خطورةُ الدور الروسي!

عبد الكريم الوشلي

عظيمةٌ هي حاجةُ أمتنا المستهدَفة والمتكالَبِ عليها من كُـلّ حدوب التربص والأطماع والعدوان، إلى التقاط العظة وأخذ العبرة من كُـلّ ما جرى ويجري، وهو غير هيِّن على الإطلاق، وآخرُه الأليم المؤسف الحاصل في سوريا فاتحًا المزيدَ من الأبواب على مصراعيها أمام أطماعِ تقسيمها وتقاسم أرضها وخيراتها بين قوى الكيد والمكر والعدوان بشقَّيها الدولي والإقليمي وعلى رأسها الأمريكي والصهيوني الذي لم يطق صبرًا حتى انقشاع غبار الأحداث، فبادر، منتشيًا، إلى عدوانه الهستيري الشامل والمدمِّـر على سوريا واحتلال أجزاء مهمة منها مدفوعًا بغلواء الحقد والانتقام وأوهام النصر التي يأنس فيها الإطلاق التام لأطماعه وغرائزه العدوانية المسعورة.

فمنذ السنوات الأولى التي تلت العام الميلادي ٢٠١١ توسع النفوذ الروسي السياسي والعسكري وحتى الثقافي داخل سوريا وتعمقت مفاعيله في واقعها الجيوسياسي على نحو لافت ومثير لتساؤلات المراقبين، وكل ذلك بحجّـة “مساعدة” سوريا وتقديم يد العون للدولة السورية في مواجهة التكفيريين الذين تمددت حركتهم العُنفية على نحو فاق التصورات في حينها تحت غطاء ما أطلق عليه “ثورةً” على النظام ضمن ما أُسمي حينها “ربيعا عربيا” لم تنجح كُـلّ أدوات التمويه والتورية في إخفاء الأصابع الأمريكية والغربية في رسم مسار عاصفته الهوجاء وتوجيهها بما يخدم المشروع الكبير لأمريكا ومنظومتها الغربية والدولية الشريكة فيه على حساب شعوب المنطقة وفي غير صالحها بكل تأكيد، ولم تكن الأنظمة الوظيفية التبعية في الإقليم خُصُوصًا السعوديّة والإمارات وقطر وتركيا بمنأى عن كُـلّ ما يجري..

كان واضحًا أن طبيعة الدور الروسي المتنامي في سوريا مغايرةٌ، حسب منطوق الأحداث والوقائع، لعنوانها الظاهر أَو المعلن، بل إن نفرا لابأس به من المراقبين والمحللين لحظوا التنسيق المتوافر على كثير من الانسجام بين الروسي وبقية اللاعبين الفاعلين في الساحة السورية خُصُوصًا التركي والصهيوني والأمريكي الذين تعارضت أجنداتهم ظاهرا (وتناغمت عمليًّا وواقعًا) في مراوحتها بين طموحات الاقتطاع من الأرض السورية بمسميات وذرائع واهية لدى طرف (تركيا) والدأبِ المنتظِم في سرقة النفط واستهداف مزارع القمح وبناء القواعد غير المتفق عليها لدى طرف آخر (أمريكا) والعربدةِ بالغارات العدوانية شبه اليومية بالنسبة إلى طرف ثالث (الكيان الصهيوني) وهكذا..

في ما يخص تحديدًا الطرف الأخير الصهيوني كان في تكرار اعتداءاته التي تمادت وأخذت طابعا روتينيًّا شبه يومي في السنوات الأخيرة على سوريا، التي تمتلك الحق ومعه كُـلّ الوسائل الكفيلة بردع المعتدي وإيقافه عند حدِّه ولكنها لم تفعل ذلك ولا حتى لمرة واحدة، ما أثار على الدوام التساؤلات حول ذلك، ولم يكن ثمة من إجَابَة مقنعة وشافية لغُلة تلك التساؤلات عدا القول إنه لولا الدور الروسي الخطير الذي يضع حبوب “الصداقة”.

المنوِّمة في كأس القيادة السورية -للأسف الشديد- ما يجعل الصهيوني مرتاحا تمامًا وهو يمارس هوايته في قتل السوريين، وتدمير مقدَّراتهم، بوتيرة ظلت تتزايد -كما كان مُلاحَظًا- مرة بعد أُخرى ويوما يتلوه آخر، لولا ذلك الدور الروسي الخطير المكبِّل ليد الردع السوري في مواجهة تلك العربدة الصهيونية المتمادية لما كان للأمور أن تسير على ذلك النحو الغريب والعجيب!

وكان من بين اللافت، في السياق، ما جاء -على سبيل المثال- في التقدير الاستراتيجي “الإسرائيلي” في العام٢٠٢١م الذي بث بعض القنوات الفضائية العربية مقاطع مكتوبة منه في حينه، وهو جملة تقول حرفيا: “يجب الحفاظ على الحوار مع موسكو وحرية العمل التي تعطيها لنا في سوريا”!

وكان هذا دليلا آخر، يضاف إلى سلة مربزة من الأدلة والشواهد التي تؤكّـد ما ذهبت إليه تلك الرؤى والتحليلات منذ ذلك الحين المبكر من أن روسيا في دورها المتستَّر عليه لصالح “الإسرائيلي” لا تقل عن الغرب، بل أخطر؛ لأَنَّها تتخفى في خدمتها لـ “إسرائيل” بجلباب الصداقة الزائفة للعرب، وهذا سرُّ ما تمتع به العدوّ الصهيوني طيلة ما مضى وحتى اليوم الذي جرى فيه ما جرى، من أريحية في اعتداءاته المتكرّرة على سوريا وهو “آمن” وغير خائف من أي رد سوري رادع له في داخل كيانه؛ لأَنَّ الروسي ظل يستغل ثقة القيادة السورية في “صداقته” المزعومة، ويعمل على الحيلولة دون قيامها برد من ذلك القبيل.. ما يسوِّغ القول باستخلاص الواثق المعتبِر واللاقط لعصارة التجربة الواقعية إن أخطر الأعداء هو ذاك الذي يتلطى بزي “الصداقة” الخادع!

فحمدا لله على نعمة مشروعنا التحرّري النهضوي القرآني النيِّر والمستبصر، الذي جنَّبنا أمثال هذه المزالق والمطبات في الاستقطابات الدولية التي تتحول إلى مصائد للدول المستضعفة والمستصغرة في عيون الدول “الكبرى” المهيمنة والطامعة، حين تكون قيادات وأنظمة تلك الدول الواقعة “في الشِّباك” على غير هُدى قابسٍ من نور هذا المشروع العظيم.

وسلام الله على قيادتنا الثورية القرآنية الحكيمة التي حالت بحكمتها وبصيرتها وحنكتها دون الوقوع في شراك هذا المكر الدولي وتجاذباته واستقطاباته الخطيرة التي تقوم على توزيع الأدوار بين عدو مبين ظاهر.. وآخر متنكر في جلباب الصديق المنقذ والمُعين، وواقعُ حاله مغايرٌ تمامًا.

قد يعجبك ايضا