جريدة لبنانية: أكاذيب «العالم الحرّ»: اليمن ليس بعيداً عنّا + مراكمة الفشل لا تُنتِج حلولاً: الأمم المتحدة… الحاضر الغائب +

مراكمة الفشل لا تُنتِج حلولاً: الأمم المتحدة… الحاضر الغائب

 

رشيد الحداد

 اتّسم دور الأمم المتحدة في اليمن، على مدى السنوات السبع الماضية، بالضعف، في ظلّ غياب الجدية إزاء اتخاذ مواقف حاسمة تنهي معاناة اليمنيين. وساهمت المنظمة الدولية، من خلال مواقفها المتواطئة مع التحالف السعودي – الإماراتي، في خلْق أزمة إنسانية وصفتها هي بأنها الأسوأ في العالم. فمع بدء العدوان، حذّرت من حدوث كارثة إنسانية في اليمن، مقرّة بأن هناك ستة ملايين يمني يحتاجون إلى مساعدات عاجلة. وهي تؤكد اليوم، في آخر بياناتها، أن حوالى 16 مليوناً، يمثلون أكثر من نصف سكان هذا البلد، يعانون من الجوع، ما يُعتبر، وفق مراقبين، «نتيجة طبيعية لفشل الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية العاملة في اليمن، في الضغط على دول العدوان لوقف الحصار، وعدم اعتراض الشحنات التجارية القادمة إلى ميناء الحديدة». ويشار إلى أن المنظمات الدولية أنفقت أكثر من 17 مليار دولار كمساعدات إنسانية منذ بدء الحرب في عام 2015، ولكنها فشلت في مواجهة تداعياتها، وأهمّها الحصار.

وبالتوازي مع فشل دورها الإنساني في اليمن طيلة سنوات العدوان الماضية، أخفقت الأمم المتحدة أيضاً في إحداث أيّ تقارب بين الأطراف اليمنيين، أو بين حركة «أنصار الله» ودول العدوان. فمسار السلام الأممي يتحرّك ببطء شديد، حتى تناسى العالم العدوان في اليمن. ووقع فشل الأمم المتحدة في القيام بدورها، ثقيلاً على هذا البلد، الذي خسر، جرّاء العدوان، ما يزيد على 370 ألف شخص، وفق تقديرات المنظمة.
وبالعودة إلى مسار السلام، رعت الأمم المتحدة أربع جولات مشاورات رئيسة في الكويت وسويسرا والسويد، بين الأطراف اليمنيين، لكنها فشلت في الدفع بعملية السلام إلى الأمام، فضلاً عن أنها لم تحقّق أيّ إنجاز بارز انعكس إيجاباً على حياة اليمنيين، باستثناء “اتفاق استكهولم” الموقّع بين طرفَي الصراع في السويد، أواخر عام 2018، والذي لم يُكتب له النجاح. فحتى اليوم، عيّنت الأمم المتحدة 3 مبعوثين دوليين، بعد استقالة المبعوث الأسبق جمال بن عمر، منتصف نيسان 2015، جرّاء اتهامه من قبل السعودية بـ«شرعنة سقوط صنعاء» بعدما تمكّن، في أعقاب مفاوضات معقّدة قادها بين أطراف الصراع، من توقيع اتفاق «السلم والشراكة» كإطار لتقاسم السلطة في 21 أيلول 2014.

بالتوازي مع فشل دورها الإنساني، فشلت الأمم المتحدة في إحداث أيّ تقارب بين الأطراف اليمنيين

