حروب إقتصادية لإعاقة تنامي مشروع “الممانعة” في المنطقة
لم تكن “صنعاء” تجافي الحقيقة، في حديثها عن حرب اقتصادية ضد اليمنيين، تم اتخاذ القرار بشأنها من الجانبين الأمريكي والبريطاني، ومعهما أدواتهما الإقليمية في المنطقة، السعودية والإمارات، اللتين تتشاركان دفة تحالف حرب وحصار لا يزال يوغل بلا هوادة في قتل وتجويع الشعب اليمني، لأعوام تناهز الستة.
لكن اعتماد الاقتصاد كسلاح حرب، بقدر ما جاء ليفضح عجز الآلة العسكرية الحديثة والأحدث، عن تحقيق هدف إخضاع الموقف الممانع والمقاوم في صنعاء لتوسعات مشروع الهيمنة والوصاية الإقليمية والدولية، وما يندرج في إطاره من مخططات التقسيم والتشرذم لتسهيل مهمات استغلال المقدرات والثروات والتحكم فيها، فإنه يفصح عن الذهاب إلى أبعد حد في التعاطي مع فكرة القتل وإن بطريقة أخرى؛ القتل بحصار جائر لأساسيات البقاء على قيد الحياة الغذاء والدواء والوقود، والقتل بتعطيل مصادر دعم الاقتصاد، والإغلاق عن الانتاج والتصدير، وتقويض الاحتياطات النقدية من العملة الأجنبية، لتدمير العملة الوطنية، وإضعاف قيمتها الشرائية، والغرق في الفوضى وانفلات السيطرة على السوق والأسعار.
ويُراد، ليس فقط من اليمن، الذي يكاد يكون استثنائيا، وإنما من أي موقف ممانع في المنطقة، التخلي عن أي دور ناهض ومناهض أو ممانع، لتجنب خيارات من قبيل القتل بالتجويع والافقار! ، سيما في ظل متاحات تقدمها الأنظمة السياسية في المنطقة، والتي تطبعت مع التفكير والنزوع القطبي الأحادي المتوحش اقتصاديا، في خدمة إسرائيل ومشروع إسرائيل.
في اليمن، كما في العراق ولبنان، وسورية، تأخذ السيناريوهات الاقتصادية شكلا متسقا ومترابطا، وتدير أمريكا وحلفاؤها من الأنظمة السياسية في المنطقة، غرف عمليات حرب اقتصادية لا تأخذ في الاعتبار المصالح الأمريكية، أو حتى المصالح الخاصة بالحلفاء، بل تأخذ بالاعتبار مصالح إسرائيل وأطماع وطموحات إسرائيل، كما قال زعيم حزب الله في لبنان السيد حسن نصر الله في كلمته المتلفزة إلى الشعب اللبناني، الأربعاء، بالتزامن مع تطورات الأحداث في بيروت، وعودة الاحتجاجات والتظاهرات.
ومثلما لا يزال اقتصاد اليمن، يواجه مؤامرة التدمير من غرفة عمليات يديرها خبراء أمريكيون وبريطانيون، إلى جانب التحالف، يواجه اقتصاد العراق وسورية وكذلك لبنان، المؤامرة ذاتها.
وتقود المعلومات التي كشف عنها الزعيم “نصر الله” في ما يتعلق بحقيقة الدور الأمريكي في لبنان، إلى تطابقات ملفتة في سيناريوهات المستجدات الاقتصادية الآخذة بالطبع إلى انهيارات مفصلية وعميقة، تذكي من جذوة معاناة الناس، وتدفع نحو الفوضى والجريمة والتيه عن استبصار الأمور والسيطرة عليها.
يكشف نصر الله، أمام الفرقاء في لبنان، عن شكل الدور الأمريكي المؤدي إلى انهيار العملة الوطنية “الليرة” وكيف ساعد هذا الدور ومعه دور إقليمي “سعودي إماراتي” مؤسسات مصرفية محلية، مثلا، على خروج عشرات المليارات من العملة الصعبة، إلى الخارج، بهدف خنق الاقتصاد اللبناني، عبر انهيار حاد لعملته، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وإغلاق العمل المصرفي وأشكال الممارسات الاقتصادية في البلد.
وتسير الاحتجاجات والتظاهرات، بحسب نصر الله، بعيدا عن هذه الدوافع والحيثيات الجوهرية، إذ لا تريد إلى الآن، استيعاب أن البحث عن حلول لاقتصاد لبنان الذي يواجه المؤامرة أكثر من أي وقت مضى، هو الأهم من تسويق سلاح المقاومة كأبرز المشكلات التي تواجه اللبنانيين، وبأن رفاهية الشعب اللبناني مرهونة بنزع سلاح المقاومة والممانعة في وجه المشروع الإسرائيلي “الخبز مقابل السلاح” أوجزها نصر الله، مؤكدا أن هذا لن يكون ولن يسمح به.
وتأتي هذه الاستدراكات المهمة، تعبيرا عن طبيعة الدور الذي يستهدف محور المقاومة في المنطقة ككل، والذي صارت اليمن أبرز مكوناته.
وبطريقة أو بأخرى، لن تتوقف أشكال الحروب الاقتصادية، ضد المواقف المنحازة إلى كرامة الشعوب وامتلاك سيادتها في المنطقة، لكن ما هو متوقع أن هذه الحروب، ستفشل حين يتأكد امتلاك الاكتفاء أو الندية والتكافؤ، أو حتى بالتفكير جديا في الخروج من عباءة الانقياد والتبعية الاقتصادية القاتلة.
تنهار بطريقة مخجلة وفاضحة اقتصادات ما كان ينبغي أن يكون مصيرها على هذا النحو، لولا فساد وفشل القائمين على شؤونها، واستلابهم وتبعيتهم لمواقف الهيمنة والاحتكار والغطرسة والاستكبار، لإخضاع الشعوب بالتجويع والإذلال الاقتصادي.
(سبأ)