خطاب حرب ام خطاب سلام..؟؟ بقلم / عبدالملك العجري
خطاب حرب ام خطاب سلام..؟؟ بقلم / عبدالملك العجري
توقيت الخطاب جاء في تزامن مناسب مع مشارفة مشاورات الكويت على نهاية درامية أصبحت واردة جدا .
كعادته فحينا يظهر السيد من المرونة ما يطمع خصومة بانهم قادرين على انتزاع ما يريدون او يجعلهم يسيئون تأويل مرونته وقراءة مواقفه بطريقة خاطئة بل أحيانا يتحير بعض مريديه ومناصريه وغيرهم ممن تتقاطع بعض مواقفهم مع موقفه في إيجاد تفسير لمرونته الزائدة ,,,فجأة وفي لحظة استيقن ان خصومه لا يريدون فهمه ويبالغون في الاستحمار السياسي تنقلب الآية ويبدوا بصورة أخرى مغايرة , شعلة من نار صلابة لا تعرف لين واقدام لا يدخله تردد ويقين لا يخالطه شك ,واستعذاب للتضحية واستعداد تام للوصول بالمواجهات الى نهاياتها ,,حتى ليخاله من يقتطع هذا المشهد من المشهد الكلي للحدث محارب اغوار ومغامر بلا افق واحد هواة المقامرات الصفرية من دون أي هامش للمناورة او للسلام .
ولتقريب هذا التناقض المحمود في تركيب شخصية كل القيادات الفذة استعير الصورة التي رسمها الشاعر العربي في البيت التالي :
احلامنا تزن الجبال رزانه …وتخالنا جنا إذا ما نجهل
” والله أن نتحول الى ذرات تبعثر في الهواء أهون علينا أن نستسلم لأولئك الأشرار “عبارة تغني عن أي إضافات فنتازية ..قالها السيد الحوثي بينما وفده في الكويت ينتظر مفاجئات الساعات الأخيرة ,فلماذا يقول هذا ؟
الوفد الوطني قدم على امتداد السبعين يوما في الجولة الأولى ان في رؤيتهم او في تخاطبهم مع الطرف الخليجي والأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي التي بيدها معظم مفاتيح الحل مبادرات أكثر من عادلة وأكثر من منصفة الى حد الاجحاف على حد السيد ترتكز على اهم مبدا عالمي لفض النزاعات المسلحة اعنى مبدا التوافق او الديمقراطية التوافقية أفضل الصيغ التي ابتكرها الفكر السياسي المعاصر لفض النزاعات وجربت في اكثر من بلد في افريقيا واسيا وبعض دول اوربا وامريكا اللاتينية مع اخذ الاعتبار إعادة تكييفها وفقا لخصوصيات كل بلد ,ورغم السلبيات التي تلحق بالعملية السياسية وتظل تكبلها لفترة من الوقت الا انها اهون مقارنة بكوارث استمرار الحرب .
اظهر الوفد الوطني وانصار الله بالذات الاستعداد لتلطيف العدائية المستحكمة في العلاقة بينهما وبعض المبادرات لإرضاء غرور امراء الرياض ,الا ان النتائج كانت دون المستوى المأمول وكلما قطعنا خطوة للأمام فوجئنا بتراجعهم خطوة للخلف .
من خلال متابعتي وربما علاقتي بالوفد الوطني أستطيع ان أقول بقدر جيد من الثقة ان المجتمع الدولي وحتى الخليجيين مقتنع بان طروحات ومبادرات الوفد الوطني أكثر تقدما وواقعية وأكثر اقناعا من الهشاشة التي عليها وفد الرياض الذي لا يعرف بالضبط ماذا يريد؟ ويمكن استنتاج ذلك من التصريحات المتقدمة والمتفائلة لعدد من المسؤولين رفيعي المستوى الامريكان البريطانيين وحتى خليجيين ,,فما الذي حدث ؟
في تقديري الشخصي ان المجتمع الدولي بما فيهم أمريكا وبريطانيا والخليجيين مقتنعون ولكنهم تائهون و غير واثقين من المستقبل وقلقون من مالات الأمور,و في أي اتجاه يمكن ان تصب النهايات ,وفي أذهان الخليجين بالذات النهايات المزعجة للتدخل الأمريكي في العراق الذي صبت نتائجه في الوعاء الإيراني على غير ما كان متوقعا .
المجتمع الدولي والسعودية غير متحمسين لبقاء هادي والضعف العجز الذي ظهر عليه جعلهم يستبعدون فكرة بقاءه فرس رهان ليمن ما بعد الحرب الذي يريدونه ,ال الأحمر والجنرال الأحمر قيادات مستهلكة وغير مرغوبة لمعظم اليمنيين فوق انهم فقدوا اهم مرتكزات نفوذهم في الهضبة الشمالية مصدر الشرور بالنسبة لنظام الرياض لسعودية ومهما كانت التسهيلات التي يمكن ان تمنحها لهم أي تسوية سياسية لن يعود عبدالله الأحمر الزعيم القبلي ورجل السعودية القوى ,والجنرال العجوز خسر جنوده وبدد قواته في حروب صعدة وما تلاها من حروب وفقد اخر قلاعه العسكرية التي كانت تجثم على صدر العاصمة صنعاء وتحصى أنفاسها , واصبح كاسد منزوع المخالب والاسنان ,كل هذا في وقت اصبح عليهم ان يلعبوا في ساحة لم تعد كما كانت ساحة مغلقة عليهم بعد ان احتلها منافسون شرسون و اشداء.