وعلى رغم الجهود التي بُذلت لإحلال السلام من قِبَل الدبلوماسي الموريتاني، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، خلال فترة عملة كمبعوث أممي في اليمن (25 نيسان 2015 – 22 كانون الثاني 2018)، أفشلت الرياض كلّ مهامّه التي كادت أن تتكلّل بالنجاح خلال جولات المشاورات التي يسّرها بين الطرفين، واستضافتها الكويت. وفي الاتجاه نحو الفشل، مضى المبعوث الأممي البريطاني، مارتن غريفيث، الذي تم اختياره استناداً إلى خبراته في مجال حلّ النزاعات والتفاوض والشؤون الإنسانية، وكان الأوفر حظاً مقارنةً بالمبعوثَين العربيَّين السابقَين، لوقوف وزارة الخارجية الأميركية في صفّه، إلّا أن الرجل أخفق في التوصّل إلى حلول توافقية توقف العدوان وترفع الحصار. فخلال فترة عمله التي بدأت في منتصف شباط 2018، وانتهت باستقالته مطلع آذار 2021، تمكّن غريفيث من جمْع الفرقاء اليمنيين في مشاورات جديدة عُقدت في كانون الأول 2018، واستضافتها السويد. وقدّم إطاراً نظرياً للسلام منتصف عام 2020، لكنه كان سبباً في تأجيل حسْم الشقّ الاقتصادي من “اتفاق استكهولم” كونه تمسّك بضرورة الحلّ الشامل للقضية اليمنية، كما أخفق في تنفيذ مقررات استكهولم، بسبب تعنّت حكومة عبد ربه منصور هادي ومراوغة الأطراف الموالية للعدوان في تنفيذ كلّ بنوده ذات الطابع الإنساني. وتعثّرت الجهود التي بذلها مكتب المبعوث الدولي السابق في سبيل إنهاء معاناة الأسرى، بعد نجاحها في تشرين الأول 2020 في الإفراج عن ألفَي أسير من الطرفين.

وخلال السنوات الماضية، لم تكن لدى الأمم المتحدة رؤية واضحة للحلّ السلمي في اليمن، وحتى مبعوثوها قدّموا مقترحات سطحية للحلّ، من مثل إطار الحلّ الشامل الذي قدّمه غريفيث، والذي وضع إدارة الموانئ والمطارات تحت الوصاية الدولية، ومنح العديد من المهامّ السيادية للأمم المتحدة ومَن تختاره لتنفيذ الأمر. وإثر إخفاقات المبعوثين الأمميين السابقين، عيّنت المنظمة السفير السابق للاتحاد الأوروبي لدى اليمن، هانس غروندبرغ، في السادس من آب الماضي، مبعوثاً خاصاً. حمل غروندبرغ ملفّ “اتفاق استكهولم” واعتبره مدخلاً أساسياً للسلام الدائم والشامل في اليمن. وكان من أهمّ ما يحمله من أفكار، تجاوُز المرجعيات الدولية الثلاث، وإيجاد إطار سلام يتواءم مع الواقع الذي تغيّر بعد سبع سنوات. إلّا أن تلك الرؤية التي كشف عن اعتزامه تقديمها في إطار خطة سلام جديدة تنطلق من تنفيذ “اتفاق استكهولم”، ردّت السعودية وحكومة هادي عليها بالتمسّك بالمرجعيات الثلاث: المبادرة الخليجية، واتفاق السلم والشراكة، والقرار الدولي 2216. ولغاية الآن، لم يحقّق غروندبرغ أيّ إنجاز عملي؛ فمنذ مطلع الشهر الجاري، يعقد مشاورات في العاصمة الأردنية، عمّان، مع تكتلات سياسية، لا علاقة للعديد منها بالصراع. وخلال الأيام الماضية، تركّزت مباحثاته مع الأطراف اليمنيين ودول تحالف العدوان، على إمكانية حصول هدنة محتملة في شهر رمضان المقبل.

