حرب النفط تستعر.. السعودية تقلّص ميزانيات وزاراتها لمواجهة الانخفاضات الحادّة
كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن السعودية شرعت في وضع خطة طوارئ شاملة للتعامل مع انخفاضات حادة وغير مسبوقة لأسعار النفط، وقالت في تقريرلها إن الرياض كلفت مسؤولين في وزارة المالية بإعداد تصور للميزانية يتعامل مع سيناريو انخفاض أسعار خام برنت في نطاق يتراوح بين 12 و 20 دولارا للبرميل.
كما نقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة قولها إن جهات عليا طلبت من جميع الوزارات السعودية خفض نفقاتها بشكل كبير، استعدادا لهذا الأمر.
وكانت السعودية قد قررت أمس الثلاثاء زيادة إنتاج النفط بالطاقة القصوى، في قرار ينطوي على تحد كبير لروسيا وصنفه الخبراء على أنه حرب نفطية بدأتها الرياض بشكل درامي، فيما أعلنت روسيا عن استعدادها أيضا زيادة الإنتاج.
شركة “أرامكو” النفطية السعودية قالت إنها تعتزم تزويد عملائها بـ12.3 مليون برميل من النفط يومياً في أبريل/نيسان المقبل، بزيادة 300 ألف برميل عن الطاقة القصوى المستدامة لديها يوميًا.
ويبلغ إنتاج السعودية النفطي الحالي 9.6 مليون برميل يوميًا وفق أرقام كانون الثاني/يناير الماضي، وهو أقل من الطاقة القصوى المستدامة التي تستطيع إنتاجها، لكن وضعية السوق كانت تحتم على الرياض ضبط الإنتاج.
كيف ستواجه المملكة الانخفاض الكبير في أسعار النفط؟
وكالة “رويترز” ذكرت من جانبها أن السعودية طلبت من وزارات وإدارات حكومية تقديم مقترحاتها وتصوراتها حول تقليص سريع لميزانياتها، لمواجهة الانحفاض الكبير في أسعار النفط، وتأثيره السلبي على موازنة المملكة.
ونقلت “رويترز” عن 4 مصادر وصفتها بالمطلعة، أن السعودية طلبت من وزارات ووكالات حكومية تقديم تصورات حول سبل التعايش مع تخفيضات تتراوح ما بين 20 و30% من موازناتها، في حملة تقشف جديدة، لمواجهة الانخفاض الحاد في أسعار النفط.
وقالت المصادر إن الطلبات قدمت منذ أكثر من أسبوع بسبب مخاوف بشأن تأثير وباء فيروس “كورونا” الجديد على أسواق النفط الخام، وأشارت إلى أن الطلبات قدمت أيضا قبل انهيار اتفاق إنتاج النفط بين “أوبك” وحلفائها، الجمعة الماضي.
وتأتي تلك التطورات المتلاحقة، بعد انهيار المحادثات بين “أوبك” ومنتجين آخرين بقيادة روسيا، المجموعة المعروفة باسم “أوبك+”، والتي سعت لتمديد جهود مشتركة لتقليص الإمدادات بعد نهاية آذار/مارس الجاري.
عرض “أرامكو” الأخير يضعها فوق طاقتها القصوى المستدامة
وأقدمت السعودية على حجز مجموعة من ناقلات النفط الكبيرة لنقل الخام السعودي إلى عملائها في الولايات المتحدة، في خطوة وصفتها شركات الوساطة البحرية بأنها غير معتادة بدرجة كبيرة.
ونقلت وكالة “بلومبرغ” عن مصادر قولها إن شركة “بحري” حجزت 5 ناقلات نفط عملاقة لحمل النفط من الموانئ الرئيسية السعودية خلال الشهر الحالي إلى موانئ خليج المكسيك في الولايات المتحدة، وتحمل الناقلة الواحدة من هذه الناقلات حوالي مليوني برميل من الخام.
“بلومبيرغ” قالت في تقرير لها إن ارتفاع العرض الجديد من شركة “أرامكو” التي تعهّدت بتوفير 12.3 مليون برميل يوميا خلال الشهر المقبل، وهي زيادة هائلة لإغراق السوق، يضعها فوق طاقتها القصوى المستدامة، مما يشير إلى أن المملكة تستعمل حتى مخزوناتها الإستراتيجية لإغراق السوق بأكبر قدر ممكن من الخام وبأسرع ما يمكن.
ويشير التقرير الذي أنجزه ماثيو مارتن وخافيير بلاس وغرانت سميث، إلى أن روسيا ردت على ذلك في غضون دقائق، حيث قال وزير الطاقة ألكسندر نوفاك إن بلاده لديها القدرة على زيادة الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل في اليوم. وهذا من شأنه أن يضع إنتاج البلاد المحتمل عند 11.8 مليون برميل في اليوم، وهو رقم قياسي أيضا.
وتعتبر حرب الأسعار هذه أحدث مناورة في الصراع المقرر أن يكون صراعا طويلا ومريرا بين الحليفين السابقين، وفق بلومبيرغ.
وتبع السعودية وروسيا أعضاء آخرون في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، حيث قال العراق إنه سيزيد الشحنات بما يصل إلى 350 ألف برميل يوميا في الشهر المقبل، وستضيف نيجيريا نحو مئة ألف برميل.
ووفق تقرير بلومبيرغ، تواجه السوق وضعا غير مسبوق -زيادة هائلة في العرض مقترنة بانخفاض تاريخي في الطلب بسبب فيروس كورونا- فيوم الاثنين، انخفض سعر الخام بنسبة 25% تقريبا، وهو أكبر انخفاض في يوم واحد منذ ما يقرب من 30 عاما، مما خلق فوضى في أسواق الأسهم والسندات العالمية.
شركات النفط الأكثر تأثّرًا
بالموازاة، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية أمس تقريرًا لمراسلة الشؤون الاقتصادية جوانا بارتريدج بعنوان “شركات النفط تتلقى الضربة الأقوى في يوم الخسائر الكبرى”.
و تقول الصحيفة إن “القرار السعودي المفاجئ بزيادة انتاجها النفطي بداية من الشهر المقبل بعد فشلها في التوصل لاتفاق مع روسيا حول سبل ضبط أسعار النفط بعد أزمة تفشي فيروس كورونا أدى إلى تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية”.
وتضيف إن تهاوي أسعار النفط تأثر أيضا بحالة الشلل الاقتصادي في إيطاليا وإغلاق البلاد حدودها، إضافة إلى ما يسميه الخبراء بالتعامل غير المناسب للإدارة الأمريكية مع أزمة فيروس كورونا وهو ما أدى في النهاية إلى وضع أسواق الأسهم العالمية على طريق خسائر لم تحدث منذ الأزمة المالية في العام 2008
وتوضح بارتريدج أن شركات النفط كانت بالطبع هي الأكثر تأثرا، لكن شركات الطيران أيضا تعرضت لخسائر ضخمة بعدما كانت تعاني بالفعل من تأثر حركة السفر بسبب تفشي فيروس كورونا، وهو ما يعني أن الخسائر الأخيرة مثلت جروحا إضافية بالنسبة لشركات الطيران الكبرى.