“حوار حول الشعار” – “الحلقة الثانيـ 2 ـة
عين الحقيقة/ عبدالحميد يحيى
—| قَـالُـوا .. وَقُلنَـا |
▼ قالوا: لكنَّ أمريكا وإسرائيل تُريدُ أفعالاً، ولن تهزِمَهَا أو تُضعِفَهَا مُجردُ كلامٍ بالأفواه.. كـ “الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل”..!!
▲ وقلنا: صحيحٌ أن الأمر بحاجةٍ إلى أفعال، لكن لا بدّ في البداية من الكلام، ومن لا يصدر منه الكلام ضد أعداء الله، فلا تنتظروا منه أفعالاً، ولكي يتضح لكم المعنى، فتأملوا في قول الله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ) ولم يقل بأيديهم وبأسلحتهم، فلو كانت هناك وسيلةٌ أكبر وأخطر من الأفواه يُمكن أن تُستخدمَ في سعيهم لإطفاء نور الله؛ لَذَكَرَهَا القرآن، وعلى ذلك فالأفواه وما يصدر عنها من ألفاظٍ خطيرةٌ جدًّا، وذو فعاليةٍ شديدةٍ إذا ما تم استخدامها على ضوء القرآن ضد أعداء الأمة.
▼ قالوا: طيب.. طالما وقد صدرَ منكم الكلام ضد أعداء الله يا عباقرة -على اعتبار أنكم ترددون الشعار لمدة عشر سنوات تقريبًا- فقولوا لنا ما هي الأفعال والمنجزات التي قد فعلتموها..؟!!
▲ وقلنا: في البداية يجب أن تفهموا معاني الشعار، وأن ترديدنا لـ “الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل” لا يعني أننا بصدد إماتة الشعب الأمريكي والإسرائيلي..!!
▼ قالوا: على هذا فقد صحّ أنكم تحبون “أمريكا وإسرائيل” وأن هتافكم ضدهم بــ “الموت” ذرٌّ للرماد في العيون..!!
▲ وقلنا: تريّثوا قبل الحكم، فنحن نقصد أن هناك ثمّة فرق بين الإماتة المادية، والإماتة المعنوية، ونحن لسنا بصدد “الإماتة المادية” لشعبَي أمريكا وإسرائيل كما أسلفنا، وإنما نقصد بـ “الموت” في هذا الجانب لثُلّة اليهود -اللوبي الصهيوني- الذين هم صُنّاعُ القرار في الدولتين المذكورتين، والذين يشنّون حربًا على الإسلام والمسلمين.
▼ قالوا: فماذا تقصدون بـ “الإماتة المعنوية”..؟!!
▲ وقلنا: نقصد أن أمريكا وإسرائيل تواجه المسلمين ككل بحرب إماتة في جميع المجالات، ففي الناحية الاقتصادية –على سبيل المثال- “أمريكا وإسرائيل” تسعى لإماتة اقتصادنا؛ عبر محاربتهما لزراعة كافة أنواع الحبوب والقمح في بلداننا؛ كي نبقى متسوّلين على أبوابها، وداعمين في ذات الوقت لاقتصادها، فَرَفْعُنَا لشعار “الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل” -إضافةً للأسباب القرآنية التي ذكرناها في لقائنا السابق- يعني هنا “الإماتة لاقتصادهم” وهذا لا يتحقق إلا بتفعيل “المقاطعة الاقتصادية للبضائع الأمريكية والإسرائيلية” من جهة، ومن جهةٍ أخرى تفعيل جانب الزراعة حتى يحصلَ لنا الاكتفاء الذاتي، وهذا هو الحاصل حاليًّا في صعدة، وفي بعض المناطق التي يتواجد فيها “أنصار الله”، وإذا ما زُرتم “صعدة” فستكتشفون أن هناك أراضٍ زراعيةٍ كبيرة، يقومُ عليها “أنصار الله” ويتعهّدون زراعتها، ونظرة واحدة إلى أسواق صعدة كافية لتشاهدون حجم المحصول من الحبوب من القمح والبُرّ والذرة وغيرها، التي تُباع هناك، والتي هي نَتَاجٌ من تفعيل “أنصار الله” للجانب الزراعي، لذلك فمن يرفع الشعار ولا يُقاطع -في ذات الوقت- البضائع الأمريكية والإسرائيلية، فهو غير صادقٍ في رفعه للشعار، أو فَلْنَقُلْ جاهلٌ بمعاني الشعار، إذ أنّ من يشتري بضائعهم فهو مُشاركٌ في دماءِ جميعِ من سقطوا من الشهداء على أيدي أمريكا وإسرائيل وعملائها.
▼ قالوا: تفعيل جانب الزراعة أمرٌ جميل.. لكن بالنسبة لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، فهذا مما لا يدخل العقل، إذ أن مصالح الدول في وقتنا الحاضر تقتضي التبادل التجاري فيما بينها، ولم يأمرنا الله تعالى بأن نقاطع بضائع اليهود..!!