أكاذيب «العالم الحرّ»: اليمن ليس بعيداً عنّا

طارق العياري

بعد حوالى شهر من الحملة الروسية على أوكرانيا، خرج «الإعلام الحرّ» من مُربّع الحيادية والموضوعية، وتبنّى وجهة نظر منحازة تماماً في الحرب، توازياً مع عداء عام مُعلن لكلّ ما هو روسي، اتّخذ أحياناً بُعداً هستيرياً فعليّاً وصل أقصاه مع إلغاء محاضرة عن دوستويفسكي في إيطاليا (تمّ التراجع عن القرار)، وإقصاء الفرق الروسية من المسابقات الكروية الأوروبية، وأخيراً، عندما غيّرت «مؤسّسة الفضاء» في أميركا اسم فعالية من «يوم يُوري» نسبة ليوري غاغارين إلى اسم آخر. يدفع هذا الشحن الإعلامي والسياسي الغربي غير المسبوق، إلى التفكير في غياب ردّة الفعل السياسية وفي ضعف التغطية الإعلامية الغربية للحرب على اليمن، «الثقب الأسود» بحسب ما وصفته أطروحة ماجستير فرنسية، تابعت السنوات الأولى من تغطية العدوان في الدوريات الفرنسية الكبرى (1). ذلك الحديث عن «المنسيّ الكبير» – تقول الأطروحة – كان سبباً لتولّد نقد ذاتي في وسائل الإعلام نفسها، من دون أن يفضي إلى إعادة توازن حقيقية في التغطية، باستثناء حلقات موسمية للتذكير بالصراع، كما عقب الهجوم الجوّي على عزاء في صنعاء في تشرين الأول 2016، والذي خلّف أكثر من مائة شهيد، وإثر اغتيال جمال خاشقجي، قبل أن يخيّم الركود المعتاد مجدّداً. والآن، في كلّ مرّة يتمكّن فيها اليمنيّون من ضرب منشآت نفطية أو عسكرية في السعودية أو الإمارات، يُعوَّم النزاع مجدّداً، مع تحميل مشترك للمسؤوليات.

عموماً، تتميّز التغطية، بحسب ما توثّقه الأطروحة، بغياب الصراع في اليمن عن افتتاحيّات الدوريات الكبرى، وبضعف الأوراق التحليلية في شأنه أيضاً (فضلاً عن غيابه عن الحوارات المتلفزة باستثناء برنامج وحيد مدّته 28 دقيقة، قَمعت فيه مديرة الحوار أحد ضيوفها عند استرساله في الحديث). أمّا المواجز الإخبارية، فأغلبها منقولة عن بيانات إعلامية للتحالف السعودي – الإماراتي أو لمنظّمات أممية، كما أنها تأتي دائماً في مستوى ثانٍ وراء «الأخبار الساخنة»، حيث لا أسماء ولا وجوه لضحايا العدوان. وفي المرّة النادرة التي نشرت فيها «التايمز» البريطانية صورة الشابّة اليمنية التي تعاني نقص التغذية (سعيدة أحمد بغيلي) في افتتاحيّتها في 27 تشرين الأول 2016، لم تَقُم اليوميات الفرنسية الكبرى بالشيء نفسه، على عكس التداول المفرط لصورة ضحايا الحرب في سوريا، بما يجعل فهم عُمق المأساة وتخيّلها أمراً صعباً على المتابع.

يتجلّى ضعف التغطية أيضاً في القراءة المُختزلة؛ حيث إن السعودية تدخّلت منذ عام 2015 على رأس تحالف واسع لدعم القوّات الحكومية ضدّ «الحوثيين» المدعومين من إيران، المنافس الكبير للملكة في المنطقة، بحسب السردية السائدة. هذه القراءة، كما رأى جون بول بارتوز، تنبع من صعوبة تحوّل الصحافة الغربية من «باراديغم» الحرب الباردة إلى آخر «تكون فيه المكوّنات الهُوَويّة أكثر أهمّية». وتعقيباً على ذلك، رأت الباحثة، صاحبة الأطروحة، أن الصحافة الغربية في تغطيتها للصراع في اليمن، قامت باستبدال «باراديغم» الحرب الباردة بآخر ديني يضع «السُّنة ضدّ الشّيعة»، سواءً بنيّة التبسيط، أو بسبب غياب معرفة كاملة دقيقة بجوانب الصراع كافّة، لتكون النتيجة النهائية صورة غائمة وغير مُنصفة عن «برابرة» يتقاتلون فيما بينهم، استكمالاً لصورة متشكّلة سابقاً عن اليمن قبل الحرب، بوصفه بلداً تسوده الفوضى مع 60 مليون قطعة سلاح، ومربوطاً بشكل ما بـ«الإرهاب الإسلامي».

