“حوار حول الشعار” “1”
عين الحقيقة/ عبدالحميد يحيى
▼ قالوا: من أين جئتم بالشعار.. وما هي قصته بالضبط..؟!!
▲ وقلنا: من القرآن الكريم طبعًا.
▼ قالوا: طيب.. نوّرونا.. فهمونا.
▲ وقلنا: في سورة الجمعة، نبّهنا الله تعالى فيها إلى شعائر نقومَ بها في هذا اليوم، فابتدأ الله السورة الكريمة بتمجيد نفسه سبحانه وتعظيمها وتنزيهها عن كل نقصٍ؛ فقال تعالى: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ).
▼ قالوا: أيوه.. وبعدين.
▲ وقلنا: ثم انتقل بعدها سبحانه وفي ذات السورة إلى الحديث عن اليهود، وعن كراهيتهم وخوفهم من الموت، وعدم تمنّيهم له؛ إيثارًا منهم للحياة الدنيا على الآخرة, وخوفًا من عقاب الله لهم، فقال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ، وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)، وقد لفتنا الله سبحانه إلى حُبِّ اليهودِ للحياة وتعلقهم بها في سورةٍ أخرى أيضًا فقال تعالى: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ).
▼ قالوا: طيب.. لكن هذا ليس دليلاً على قولكم في الشعار “الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل”.
▲ وقلنا: صحيح.. لكن الله سبحانه قد أمر النبي صلوات الله عليه وعلى آله، بعد الآيتين السابقتين في سورة الجمعة مباشرةً، بأن يذهب إلى اليهود، وبأن يُسْمِعَهُم لفظةَ “الموت” فقال تعالى آمرًا نبيهُ صلوات الله عليه وآله: (قُلْ إِنَّ “الْمَوْتَ” الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ)، فهل يُتصوَّر أن يأمر الله تعالى نبيه صلوات الله عليه وآله بأن يُسمِعَ اليهود هذه الكلمة، ولا يمتثل النبي صلوات الله عليه وآله لأمره..؟!!
▼ قالوا: حسنًا.. لكن ما الجدوى من إسماع اليهود كلمة “الموت” يا فالحين..؟!!
▲ وقلنا: في هذه اسألوا مالك الملك، الذي هو أعلم منا ومنكم بنفسيات اليهود الذين خلقهم، وبأن كلمة “الموت” ستُحدِث فيهم الأثر الكبير لأنهم جُبناء ويعشقون الحياة، ويكرهون ويمقتون حتى إسماعهم ذكر “الموت” وإلا لكانَ توجيهُ الله بذلك للنبي صلوات الله عليه وآله لغوًا لا فائدة منه، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
▼ قالوا: لكنّ هذا الأمر خاصٌّ بالنبي -صلوات الله عليه وآله- وليس لنا..؟!!
▲ وقلنا: وهل يعقل أن يلفتَ الله تعالى نبيه صلوات الله عليه وآله إلى كلمةٍ وأسلوبٍ في الصراع مع اليهود، ويختص بها النبي صلوات الله عليه وآله وحسب دوننا، فالصراع مع اليهود مستمرٌّ ولن يتوقف، بل زادَ ضراوةً بعد رحيل النبي صلوات الله عليه وآله وبلغَ أشدّهُ في عصرنا الحاضر -مع فارقٍ بسيطٍ هو أن اليهود اليوم يقفون خلفَ مسمّى أمريكا وإسرائيل، كونهم من يديرون الدولتين ويتحكمون في قراراتها- ولأن الله تعالى يعلمُ باستمرار هذا الصراع، فقد لفتنا كذلك إلى استخدام هذا، وإلا فما جعلها الله قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة، كما أن الله تعالى قد أمرنا بالاقتداء بالنبي صلوات الله عليه وآله في كلِّ حركاته وسكناته، فقال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ)، وقد ثبتَ عن النبي صلوات الله عليه وآله أنه كان يُردِّدُ شعار “الموت” في معظم حروبه كــ “يا منصورُ أَمِتْ.. يا منصورُ أَمِتْ”.
▼ قالوا: طيب.. هل نفهم أنكم ترددون الشعار بشكلٍ رئيسي في يوم الجمعة، وتحديدًا بعد انتهاء الخطيب من خطبتي الجمعة، على أساس أن هذا الكلام قد ورد في سورة الجمعة..؟!! صح ولا غلطانين..؟!!
