حلف ’ناتو عربي’: ’مَن جرّب المجرَّب’!
عين الحقيقة/ فيصل الأشمر
سمح مجلس الأمن الدولي في آذار 2011 لحلف شمال الأطلسي (ناتو) بالتدخل في ليبيا لحماية المدنيين ومناطقهم من تهديدات الأطراف الليبية المتحاربة، لكن تدخله ساهم في هجرة ما يفوق المليوني ليبي من بلادهم هرباً من الأعمال العسكرية. ناهيكم عما سبّبه هذا التدخل من قتلى وجرحى ودمار حل بالبلاد.
قبل ليبيا كان حلف ناتو قد تدخّل عسكرياً في افغانستان من أجل محاربة حركة طالبان والقاعدة. وإلى اليوم ما زال الحلف ومن خلفه الولايات المتحدة يتخبط في قتاله هناك، مؤجلاً سحب جنوده من أفغانستان مرةً بعد أخرى، يواكب هذا تسجيل تقرير لبعثة الأمم المتحدة أن عدد القتلى والجرحى من المدنيين في أفغانستان يسجل رقماً قياسياً عاماً بعد عام. ولا أدل على فشل الحلف هناك من اضطرار الولايات المتحدة إلى استعمال أقوى قنبلة غير نووية لضرب مخابئ وأنفاق القاعدة في إحدى مناطق أفغانستان، وإن كان للضربة أيضاً أهداف أخرى تتعدى الجغرافيا الأفغانية.
هذان نموذجان حيّان على فشل حلف ناتو العسكري، ونجاحه فقط في تدمير الدول وقتل وتهجير أهلها، تحت غطاء مبادئ الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن “الغربيّ”. ويواكب هذا الفشل العسكري أحاديث عن وشك تفكك الحلف لا سيما بعد الانتقادات الموجهة إلى الولايات المتحدة بسبب عدم تنسيق سياساتها مع الحلف ووضعه في حالات عدة أمام الأمر الواقع، كما فعلت في حربها على أفغانستان. بالإضافة إلى تحميله مهمات أكبر من إمكاناته في بعض الأحيان. دون أن ننسى تصريحات ترامب يوم كان ما يزال مرشحاً للرئاسة والتي أثارت قلق حلفاء الولايات المتحدة على مستقبل هذا الحلف.
في ظل الإخفاقات العسكرية لحلف ناتو وفي ظل القلق على مستقبله، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن نقاشات تُجرى بين إدارة الرئيس ترامب وإدارات بعض الدول العربية لإنشاء حلف عسكري معادٍ لإيران. وتحدثت عن أن هذا الحلف سوف يقوم على غرار حلف ناتو من حيث مبدأ الدفاع المشترك، الذي يعدّ الاعتداء على أي بلد عضو فيه، اعتداء على الحلف ككل.
لكن الحديث عن إنشاء هذا الحلف تأخر بعض الشيء، إلا إذا كانت الغاية إطلاق تسمية علنية معينة على واقع قائم في المنطقة، تتكشف حقائقه يوماً بعد يوم، حول تحالف أميركي “إسرائيلي” خليجي غايته ليست مواجهة إيران فقط، إنما مواصلة الضغط العسكري على الحكم في سوريا، إلى مواجهة “أنصار الله” وأنصارهم في اليمن، إلى محاولة التخلص من حزب الله، وما العراق عن نوايا الحلف الخبيثة ببعيد.
هذا على الورق. لكن ماذا عن نسبة نجاح هذا الحلف على الأرض؟ الواضح والمؤكد أن أية مواجهة عسكرية مع إيران لن تكون نزهة، والوقائع العسكرية في اليمن تشير إلى الهزيمة الساحقة للحكم السعودي وحلفائه، بعد مرور سنتين على التدخل في اليمن وقتل وجرح عشرات الآلاف من المدنيين، وتدمير كل مقومات الحياة من مستشفيات ومدارس ومنازل، والوقائع العسكرية في سورية تشير إلى انتصارات يومية للجيش السوري وحلفائه، وإلى توسع رقعة سيطرتهم على الأرض، وإلى هروب أو تفكك كثير من المجموعات الإرهابية المسلحة، وأخبار المعارك في العراق تبشّر بقرب سقوط ما تبقى من معاقل داعش في الموصل، أما عن مواجهة حزب الله، فـ”مَن جرّب المجرَّب كان عقله مخرّبْ”.