▲ وقلنا: ألا تعلمونَ بأن الله تعالى قد أمرنا بأن نقاطع “كلمةً” واحدة، كان يستخدمها اليهود، رغم أن تلك الكلمة عربية وليست عِبرية، إلا أن اليهود كان يقصدون بها سُبّةً للنبي -صلوات الله عليه وآله- فأمَرَنَا الله تعالى أن نكفَّ عن استخدامها مُطلقًا في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ “رَاعِنَا” وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) فتأملوا.
▼ قالوا: لكنّ النبي -صلوات الله عليه وآله- لم يكن يمنع المسلمين في عهده، من شراء بضائع اليهود..!!
▲ وقلنا: هنا الأمر يختلف، فالنبي -صلوات الله عليه وآله- في عصره كان في مركز قوّة، بعكسنا، فاليهود عندما يكونون تحت هيمنة المسلمين، فهم يتحوّلون إلى خُدَّامٍ للمسلمين؛ لأنهم حينها ضُعفاء، وعندما يكون اليهود أقوياء فإنهم يستعبدون المسلمين، والواقع يشهد بذلك، فالله سبحانه وتعالى علّمَنا أن ننظر إلى اليهود من زاوية موضوعية، وبأن الظروف تتغير.
▼ قالوا: وما الدليل على زعمكم أنّ الله تعالى قد علّمنا بأن ننظر إلى اليهود من زاويةٍ موضوعية، وبأن الظروف تتغير..؟!!
▲ وقلنا: يقولُ الله تعالى: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا)، فأهل الكتاب كما هو معلوم “اليهود والنصارى”، وقد قال الزمخشري في الكشاف: “أن المأمونين على الكثير “النصارى” لغلبة الأمانة عليهم، والخائنون في القليل “اليهود” لغلبة الخيانة عليهم (إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا) -وهذه لفتة إلى أن الأمر يختلف والظروف تتغير عندما يكون المسلمون أقوياء وقائمون على اليهود وعندما يكون العكس هو الحاصل- ثم يشرحُ الله تعالى لنا سبب مكرهم وخيانتهم (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)، أي لا يتطرّق علينا عتابٌ وذمٌّ في شأن الأميين -يعنون الذين ليسوا من أهل الكتاب- وما فعلنا بهم من حبس أموالهم والإضرار بهم، لأنهم ليسوا على ديننا”.. وهذه لفتةٌ أخرى منه سبحانه إلى غدرهم وخيانتهم، فإذا ما كان اليهودُ أقوى من المسلمين، فلا نأمنهم كذلك أن يُطعمونا في منتجاتهم دُهن ولحم الخنزير -وهذا ما ثبتَ أنهم يفعلونه- وكذا دسّ ما يؤثر على صحة المسلمين وتناسلهم؛ لأنهم ينطلقون من تلك القاعدة التي لديهم (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) فما أسلفناه أضيفوه إلى أننا ندعمهم كذلك اقتصاديًا؛ بشرائنا لمنتجاتهم؛ حتى تغدوَ لكم أسبابُ المقاطعة واضحةً جليّة.
▼ قالوا: حسنًا.. وماذا عن الجوانب الأخرى من معاني “الإماتة” كما تزعمون..؟!!
▲ وقلنا: لنأخذ الجانب الحربي على سبيل المثال أيضًا، ففي هذا الجانب “أمريكا وإسرائيل” تسعى في حربها لإماتتنا في هذا الجانب، فهي تُعِدُّ العدّة، وتُصنّع الأسلحة بمختلف أنواعها، وتبيع لعملائها العرب ما زادَ عن حاجتها، وممّا لا يُشكّلُ خطورةً عليها، وأصحابنا العربان يتغنون ليل نهارٍ بالسلام، وبأن أمريكا وإسرائيل ليستا سوى صديقتين، ولأنّ هذا من حرب المصطلحات في زمننا هذا، فقد وقعنا في الفخّ، فأمريكا وإسرائيل تعتبران المؤمنين أعداءً لهما، وهذا ما نبّهنا الله تعالى إليه: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) وقد انعكست تلك العداوة على استمرارية قتالهم لنا (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)، وأصحابنا على الرغم من هذه التنبيهات القرآنية وغيرها، لا زالوا يعتبرون أمريكا وإسرائيل صديقتين.. والنتيجة: أن هذا قد انعكس سلبًا على الإعداد الذي وجهّنا الله تعالى إليه: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ)، فالعربان يستعدون لمواجهة أمريكا وإسرائيل بباقات الورود وحمائم السلام، في حين أن “أنصار الله” يُفَعِّلُونَ أمر الله تعالى في الإعداد؛ لأنهم يثقون في كلام خالقهم بأن اليهود “أمريكا وإسرائيل” أعداءً وليسوا أصدقاءً؛ لذا فهم حاضرون لأي مواجهةٍ قد تفرضها عليهم أمريكا، سواءٌ أفَعَلَتْ ذلك بنفسها مباشرةً، أو عبر عملائها وأذنابها، وهنا يأتي تفعيل “الإماتة المادية” لا “المعنوية”.
•