط واضح معلن ووثيق بأعداء الإسلام وفي مقدمتهم أمريكا وإسرائيل تقدم خدمات للحجاج، وتهتم بالعمران والمباني والتزيين وما شابه للمشاعر المقدسة في مكة والمدينة، لمسجد الرسول، للمسجد الحرام، للمرافق التي هي في منطقة مكة وما شابه، يسهل عليهم ذلك، ويسهل حتى على أي عدو من أعداء الإسلام أي مجرم أي كافر أن يبني مسجدا أن يرممه أن يزينه وما شابه، يسهل عليه ذلك. هذا ليس دليلاً على إيمان، ليس دليلاً على استقامة ولا على صلاح نية، ولا على إخلاص لله سبحانه وتعالى. مثل هذه الأعمال يمكن أن تعمل؛ لأنها سهلة من جانب لا تصطدم بالحالة النفسية وتتعارض معها، ومن جانب آخر تستثمر لخداع الكثير من الناس، والتأثير على الكثير من الناس.
الله سبحانه وتعالى يصحح هذه المقاييس{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ} الاهتمام بالحجاج وسقيهم بالماء، مع أن سقيهم بالماء العذب في ذلك العصر في صدر الإسلام كان أمراً متعباً، أمر متعب، لم يكن هناك في بداية أمر الإسلام في عصر النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) لم يكن هناك مضخات عملاقة، ولا مكائن، ولا ارتوازات، ولا أي شيء، كان عملية سقي الحجيج عملية متعبة وشاقة، وكان البعض يقوم بها ويفتخر بها ويتباها بها، ويتأثر به الكثير من الناس فينظرون له نظرة إعجاب وإكبار، ويرون فيه ولي من أولياء الله، يضيع في مقابل مكانته وترميزه وتقديره يضيع من هم أهل جهاد وإيمان وصلاح واستقامة.
{وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}،{وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} إما عمارة البنيان أو حتى عمارة الحضور المتكرر للحج والعمرة وما شابه. هذه الأعمال بكلها ليست شيئاً في مقابل الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيل الله.
{كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} هذه الآية أيضاً تعطينا نظرة صحيحة لتقييم الأعمال، الأعمال متفاوتة، مثلاً: البعض من الناس يعتاد إلى أن يعتمر كل عام وينفق في سبيل ذلك أموال باهظة، ينفق مالا للعمرة في كل شهر رمضان يعتمر وينفق مالا لأداء العمرة، فيما هو لا ينفق ولا فلساً واحداً في سبيل الله، حاله كيف هو؟ البعض قد ينظرون إليه إلى أنه من أولياء الله؛ لأنه يحج كل سنة ويعتمر في كل سنة، مكانته عند الله ساقطة ، مادام هو بعيد عن مسؤولية أساسية في الإسلام هي الجهاد في سبيل الله. فبدلاً من إنفاق مال في كل عام على حج أو عمرة، فيما هو لا ينفق في سبيل الله، فيما هو لا يقوم بواجباته الجهادية فهو في واقعه واقع ضعيف بعيد عن أساسيات في الإسلام، وهو يقصر ويفرط في مسؤولية أساسية تجعل عمله الآخر غير مقبول عند الله سبحانه وتعالى.
…
{لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ} ليسوا سواء، من{آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} اتجه في حياته على أساس الإيمان، ونهض بمسئوليته مجاهداً في سبيل الله، وأولئك خدام الحرمين الشريفين وما شابه، والمهتمين بالعمرة والحج بشكل متكرر مع تقصير في مسئولياتهم الجهادية.
{وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} فلذلك لا يوفقون، ويهتمون بأعمال لا تقبل منهم؛ لأنهم قصروا في أعمال أخرى هي أساسية.. فمن هو الأعظم والأفضل والأرقى درجة عند الله، والمقبول عمله عند الله من أولئك، من هم مهتمون بالحجاج على ما فيه من خدمة ويعمرون المسجد الحرام وليس أي مسجد عادي، أم من يتحركون في خط الإيمان والجهاد؟.
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}،{الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ} هاجروا في سبيل الله، وسواءً هجرة فرضها واقع معين فاضطروا للهجرة للحفاظ على دينهم، أو الهجرة في إطار عمل ومسؤولية.
{وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ} فلم يبخلوا بالمال حين بخل به الباخلون، ولم يبخلوا بأنفسهم فتحركوا في سبيل الله، هؤلاء قال الله عنهم أنهم:{أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ} هم ذوو الفضل عند الله، هم من لهم مكانتهم عند الله، هم من تقبل الله عملهم وسعيهم.
{وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} هم الفائزون بكل ما يندرج تحت هذا الفوز من رحمة وفضل وجنة وسعادة وسلامة من عذاب الله، فوز عظيم، ليس فوز برتبة أو وظيفة أو مقام دنيوي، أمور عظيمة جداً.
وقد تفاخر البعض على الإمام علي (عليه السلام) في عصر النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) افتخر البعض بأنهم سقاة الحجيج، والبعض بأنهم عُمَّار المسجد الحرام، وقدموا أنفسهم أنهم حتى أفضل من الإمام علي (عليه السلام)، ونزلت هذه الآية لا لتكون حصراً على أولئك، بل لترسم معالم لكل زمن وفي كل مرحلة.
{يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ} ولهذا تحدثت لم تتحدث في إطار شخصي عن شخص؛ لأنها رسمت معالم لكل زمن.. هؤلاء الفائزون لهم هذه البشارة العظيمة من الله ربهم {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ} فالله بشرهم برحمة منه، ورحمة الله يندرج فيها أشياء عظيمة وكثيرة، من رعايته ولطفه وهدايته وأشياء كثيرة.
{وَرِضْوَانٍ} وما أعظم هذا الفوز، وما أعظم هذا، فالله يمنحهم رضوانه الذي هو أكبر حتى من الجنة. ثم النعيم المادي {وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} نعيم مقيم لا يتغير لا يبلى لا ينتهي وهم في خلود لأبد الأبد.
{إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} هذا كله يرغب في التحرك في سبيل الله والجهاد في سبيل الله، مع هذا الوعد الإلهي وهذه البشارة الإلهية.
دروس من سرة التوبة / ألقاها السيد
عبد الملك بدر الدين الحوثي