تتعدّد الأسباب التي تفسّر هذا القصور، وهي بحسب الأطروحة المذكورة متنوّعة ما بين تاريخية، وجغرافية، وسياسية وثقافية. فاليمن بعيد جغرافياً عن أوروبا، ولا أزمة لجوء محتملة منه يُمكن أن تعكّر الصفو الأوروبي، وبالتالي فهو ليس على سُلّم الأولويات. كما أن قوات التحالف السعودي – الإماراتي لم تُرحّب بالصحافيين الغربيين في بداية العدوان، ولم تُدمجهم مع وحداتها القتالية (على شاكلة الأميركيين). وتُضاف إلى ذلك، صعوبة الإجراءات الإدارية كما يقول هؤلاء، والأخطار الممكن ملاقاتها في الطريق إلى صنعاء. وحتى في المكاتب الرئيسة في العواصم الغربية، المختصّون بالشأن اليمني قليلون جدّاً، وأغلبهم مُتابعون للمنطقة ككلّ من دون تخصّص، ولم يزوروها ولم يعرفوا لغتها ولا أصدقاء لهم أو معارف فيها لينقلوا لهم الأخبار من هناك، فضلاً عن ضعف التواجد الغربي عموماً في اليمن نسبة لباقي الدول العربية، وغياب الأقلّيات الدينية التي تجذب عادةً انتباه المتابع.

ظلّت بيانات المنظّمات الأممية طيلة سنوات الحرب كرجْع صدى في وادٍ سحيق

لكن الصحافة ليست، في الواقع، معزولة عن المجال العامّ، ولا مفصولة عن الإرادة السياسية. فاستناداً إلى البُعد الجغرافي وغياب الجالية الغربية وانتشار السّلاح، لم تكن أفغانستان مثلاً لتحظى منذ السبعينيات بهذا الكمّ الهائل من المتابعة. وعلى العكس من ذلك، فالمتابعة للأخبار الليبية بعد الاحتلال انخفضت كثيراً، مثلما انخفضت وتيرة الأخبار القادمة من البرازيل تحت حكم جايير بولسارنو مُقارنة بما كان عليه الأمر مع لولا داسيلفا وديلما روسيف، ومثلما عَمِي الإعلام الغربي أيضاً عن متابعة الاحتجاجات التي أطاحت الرئيسة الكورية الجنوبية في 2017، كما لاحظ روبرت شارفين (2). كما أنّ اليمن ليس بعيداً تماماً؛ تاريخياً كانت عدن مع الجزائر أولى ضحايا الموجة الأولى من الاستعمار على بلداننا، بعد جدال في مجلس حكم بومباي كانت كلمة الفصل فيه للحاكم «بأنّنا لو سمحنا للعلم المصري أن يرتفع مرّة أخرى فوق عدن سنكون تحت رحمة محمّد علي باشا» (3). ومنها، بدأ البريطانيون يزحفون على طول الساحل الجنوبي والشرقي للجزيرة العربية، ثمّ اتخذوها قاعدة للتموين والإعداد لغزواتهم الدموية في الشرق الأفريقي. وبعد افتتاح قناة السويس في عام 1869، ازدادت أهمّيتها الاستراتيجية، وزاد معها عنف الإنكليز ورغبتهم في إخضاع المناطق الداخلية، وصارت عدن مرفأ حرّاً ومركزاً كبيراً لتجارة الترانزيت، ومنها تُوزَّع البضائع الإنكليزية إلى كافة أرجاء القسم الجنوبي من الجزيرة، وإلى الساحل الأفريقي لمضيق باب المندب، لتتواصل الهيمنة الغربية عليها حتى 1967 (النصر الذي يرغب الليبراليون العرب في التعمية عليه)، ولتعقب ذلك سنواتٌ طويلة من تآمر الجار السعودي وتدخّلاته المباشرة وغير المباشرة، والتي تَوّجها بـ«عاصفة الحزم» نيابة عن الغربيّين ومعهم.

