جنوب اليمن المحتل ومؤامرات التقسيم
العهد/سراء جمال الشهاري
دقت طبول الاقتتال الداخلي مجددًا في جنوب اليمن بعد أن أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي حالة الطوارئ وتحرك في تنفيذ اجراءاته لإدارة الجنوب وفق البيان الذي أصدره نهاية أبريل المنصرم.
بيان (الانفصال) – حسب وصف مراقبين – بدا مفاجئًا وجريئًا في تبريره لهذه الخطوة وحمل جملة من الاتهامات المباشرة لحكومة هادي وما يسمى الشرعية بالفساد ونهب الثروات والمماطلة في تنفيذ اتفاق الرياض الموقع من الطرفين في ديسمبر الماضي كإطار حل شامل – وفق بروباغاندا تحالف الاحتلال – كما اتهم البيان دول التحالف بمحاباة الطرف الآخر مقابل تقاعسه عن تقديم الدعم المطلوب للمجلس الانتقالي.
على الأرض أثارت التحركات العسكرية للمجلس في عدن عقب الإعلان، عاصفة من المواقف الخليجية والعربية والدولية الداعية إلى وقف التداعيات وإلى عودة الأوضاع لما قبل الإعلان، خصوصًا بعد الانتشار الكثيف لمسلحي المجلس على مداخل عدن ومخارجها، وحول قصر المعاشيق والمطار والميناء والبنك المركزي، وعددٍ من المقرات والمرافق الحكومية.
وأما السعودية والإمارات وهما الفاعلان الرئيسيان في الجنوب بالتواجد العسكري المباشر والمسيطر على القرار، فقد جاء موقفهما من اعلان المجلس الانتقالي باردًا من خلال بيان ناطق تحالفهما الذي وصف هذه الخطوة الانفصالية الخطيرة بـ(التحركات التصعيدية). وبدا هذا الموقف وكأنه ترميم عاجل لشروخ باتت أكثر عمقًا ما بين المتحالفين الرئيسيين في جنوب اليمن.
الأحداث على خريطة الجنوب اليمني المحتل شهدت تحركات عسكرية متصاعدة على نحو أوسع. فمقاتلات الإمارات الداعمة للمجلس الانتقالي تقصف بعد أيام من الإعلان نقاطًا عسكرية تابعة لشرعية هادي المدعومة من الرياض في محافظة شبوة الغنية بالنفط، لتقوم المقاتلات السعودية مقابل ذلك بتحليق مكثف مع قصف بقنابل ضوئية على معسكر للمجلس الانتقالي في جزيرة سقطرة الاستراتيجية. وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي سجالا أكثر سخونة بين المتحالفَين في تغريداتِ معبرين عن سياسة كل من ولي العهد الإماراتي بن زايد وولي العهد السعودي بن سلمان، كمثل ما كتبه المغرد السعودي سلمان الأنصاري على تويتر : نقض تعهدات #اتفاق_الرياض، ورفع السلاح بوجه القوات #السعودية، وخيانة العهد والوعد، ونشر الفوضى، والطعن في الظهر، واستقطاب الذمم الرخيصة، والأكاذيب المركبة، والاستغفال المكشوف (ليست مسؤولية قيادات ميليشيا التمرد الانتقالي؛ بل مسؤولية داعميه) وختم تغريدته المستاءة من الدور الإماراتي بوسم: سود الله وجه الخيانة.
المجلس الانتقالي خطوة في مشروع تقسيم الجنوب:
ويؤكد الباحث في الشؤون الجنوبية اليمنية الأستاذ زيد الغرسي أن بيان المجلس الانتقالي الجنوبي جاء ضمن مخطط تقسيم اليمن بعد أن عجزت قوى التحالف ومن ورائها أمريكا و”اسرائيل” عن تقسيمه بالتدخل العسكري.
ويوضح الغرسي لموقع “العهد” الاخباري أن “الأهداف الحقيقية للعدوان الأمريكي السعودي على اليمن تتمثل في تقسيم اليمن وتجزئته للسيطرة على المناطق الاستراتيجية خاصة باب المندب وخليج عدن وجزيرة سقطرى وينفذون ذلك من خلال أدواتهم ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي ليرفع عناوين القضية الجنوبية، لكنه في الحقيقة ينفذ المخطط الأمريكي الاسرائيلي في تقسيم اليمن وضمان الأطماع الأمريكية الاسرائيلية في جنوب اليمن”.
التحركات الاستعمارية الاماراتية في جنوب اليمن:
لقد جاء اعلان المجلس الانتقالي الجنوبي بحسب متخصصين بالشؤون اليمنية ضمن مسار تحركت فيه الامارات منذ عدة أشهر وتحديدًا في أغسطس 2019 ، حينها أوعزت الامارات للانتقالي بالسيطرة المباشرة على عدن واخراج القوات التابعة لحكومة عبد ربه منصور هادي.