حزب الإصلاح حليف ثقيل الوطأة وغير مأمون كما انه خسر اهم عوامل قوته القبيلة والعسكر ويمكن ان يكون فاعلا من فاعلين في بعض مناطق الوسط لكنه لن يكون قادرا على المنافسة على الهضبة الشمالية وغير مرحب به في الجنوب .
القيادات الناصرية والاشتراكية والقيادات المتعدد الشرائح المهاجرة للرياض ياسين المخلافي العتواني بن دغر جباري …الخ يمكن ان تكون ديكورا يجمل المشهد لكنها لن تكون فاعلا فيه.
الحراك الجنوبي مشكلة بحد ذاته وتتعارض اجنداته مع أجندات الخليج .
السعودية تائهة جدا في اليمن والمشهد امامها ضبابي والساحة تكاد تكون خالية امامها من الرجال الأقوياء وحرب العام ونصف العام كانت تجربة محبطة فشلت في اعادة تأهيل صلاحية اوراقها القديمة و ترميم الحطام البالي لرجالها في اليمن ,كما لم تساعد الحرب في افراز قوة جديدة متماسكة او قيادة جديدة يمكن ان تكون فرس الرهان يضمن لها إعادة اليمن للحضيرة السعودية وتحقيق اهدافها .
السعودية تائهة وحائرة جدا في الإمساك بخيوط اللعبة من جديدة وتستحضر تجربة العراق الكارثية عليها وتخشي في ظل خرائط التوازنات القائمة من تكرار تجربة العراق في اليمن فأي تسوية مها كانت في اليمن في ظل التوزيع الراهن لخريطة الصراع وموازين القوى -حتى وان ضمنت انه لن يذهب لإيران كما حصل في العراق- فلن يضمن لها عودة اليمن لسابق عهده حديقة خلفية للرياض ولن تعود الفاعل الرئيس في صناعة الاحداث والرؤساء .
السعودية ظلت تبتز الولايات المتحدة بتقديم العراق لقمة سائغة لايران وتبتزهم حاليا بان اليمن معرضة لتكرار نفس السيناوريو.
مشكلة المجتمع الدولي انه ينظر لليمن بعيون الرياض ومتواطئة في ربط مصيره بيد الرياض، ولا تظهر مواقفهم أيّ اعتبار للشعب اليمني أو سيادته الوطنية، ويشكّل هذا التموقع مؤشرًا على طبيعة العلاقات والمصالح بين المملكة السعودية ومختلف دول العالم عامّة، والقوى الكبرى خاصّة؛ إذ يقدّم النفط وعقود الأسلحة دعامات مهمّة للمملكة.
كان هناك رهان على دق الاسافين بين اهم المكونات الوطنية انصار الله وحلفائهم واحزاب اللقاء المشترك الرافضة للعدوان وبين المؤتمر الشعبي العام وحلفائه لتتحول اليمن الى فسيفساء من القوى المتناقضة والمتصارعة خالية من وجود كتلة وطنية معتبرة ذات قوة ووزن يمكن ان تشكل محور الارتكاز في صناعة الاحداث وتوجيهها .
يتصور نظام الرياض ان خارطة فسيفسائية من القوى المتناقضة المتعادلة الاحجام يسهل عليها اعادة صياغة المشهد اليمني وضبط ايقاع الصراع لسلم اهدافها ,فجاء هذا الاتفاق بمثابة صفعة عنيفة يقضى على بارقة الامل المتبقية .الاتفاق جاء في الاتجاه المضاد للمشهد الفسيفسائي من خلال اعلانه تنظيم اهم القوى الوطنية الفاعلة في تكتل سياسي ووطني واحد وبالتالي التكتل الحاسم والفاعل في المستقبل اليمني .
على الرياض ان تقتنع انه ليس في الامكان افضل مما كان فاليمن قد حسم امره وكما لن يكون لإيران لن يكون ايضا للسعودية, ومحاولة اكراه الواقع والتعسف في التعامل مع الحقائق الاجتماعية والسياسية والتاريخية الراهنة لن يوصلها لإعادة تشكيل اليمن ليكون يمنا سعودي الهوى بقدر ما يدميها ويدمي اليمنيين .
الطريق الاقرب للرياض الا تستمر في عرقلة الحوار وبالحوار يمكن ان تحقق كل اهدافها المشروعة في اليمن ومن اليمن وبالحوار يمكن ان تبدد كل مخاوفها المشروعة من اليمن وفي اليمن ,بالحوار يمكن ان يؤسس البلدان لعلاقة ذات أولوية تفرض التزامات سياسية واقتصادية وأمنية متبادلة لا تقبل التعسف والابتزاز او الفوقية والتعالي المهين , علاقات تستوعب الحقائق الجغرافية والمشتركات الثقافية ولا تتناقض مع المواثيق الدولية والإقليمية.
ارحمونا وارحموا انفسكم …