خان شيخون، صعدة، طنطا والموصل… الدماء نفسها والسفاح نفسه
قد تكون المقاربة غريبة بعض الشيء على من يقرأ عنوان الموضوع، فالميادين في الظاهر بعيدة في الجغرافيا والبيئة، والجريمة كما هي للوهلة الأولى مختلفة في القاتل أو المسبب وفي المعطيات والاهداف، والضحايا لا تبدو مشابهة وهي، وبحسب نتيجة غسل الدماغ، تظهر للكثيرين من ابناء هذا الشرق التعيس وكأنها اعداء أو اخصام.
في الحقيقة الدماء هي نفسها، دماء إخوة في الظلم والاستهداف والاستغلال، ألوانها نفسها ورائحتها تشبه بعضها، تركيبتها متشابهة وجميعها تحمل علامات الفقر والظلم والضعف والجوع والمرض.
الدماء نفسها، تتدفق بقوة في البداية بعد كل انفجار ناتج عن عبوة أو صاروخ أو قذيفة أو غيرها، لا تقبل الا ان تنتشر وتتوزع في ارجاء المكان حيث استهدف صاحبها، تسيل زكية مثل بعضها، تنساب مسرعة دون توقف، تسابق الزمن مهرولة الى عالم آخر، عالم بعيد مختلف، عالم لا مكان فيه للخوف، عالم تراه آمنا وأمينا، حيث تعلم انها لن تُهرق غدرا وظلما مرة اخرى، عالم بعيد عن القتل العبثي والاجرام الغريب الذي يضرب ويدمر ويحرق دون سبب أو هدف.
الدماء نفسها، دماء شعب واحد، مهما اختلفت اماكن وجوده، دماء اختارها سفاح واحد، بمعزل عن توجه أو مذهب أو سياسة أو وطن صاحبها، إختارها فقط لانها “دماء”، ولانه يحتاجها لتكون وقودا لدفع قطار اسود لا يعمل الا على قطرات الدم وعلى نزيفها، قطار يتنقل من محطة الى اخرى، يحمل معه ما تيسّر من جهلة وسذج، أو من فقراء مؤمنين، سفاح يجعلهم يتواجهون، يتدافعون، يتقاتلون، بعضهم مُسيّرون دون وعي يتسابقون لقتل ورمي اخاهم الاخر، اخاهم الذي يقف مصدوما، محتارا، صارخا فمُدافعا، فقط لان السفاح قال لإعمياء البصر والبصيرة منهم بان قطار الدم هذا لن يصل آمنا بالجميع وهو يحتاج لاختزال والغاء الكثير من ركابه .
ابناء سوريا، ابناء اليمن، ابناء مصر، ابناء العراق، فلسطين، لبنان، تونس، ليبيا …. و جميع ابناء العرب من دون تجأوز احد أو نسيانه، ” كل ” ابناء سوريا و اليمن و العراق و غيرهم … هم ضحايا مستهدفون، و دماؤهم وقود لمخططات الاجرام والتفرقة و التقسيم والتفتيت، جميعهم، وكلٌ من موقعه ومن جبهته ومن ميدانه ومن جغرافيته، مشاريع قتل وذبح وإلغاء .
الى متى سيبقى أطفالهم يقتلون… يتمزقون… يتطايرون… ألم ترتوِ أرضهم من دمائهم البريئة الذكية المظلومة؟ وكل ذلك باسم ماذا؟ وباسم من؟ بأي هدف ولأي سبب؟
أيعقل أن هذه الدماء البريئة تسيل في سبيل الله وفي سبيل دينه؟ أيعقل هذا؟!! أيعقل أن يكون هذا القتل والإجرام لصيانة وحماية عقيدة سماوية أنزلها ونشرها الله سبحانه وتعالى؟ أليس هو الرحمن الرحيم؟
طبعا… من المستحيل أن تكون هذه العقيدة بحاجة لتلك الدماء الغزيرة كي تحمي نفسها، لا بل بالعكس فإن هذه الدماء البريئة بحاجة لهذه العقيدة، ولأنها عقيدة سماوية تحمل في ثناياها قوة الحق والعدل والايمان فهي التي ستقف بمبادئها وقيمها بوجه هذا السفاح القاتل، وستحافظ على هذه الدماء وستحميها باذن الله .