وأعلن المجلس الانتقالي في ذات التوقيت الحكم الذاتي لمحافظة عدن، لكن النظام السعودي أوقف هذه التحركات من خلال اتفاق الرياض.
وإلى جانب كون الامارات أداة أمريكية تنفذ مخططاتها في تمزيق الجنوب ونهب الثروات ومحاولة إعادة اليمن إلى الوصاية الأمريكية، إلا أنها تسعى كذلك لتحقيق أطماعها الخاصة المتمثلة في تعطيل ميناء عدن، لما له من أهمية استراتيجية على مستوى العالم ولأنه في حال تفعيله بالشكل المطلوب سيكون بديلا عن ميناء دبي وميناء جبل علي الاماراتيّين.
وخلال سنوات العدوان عمدت الامارات منذ تواجدها العسكري في الجنوب اليمني إلى تأسيس مليشيات مسلحة على أسس مناطقية، منها الحزام الأمني في عدن والنخبة الشبونية في شبوة، والنخبة الحضرمية في حضرموت، والحزام الأمني في سقطرى. وأرادت الامارات من خلال هذه التشكيلات ادخال الجنوب في دوامة عنف مستغلة العنوانين المناطقية التي استخدمها الاستعمار البريطاني سابقًا في احتلال الجنوب. وسعت كذلك إلى السيطرة المباشرة على منابع النفط والغاز والتحكم فيها بشكل مباشر، بل إنها منعت أبناء الجنوب من الوصول إليها، كميناء بلحاف ومنابع النفط في حضرموت. واحتلت الامارات جزيرة سقطرى ونهبت الثروات الطبيعية والمعدنية والنباتات والطيور النادرة في تلك الجزيرة ونقلتها إلى الامارات.
وما تزال الامارات تلعب دورًا هامًا في توطين تواجد “القاعدة” و”داعش” بالتشارك مع النظام السعودي بمحافظتي أبين والبيضاء، وانشأت لهما معسكرات كبيرة، ووفرت لهما مختلف الأسلحة.
كما أنها أنشأت سجونًا سرية في عددٍ من المحافظات الجنوبية سيما في عدن، حيث تحتجز فيها عددًا من أبناء الجنوب، وترتكب في حقهم جرائم تعذيب بشعة كشف عن بعضها منظمات حقوقية دولية.
وما تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي – وفق باحثين – إلا استراتيجية اماراتية، أرادت منها الامارات بدء تفعيل مرحلة الاشراف غير المباشر كما وصفتها في تصريحاتها الأخيرة.
مستقبل الجنوب مرهون بطرد الاحتلال
ويتجه الجنوب إلى حروبٍ داخلية طويلة الأمد، وتمزق أكبر في حال استمر الاحتلال الذي بات أكبر خطر يواجه أبناء اليمن في الجنوب .
ومن خلال المعطيات على أرض الواقع ستتجدد المواجهات بين قوات هادي والانتقالي، وستعزز الخلافات السياسية بينهما، وبالاجمال لن ينعم جنوب اليمن بأمنٍ أو استقرار طالما والغزاة على أرضه يغذون هذه الصراعات.
أصبح واقع جنوب اليمن اليوم شاهدًا على ما أراده العدوان الأمريكي السعودي باليمن ككل، وعلى أهمية وأحقية الدور الذي تقوم به حكومة الانقاذ الوطني بصنعاء في التصدي للعدوان الأمريكي السعودي.
وهذا الواقع يدعو الجيش اليمني وحكومة الانقاذ إلى تحمل المسؤولية والسعي نحو تحرير المحافظات الجنوبية.
وفي ذات السياق يلفت الغرسي لموقع “العهد” الى أنه “أصبح هناك حاضنة شعبية كبيرة من أبناء الجنوب للجيش واللجان الشعبية، بعد أن شاهدوا جرائم الاحتلال وسجونه، وتدهور الخدمات العامة، وبعد أن ذاقوا وطأة المحتل بأدواته ومرتزقته. لقد تبدلت الحاضنة الجنوبية التي تبنت العدوان قبل خمس سنين إلى حاضنة للجيش اليمني عززها أخلاقيات الجيش اليمني ولجانه، وصوابية موقفه من العدوان الأمريكي السعودي”.
إن القضية الجنوبية اليمنية وما يدور حولها من أطماع ومؤامرات لا تخص أبناء الجنوب وحدهم بل هي معركة تحرر واستقلال كل اليمن، ومعركة محور المقاومة وكل حر في العالم الاسلامي والعربي.
إن التحرك التحرري في اليمن يعبر عن ضمير الأمة في تحقيق الحرية والخلاص من الهيمنة الأمريكية الاسرائيلية.