حصاد العدوان على اليمن: غرق في مستنقع الاستنزاف
حسن حردان
بعد مرور عامين على الحرب العدوانية التي ينفذها المحور السعودي الأميركي الإسرائيلي على اليمن وقواه الوطنية التحررية، الرافضة للهيمنة والتبعية لحكام آل سعود والدول الغربية الاستعمارية، تبدو الصورة واضحة، استمرار الحرب في تدمير الحجر والبشر من دون أن تنجح في تحقيق أي من الأهداف التي أرادها حكام السعودية.
بل إن كل الوقائع تؤكد أن السعودية غرقت في مستنقع اليمن، وتدفع فاتورة باهظة الثمن، اقتصادياً وبشرياً.
من يدقق في مشهد الحرب الوحشية المدمرة، بعد عامين على إشعالها، وما أفضت إليه، يلاحظ الأمور الآتية:
أولاً، صمود أسطوري للشعب العربي اليمني، وتماسكه خلف مقاومته الباسلة بقيادة تحالف القوى الوطنية والتقدمية، وفي مقدمتهم حركة «أنصار الله»، والجيش اليمني، حيث ظهر أن هذا الشعب يملك إرادة مقاومة لا تلين، عصية على الإخضاع والاستسلام، تمكنت من التصدي لقوى العدوان ومنعهم من تحقيق أهدافهم، المتمثلة في العمل على إخضاع اليمن ومنعه من التحرر وتحقيق استقلاله بعيداً عن الهيمنة السعودية والأميركية.
هذه المقاومة تزداد قوة وقدرة وتحظى بالمزيد من الدعم والتأييد الشعبي الذي تجلى في المظاهرات المليونية في صنعاء تنديداً بالعدوان وتأكيداً على الصمود والمقاومة في مواجهته، على الرغم من سقوط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، والدمار والخراب الذي تسببت به الحرب في البنى التحتية والاقتصاد، والحصار الإجرامي التجويعي المفروض على اليمن بغية إخضاع الشعب ودفعه إلى الانقلاب على ثورته وقواه الوطنية المقاومة.
ثانياً، نتيجة لهذه المقاومة، والصمود الأسطوري للشعب العربي اليمني، أدت الحرب إلى إدخال حكام السعودية في مأزق عدوانهم، وتجلى ذلك في العناوين الآتية:
العنوان الأول، انزلاق السعودية وحلفائها إلى التورط في حرب استنزاف من العيار الثقيل، الذي يشبه، إذا لم يكن يتجاوز، الاستنزاف الذي تعرضت له الولايات المتحدة في حروبها العدوانية في فييتنام وأفغانستان والعراق. هذا الاستنزاف ظهر بوضوح في الإنفاق الهائل على الحرب التي لم تتوقف منذ انطلاقها قبل عامين، وهي تجبر حكام السعودية على شراء المزيد من السلاح وتوظيف المزيد من أموال الشعب السعودي ومدخراته في هذه الحرب الإرهابية الإجرامية.
إذا كانت التقديرات تتحدث عن إنفاق مئات المليارات من الدولارات حتى الآن، إلا أنه بالمقارنة مع ما تكبدته أميركا في السنوات الأربع الأولى لاحتلالها العراق، بفعل المقاومة العراقية التي تعرضت لها قواتها، بين أعوام 2003 و2007، والتي قدرها الخبير الاقتصادي الدكتور جوزيف ستيغيلز بـ3 تريليونات دولار، فإنه يمكن القول بأن كلفة الحرب السعودية حتى الآن تتجاوز الـ 2 تريليون دولار، خصوصاً أن الحرب لم تتوقف حتى الآن، وهي مستمرة بزخم، ما يعني إنفاقاً يومياً كبيراً.
أما الحرب الأميركية على العراق، فإنها انتهت باحتلال العراق بعد شهر من شنها، لتبدأ بعد ذلك حرب المقاومة في استنزاف القوات الأميركية المحتلة، وإجبارها في عام 2011 على الانسحاب مهزومة من دون القدرة على تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية والأمنية التي شنت الحرب من أجلها، وبعد أن استنزفت أميركا، حيث بلغت كلفة الحرب 6 تريليونات دولار.
لقد بدأت انعكاسات هذه الكلفة المادية الباهظة للحرب السعودية تعبر عن نفسها في تفاقم العجز في الموازنة السعودية، وبحسب التقديرات الرسمية بلغ العجز عتبة المئة مليار، بينما تتحدث التقارير الاقتصادية عن توقف العديد من المشاريع وإفلاس شركات وبيع حصص في مؤسسات مالية وبنكية، وتسريح عشرات آلاف العمال، في حين تقرر الإعلان رسمياً عن فرض ضرائب على المواطنين، لم تكن موجودة سابقاً، إلى جانب الاستدانة بوساطة فتح الاكتتاب بسندات الخزينة، والاستعداد لبيع أسهم لمستثمرين أجانب في شركة «أرامكو» للنفط المملوكة من الدولة، وذلك لمواجهة الأزمة المالية المتفاقمة، والتي يزيد من حدتها أيضاً، تراجع أسعار النفط، بعدما فشلت خطط الدول المنتجة للنفط في رفع سعر برميل النفط، أو تجميده عند سقف مقبول، عبر تخفيض الإنتاج.