ومع أنّ هذه الحرب لم تَعدم أبداً وجود الصور المرعبة، ولا المأساة الإنسانية التي تستحقّ التضامن الإنساني، إلّا أن بيانات المنظّمات الأممية ظلّت كرجْع صدى في وادٍ سحيق. آلاف الضحايا وملايين اللاجئين، تدمير ممنهج للمؤسّسات الصحّية والمدارس والأسواق والجسور، وحتى إعلان مليون حالة إصابة بـ«الكوليرا» أواخر 2017 سبّبت ألفَي حالة وفاة، كلّها حقائق مرّت في تقرير لـ«واشنطن بوست»، من دون تحديد المسؤوليّات (4). حتى الميراث التاريخي من مساجد ومواقع أثرية لم يسلم من القصف العُدواني، تحت العمى المطلق لكلّ «العالم الحرّ»، على الرغم من أنّ ما فعله العدوان شبيه بما فعلته «داعش» في تدمر والموصل (5)، لكن الغربيّين لم يفزعوا كما فزعوا لتدمير تماثيل بوذا، أشهراً قليلة قبل 11 أيلول. وبعدما دعت هولندا، إثر اندلاع العدوان بأشهر قليلة، إلى إرسال خبراء للتحقيق في جرائم الحرب المرتكبة هناك، تمكّن السعوديون وحلفاؤهم من احتواء الموقف، وسُحبت المبادرة الهولندية تحت صمت الولايات المتّحدة (6)، لا بل في السنة نفسها، تمّ تعيين سفير السعودية في الأمم المتحدة، فيصل طراد، رئيساً للجنة الخبراء المستقلّين في مجلس حقوق الإنسان.

لكن الغربيين ليسوا شُهود زور فقط؛ ففي تقرير مشترك صادم لهيئات مستقلّة فرنسية (7)، يَرِد أن موقعاً لاستخراج الغاز الطبيعي في مدينة بلحاف في محافظة شبوة، يتبع «الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المُسال» وتملك شركة «توتال» الفرنسيّة 39% من أسهمه، يستضيف ميليشيا يمنية تخضع للإمارات، مُتّهمة بجرائم ضدّ الإنسانية. ويتساءل التقرير عمّا إن كانت الشركة قد عَمِيت عن وجود الميليشيا في الموقع، شأنها شأن الشركات الأمنية الفرنسية التي تقوم بحمايته. كما أنّ الأسلحة التي يستعملها التحالف العدواني، لم توجد صُدفة تحت شجرة عيد الميلاد، كما قال كاتب فرنسي. وبحسب بعض التقديرات، فإنّ المملكة هي المُشتري الأوّل للأسلحة الفرنسية، وتحوز ربع كميات الأسلحة التي تبيعها بلجيكا. والألمان والبريطانيون لم يبخلوا على السعوديين أيضاً بأحدث ما تمّ إنتاجه، فيما الأميركيون أغدقوا عليهم الطائرات والقنابل و«الفيول» والمعلومات الاستخبارية، إلى جانب مشاركة فعّالة في الحصار البرّي والبحري على اليمنيين. هو إذاً تواطؤ رسمي غربي وعربي، بدأ بإعطاء غطاء أممي للعدوان تحت عنوان القرار 2216، رافقه صمت إعلامي لا تكفي الأطروحات الثقافية والجغرافية لتفسيره. وقد كتب ميشال كولون (8) منذ ستّ سنوات منتقداً هذا التواطؤ: «السعوديون يدمّرون اليمن، إنّهم أوغادنا، فهؤلاء يبيعوننا البترول بأثمان مخفّضة، يستثمرون في شركاتنا متعدّدة الجنسيات، يموّلون الإرهابيين الذين ندعمهم جهراً، يدعمون إسرائيل ويقسّمون العرب، يدعمون حملات رئاسية عندنا».

لاحظْت عند مراجعتي لما يكتبه الصحافيون المستقلّون عن الصمت الغربي، أنهم مهووسون بهاجس أخلاق المهنة والحفاظ على الحقّ في الإعلام، وإعلانات جنائزيّة عن فقدان الصّحافة لهويتها السابقة في زمن أجمل، وتحوّلها خلال «المنعطف الأوليغارشي» إلى حليف للسياسيين و الدوائر الاقتصادية، بعد أن تركّزت أكثر فأكثر في أيدي مجموعة من الرأسماليين، فضلاً عن دعوات حماسية إلى التحرّك للحفاظ على القيم الإنسانية وكسر جدار الصّمت. لكن بالنسبة لي، ليست هذه الغايات على نبلها هدفاً في حدّ ذاتها. نحن نحتاج الحقيقة لكي نعرف أعداءنا وحلفاءنا، لكي نتعلّم من درس التاريخ ونستعدّ للحملة القادمة، ولكي نُحدّد خياراتنا في الحياة والسياسة. فاليمن ليس بعيداً عنّا، واليمن محطّة على الطّريق إلى فلسطين.

الأخبار اللبنانية

قد يعجبك ايضا