▲ وقلنا: صحيح.. عليكم نور.
▼ قالوا: لكن بصراحة لا زلنا غير مقتنعين.
▲ وقلنا: حسنًا.. يقول الله تعالى أيضًا وهو يحكي عن المؤمنين واليهود: (هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ)، ثم جاء التوجيه الإلهي بعدها مباشرةً (قُلْ “مُوتُواْ” بِغَيْظِكُمْ) أفلا تلاحظون هنا تكرار الأمر من الله تعالى لنبيه صلوات الله عليه وآله بأن يُسمِعَ اليهود كلمة “الموت”..؟!! فهل وصلت الفكرة أم لا زالت..؟!!
▼ قالوا: طيب.. فما دليلكم على “اللعنة على اليهود” في شعاركم..؟!!
▲ وقلنا: الدليل قولُ الله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَو وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ).
▼ قالوا: لكن هذا الدليل على أن داوود وعيسى بن مريم -عليهما السلام- لَعَنَا اليهود، ونحن نسأل عن الدليل الذي يجيز لنا نحن أن نلعن..؟!!
▲ وقلنا: يقول الله تعالى: (أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ) فهذا أمرٌ واضحٌ منه سبحانه بأن نلعنَ من لعنهُ الله، وقد قال المفسرون بأن اللاعنين هم الملائكة والمؤمنون ﻣﻦ اﻟﺜﻘﻠَﯿﻦ، ومع أنه تعالى لم يبيّن في الآية السابقة ما اللاعنون، ولكنه أشار إلى ذلك في قوله: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
▼ قالوا: للأمانة.. لا زلنا غير مقتنعين بأن مجرد ألفاظ نرددها، يمكن أن تهزم اليهود، أو حتى تدفَعَهم لتغيير خططهم العدوانية تجاهنا.
▲ وقلنا: هل كان أحدٌ يتصور قبل الربيع العربي، بأن كلمات كــ “الشعب يريد إسقاط النظام” يمكن لها أن تسقطَ أنظمةً بأسرها، مع العلم أنه شعارٌ سلميّ..؟!!
▼ قالوا: لا.. في الحقيقة لم يكن أحدٌ يتصور.
▲ وقلنا: حسنًا.. لماذا آمنتم بأن ألفاظًا كــ “الشعب يريد إسقاط النظام” أسْقَطَتْ بترديدها أنظمةً بعُدتها وعتادها، وهي ألفاظٌ من وحي البشر، ولا تؤمنون بألفاظٍ هي من وحي ربّ البشر، نبّهنا الله تعالى إليها في صراعنا مع اليهود..؟!! “مع التركيز أننا نتحدث هنا عن تأصيل كلمات الشعار، وبأنه لا يُكتفى به وحسب، بل لا بدّ من الأفعال، والتي سنتحدث عنها لاحقًا”.
▼ قالوا: تشتوا الصدق..؟!! شعار “الموز لأمريكا.. الرز لإسرائيل” أفضل من شعاركم، الذي كله موت في موت.
▲ وقلنا: إن كنتم تسخرون، فقد فعلها بنو إسرائيل قبلكم، حين أمرهم الله تعالى أن يقولوا (حطة) لدى دخولهم القرية التي قيل أنها “بيت المقدس” فقال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا “حِطَّةٌ” نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ)، فبدّل بنو إسرائيل لفظة “حطة” التي أُمروا بأن يقولوها، واستبدلوها بـ “حِنطة” استهزاءً منهم بما قيل لهم.. وأنتم يا من تسخرون، قد قيل لكم أن تقولوا لليهود وأن تُسمعوهم لفظة “الموت” فاستبدلتموها بـ “الموز” و”الأرُزّ” فبنو إسرائيل وإن كانوا قد أضافوا حرفًا، فقد حذفتم وأضفتم أحرُفًا، وهذا مصداقُ حديث النبي صلوات الله عليه وآله: “لَتَحْذُنَّ حَذْوَ بني إسرائيل…” فحقّ على أولئك -وهو ليس منكم ببعيد- قول الله تعالى: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) صدق الله العظيم.