حُزن الكون العميق
تُطلّ هذه القصة بكاميرا مُتحرّكة من خارج الغلاف الجوّي للكُرةِ الأرضية وتدور مُسرعَة بحثاً عن مكانٍ مُظلم وبعيد، تلتقط الموقع بخفّة وتُسلّط ضوءاً ذهبياً باتّجاهه،(هُناك حيث تركُض فاطمة وتكتب تقيّة ويشُد محمّد شعر سارة). أربعة أطفال بملامح حادّة وبشرة سمراء بلون البرونز. يُشير المُخرج بأصابعه فتمُر طائرة بِالقرب منهم وتُصدِر صوتاً يُشبه ضِحكة ملك عجوز في بُحيرة نفط تبدو عميقة.
وم السبت في الثامن من شهر ت1/ أكتوبر من العام 2016م قامت قوات التحالف العربي بقصف منزل صغير في مديرية نائية تتبع إدارياً إلى محافظة الحُديدة في اليمن بصواريخ قضت على عائلة مُكوّنة من أربعة أطفال ووالديهم.
(محمّد 3 سنوات – سارة 4 سنوات – فاطمة 7 سنوات – تقيّة 10 سنوات – حسني 35 سنة “أب” – قبول 25 سنة “أم حامل في شهرها الخامس”).
وكما تبدأ أفلام هوليوود التي تحصد إعجاب الملايين وتُثير اهتماهم، تُطلّ هذه القصة بكاميرا مُتحرّكة من خارج الغلاف الجوّي للكُرةِ الأرضية وتدور مُسرعَة بحثاً عن مكانٍ مُظلم وبعيد، تلتقط الموقع بخفّة وتُسلّط ضوءاً ذهبياً باتّجاهه،(هُناك حيث تركُض فاطمة وتكتب تقيّة ويشُد محمّد شعر سارة). أربعة أطفال بملامح حادّة وبشرة سمراء بلون البرونز. يُشير المُخرج بأصابعه فتمُر طائرة بِالقرب منهم وتُصدِر صوتاً يُشبه ضِحكة ملك عجوز في بُحيرة نفط تبدو عميقة.
يُفلت محمّد خصلات شعر سارة ويتشبّث بفُستانها تلتقطهما أمُهما سريعاً ويركض الجميع نحو سقف منزل لا يبدو آمناً. يُهرول رجل نحيل باتّجاه البيت ويُضيء بهاتفه الصغير مُتفحّصاً الوجوه الخائِفة مُتمتِماً بقلق ( واحد – اثنان – ثلاثة – أربعة ). هُناك بطلة مفقودة لن تأتي قبل أن تلتقطَ دجاجتها وتترك وعداً لمعزةٍ بُنيّةٍ بِأن تعودَ لاصطحابها. يختفي الضوء فجأةً وينسحب المُخرِج بملل وتعود العائلة لمرافقة ابتسامتها بقلق مِن شرٍ يجهلون أهدافه. تقُصّ الرقابة مَشهد العشاء الأخير فعزرائيل يقفُ بالجوار وهو يرفُضُ تماماً هذا الضوء الغريب.
في الليلةِ السابقةِ تم مونتاج مشهد غريب لضوءٍ خاطِف يُشبه فلاش الكاميرات مصدره طائرة الموت.
– بفزع شَهقتْ قبول ( صوّرونا !! ).
استقبل حسني خوفها ضاحِكاً ومُطمئناً إياها (لسنا مُهمين إلى هذا الحدّ ).
لا تفهم هي ماهيّة هذا الشعور الخانِق الذي يُرافق ليلتها الأخيرة ولِمَ لا يكفّ صغيرها عن رفسِ أحشائها بقلقٍ يُقارب ما تشعُر هي به تُقرّر أخيراً أن تحتضِن صِغارها الأربعة وتستلم للنوم بِجوارهم ، في الساعةِ الثانية والنِصف فجراً ينتهي كل شيء ويُغادر الجميع المكان فيعُود ذلك الضوء وحيداً ليُلقِي نظرةً أخيرةً على المكان. بجوار البئر ما تبقّى من جسد حسني النحيل وفي الاتّجاه المُعاكِس له زوجته وصغاره الأربعة.
انتظر الآخرون وقتاً طويلاً كي يتأكّدوا من رحيل الطائرة ليرتّبوا جُثث الجميع ويسمحوا لكاميرات الفضوليين بالتقاط صوَر تُنشر في فضاء بارد وبليد. يُطفئ المُخرج الضوء ويطلب من جمهور أصمّ أن ينسوا أحداث الفيلم الحزين فهناك العديد من القصص في ذاكرةِ الوجع وعليهم أن يجدوا مُتّسعاً لها. وقبل أن يتم عرض كل ما حدث يُتلف أحدُهم كل ما تمّ روايته خوفاً على مشاعِر الكون من الحُزن العميق.
في اليوم التالي مررتُ على مكان الحادث والتقطتُ كل ما نسيه الموت هنا مُتعمّداً.