إنَّ ما كشفته القوات المسلّحة اليمنية ليس مجرّد أرقام استعراضيّة، بل هو خلاصة دقيقة تمكّن المحلّلين والمراقبين والمهتمين بالشأن اليمني من قراءة المشهد واستشراف مستقبل العدوان على اليمن.
بلغة الأرقام، وضمن الحصاد السنويّ للعام 2021، كشف العميد يحيى سريع، المتحدّث باسم القوات المسلّحة اليمنيّة، أنَّ صنعاء نجحت بتحرير 12 ألف كيلومتر مربع (ما يعادل مساحة 3 دول خليجية)، ونفَّذت 1025 عملية للدفاع الجوي، و440 عملية للقوة الصاروخيّة، كان للعمق السعودي حصة منها، في مؤشر على تنامي قوة الردع اليمنية وحصول تحوّل نوعي كبير على مستويين، هما الأداء العسكري والتصنيع العسكري، رغم أنَّ العدوان في المقابل “لم يتوقّف عن محاولاته الهجومية”، ولم تغادر طائراته الأجواء اليمنيّة الاستطلاعيّة والحربيّة. وقد شنّ، بحسب سريع، 7100 غارة جوية. ومع كلِّ ذلك، لم ينجح بكبح عجلة التقدّم الميداني لطلائع صنعاء من الجوف، إلى مأرب، إلى البيضاء، مروراً بشبوة، وصولاً إلى الساحل الغربي في الحديدة.
بمعنى آخر، إنَّ العدوان بتحالفه وأمواله وسلاحه المتطوّر، وما حظي به من دعم دوليّ دبلوماسيّ وغير دبلوماسيّ، فشل في النيل من طموح صنعاء في تحقيق استراتيجية التحرير الشامل، فما هي ملامح العام المقبل في ضوء هذه المؤشرات والمعطيات؟
إنَّ ما كشفته القوات المسلّحة اليمنية ليس مجرّد أرقام استعراضيّة، بل هو خلاصة دقيقة تمكّن المحلّلين والمراقبين والمهتمين بالشأن اليمني من قراءة المشهد واستشراف مستقبل العدوان على اليمن: كيف سيكون؟ وماذا يمكن أن يكون عليه؟ وأي مفاجآت تحتفظ بها القوات المسلحة اليمنية التي أثبتت نجاحاً في العمل العسكريّ والصبر الاستراتيجي على مدى قرابة 7 أعوام، وفي كلّ عام تكون أقوى من العام الذي قبله؟
هناك مؤشرات ومعطيات أساسيّة لا بدَّ من التوقّف عندها حتى نجيب بطريقة منهجية عن هذه التساؤلات، وهي على النحو التالي:
الأولى: العمليات الاستراتيجية البرية ومساحة الأرض المحرّرة التي تقدّر بـ12 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل 3 دول خليجية مجتمعة.
الثانية: ارتفاع معدل العمليات الهجومية مقارنة بالأعوام الماضية إلى 194 عملية.
الثالثة: تنامي العمليات الاستراتيجية، وخصوصاً في العمق السعودي، وارتفاع معدل العمليات الصاروخية وعمليات الدفاع الجوي وعمليات الطيران المسيّر، بما حملته من تطور في نوعية السلاح الدقيق على مستوى الصواريخ أو على مستوى الطائرات المسيرة واستمرار عملية التصنيع والتطوير.
الرابعة: ارتفاع معدل إسقاط الطائرات المعادية والمتطورة واعتراضها يعطي مؤشراً على أنَّ قوات الدفاع الجوي ذاهبة إلى فرض معادلات جديدة وفرضية القدرة على تحييد الطيران المعادي.
الخامسة: فشل سلاح الجو المعادي في كبح طموح القوات المسلحة اليمنية واستراتيجيتها، وبالتالي فشله في حماية ما يراها مكتسبات ميدانية، وتداعيات ذلك على أماكن سيطرته في المحافظات المحتلّة على تخوم باب المندب والمحافظات الجنوبية ومرحلة الانكشاف الاستراتيجي التي أصبحت عليها المناطق الحدودية، من جيزان إلى عسير ونجران، بعد تحرير 1200 كيلومتر مربع في اليتمة المتاخمة لنجران.