العنوان الثاني، لقد أدى الفشل في تحقيق أهداف الحرب، والتورط بحرب استنزاف مكلفة، إلى إضعاف هيمنة ونفوذ الحكم السعودي على الدول الإسلامية والعربية، خصوصاً أن هذا الفشل ترافق مع نجاح الدولة الوطنية السورية في إسقاط أهداف الحرب الإرهابية التي شنتها ومولتها الحكومة السعودية بالتعاون والتنسيق مع الولايات المتحدة والدول الغربية والنظام التركي، وغيرها من الدول التي تآمرت على سوريا.
العنوان الثالث، تخبط وإخفاق السعودية، حرك الوسطاء للبحث عن سبل للتقارب والتصالح مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في سياق التمهيد لإيجاد حلٍّ يخرج الرياض من نفق الحرب المظلم الذي باتت فيه، وتجسد ذلك في الاتصالات الكويتية العمانية مع إيران، وفي طرح وزير الخارجية الصيني التوسط بين طهران والرياض. ومن المعروف أن هذه الدول لا تبادر إلى القيام بمثل هذه المبادرات لولا وجود موافقة سعودية، في حين أن إيران لم تتوقف يوماً عن الدعوة إلى الحوار لحل المشكلات والأزمات بعيداً عن التدخلات الأجنبية في شؤون المنطقة ودولها.
ثالثاً، المؤشرات تدل إلى أن حكام السعودية يسيرون نحو الهزيمة المؤكدة أمام مقاومة الشعب العربي اليمني، وهزيمتهم قد تؤدي إلى تفجير أزمة عنيفة في الداخل السعودي، من المحتمل أن تطيح بحكمهم، أو على الأقل التضحية ببعض الأمراء وتحميلهم مسؤولية الهزيمة. هذه النتيجة المتوقعة للحرب إنما تنطلق من قراءة هادئة للهزيمة التي تعرضت لها أميركا في العراق، والتي لم تؤدِ إلّا إلى استنزاف قدراتها الاقتصادية والمادية، والتي أجبرتها على الخروج من العراق تحت جنح الظلام مهزومة، بعد أن سرعت الأكلاف الباهظة لحربها الاستعمارية، بفعل المقاومة العراقية، بانفجار الأزمة الاقتصادية والمالية في الولايات المتحدة عام 2008.
هذه الأزمة هي التي دفعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى القول مؤخراً، بأنه لو تم توفير الأموال التي أنفقت في هذه الحروب (6 تريليونات دولار) لما كانت هناك أزمة، ولكانت هذه الأموال كافية لإعادة بناء البنية التحتية الأميركية المهترئة وإنعاش الاقتصاد الأميركي.
فهل قدرات السعودية أكبر من قدرات أميركا؟ وهل بإمكان السعودية تحمّل أكلاف حرب عجزت أميركا عن تحملها؟
الوقائع تقول لا، فالناتج القومي الأميركي يفوق الـ 15 تريليون دولار، في حين أن الناتج القومي السعودي لا يتجاوز الـ 800 مليار دولار، ولهذا فإن ما عجزت عن تحمله أميركا لن يكون بقدرة السعودية احتماله.
كل المعطيات والوقائع تشير إلى أن حكام السعودية لن يحصدوا في اليمن سوى الخيبة والهزيمة أمام مقاومة شعبنا العربي اليمني وقواه التحررية والوطنية، ولهذا ليس أمامهم سوى خيارين اثنين:
ـ أولاً، مواصلة حربهم العدوانية، وبالتالي الاستمرار في الغرق أكثر في حرب استنزاف تزيد من فداحة خسائرهم وتفاقم من أزمات السعودية الاقتصادية والمالية، وستكون النتيجة مضاعفة حجم وهول الهزيمة التي ستقود إلى إضعاف دور النظام السعودي، وتغيير في خريطة موازين القوى في منطقة الخليج.
ـ ثانياً، أو المسارعة إلى وقف هذه الحرب، والقبول والتسليم بالحل السياسي القائم على احترام إرادة شعبنا العربي اليمني في تقرير مصيره، بعيداً عن التدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية وتحديد خياراته السياسية والاقتصادية.
إن استمرار حكام السعودية في هذه الحرب لن يقود إلّا إلى تسريع هزيمتهم وإضعاف حكمهم، إذا لم ينهَر، وهذا أمر مهم في حال حصوله سوف يصب بالتأكيد في صالح القوى التحررية العربية والمقاومة ضد الاحتلال، ويضعف النفوذ الأميركي الغربي الاستعماري في الوطن العربي.
*صحافي لبناني