السادسة: النجاح اليمني في المعنويات والحرب النفسيّة والقدرة العالية على سرعة التحشيد، والكفاءة العسكرية والقتالية تدريباً وتسليحاً، مع النجاح المتميّز في الحرب الهجينة (الدمج بين حرب العصابات والحرب التقليدية).
كلّ هذه المؤشرات مجتمعة تعطي قناعة لدى أيّ مراقب ومتابع لمشهدية الحرب العدوانية على اليمن بأنَّ الأمور ترجّح كفّة صنعاء على حساب دول العدوان ومرتزقتها، وتعطي ملامح أولية لمآلات المشهد وملامح العام الحالي 2022 بأنه سيكون على الأرجح عاماً عسكرياً بامتياز.
ولم يبالغ المتحدّث باسم القوات المسلّحة، العميد يحيى سريع، حين وصف الأعوام المقبلة بأنَّها “أعوام التحرير”، وإن حاول معسكر العدوان أن يوهم الرأي العام بأنَّه ذوّب خلافاته وتناقضاته، وبات يعمل ضمن استراتيجية موحدة، وفقاً للرغبة الأميركية البريطانية.
تدرك قوى العدوان هذا الواقع، ولكنّها لا تزال تمنّي نفسها بإحداث اختراق دبلوماسي أو اختراق عسكري كبير، رغم أنها متعبة ومستنزفة مالياً ومعدومة في الخيارات في حربها المكلفة على اليمن، وهي في كل الأحوال عاجزة عن تحقيق ذلك. وقد أسهمت حرب السنوات السبع الماضية في تراجع مركزها الاستراتيجي ودورها وحجمها الإقليمي، وهي تعاني من انهيار سمعة سلاحها وهيبتها. وفي المسار الثاني، وهو المسار الدبلوماسي أيضاً، أثبتت السنوات الماضية عجز معسكر العدوان عن فرض سقوفه السياسية، وأنَّ اليمنيين ليسوا في وارد التنازل مطلقاً، مهما كلّف الثمن، ومهما استمرّت الحرب.
في ظلِّ انسداد الأفق السياسيّ والعسكريّ، تعود دول العدوان، وفق خطة أميركيّة بريطانيّة، لتجريب الخيار العسكري مجدداً. يفسّر ذلك سحب مجاميع كبيرة من ميليشيات الإمارات من الساحل الغربي إلى شبوة، بوهم إمكانية استعادة عسيلان وعين وبيحان في شبوة وتخفيف الضغط على جبهة مأرب، غير مدركين أنَّ صنعاء قد تستغلّ الفراغ الموجود في الساحل لتحقيق إنجاز كبير هناك، وقد تنجح قريباً في إعلان تحرير ما تبقى من مأرب، وربما تضاعف حضورها الميداني في شبوة، وبالتالي ترجّح شروطها على طاولة المفاوضات السياسية، إن حصلت.
هذا الأمر يقودنا إلى استنتاج أنَّ العام 2022 هو عام عسكري بامتياز، إلا إذا راجعت دول العدوان حساباتها، وعدّلت منطقها، وأذعنت لمقتضيات السلام برفع الحصار ووقف العدوان والانسحاب، فقد تكون النتيجة مختلفة، لكنّها في المجمل تصبّ في مصلحة صنعاء، ذلك أنّ أميركا والسعودية، حين أقدمتا على هذا العدوان قبل 7 سنوات، لم تعملا بالأبجديات المعروفة في العلوم العسكرية، وكان يفترض بهما أن تدرسا جغرافيا اليمن وتاريخه، وهذا ما أخطأت فيه دول العدوان حين دخلت إلى اليمن المعروف تاريخياً بـ”مقبرة الغزاة” بشعور فائض من القوة المالية والعسكرية، وبوهم إمكانية هزيمة اليمنيين في غضون أسابيع أو أشهر قليلة، ولكن من دون دراسة استراتيجية الدخول واستراتيجية الخروج، وها هي اليوم أمام مأزق تاريخي كبير، وفي ورطة ربما تكون أسوأ من ورطة أميركا في فيتنام وأفغانستان، وستدفع ثمن ذلك الخطأ عاجلاً أم آجلاً.