الأخبار اللبنانية :ماذا جنى تحالف العدوان من عملية ‘إعصار الجنوب’؟
لم تستمت قوات الجيش واللجان الشعبية في الدفاع عن مديريات عسيلان وبيحان وعين في محافظة شبوة، والتي كانت سقطت تحت أيديها باتفاقات قبلية وليس في إطار خطة عسكرية. لكن الجيش واللجان الشعبية سرعان ما حولا نشوة التحالف السعودي – الإماراتي والقوى الموالية له، بـ«نصر» عز عليهم طيلة السنوات الماضية، إلى غم، بشنهما سلسلة عمليات استنزاف أوقعت خسائر هائلة في صفوف المقاتلين الجنوبيين خصوصاً، توازياً مع إيصال رسائل إلى أبو ظبي بأن أي محاولة لتجاوز المديريات الثلاث ستضع الأراضي الإماراتية في دائرة الاستهداف الجوي.
نجح الجيش اليمني واللجان الشعبية في احتواء الهجوم الكبير الذي شنه التحالف السعودي – الإماراتي والقوى المحلية التابعة له، على مديريتي عسيلان وبيحان في محافظة شبوة (جنوب شرق)، وحولا «إنجازات» خصومهما في إطار ما سميت «عملية إعصار الجنوب»، إلى مسعى دائم للبحث عن ملاجئ تقي القادة والضباط والجنود، الملاحقة والاستهداف، فيما بدأ العمل، في أبو ظبي تحديدا، على حصْر التطور الأخير في حدود مقتضيات المشاركة مع الرياض، ومن خلفها واشنطن، في عمليات «التحالف».
أما على المستوى المحلي، فقد استقبلت ساحات المدن والقرى في جنوب اليمن جنائز مئات القتلى الذين سقطوا في المعركة.
وكانت القوات المدعومة من «التحالف» (ألوية «العمالقة» الجنوبية ذات الميول السلفية، وقوات الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي) تقدمت نهاية الأسبوع الماضي نحو مديريتي عسيلان وبيحان وسيطرت عليهما، في ظل تغطية جوية غير مسبوقة، وصلت إلى 400 غارة في أيام قليلة.
في المقابل، لم تستمت قوات الجيش واللجان الشعبية في الدفاع عن الأراضي التي كانت سيطرت عليها هناك، بناء على تفاهمات عقدتها مع القبائل الرئيسة، ولا سيما قبيلة بلحارث، قبل أن تنكث الأخيرة بالاتفاق الموقع منتصف العام الماضي، والقاضي بتحييد عسيلان.
بدلا من ذلك، حول الجيش واللجان قدراتهما المحدودة في المديريات المذكورة إلى حرب استنزاف، معتمدين على الكمائن والإغارات السريعة ثم الانسحاب، فضلا عن استهداف الحشود والاجتماعات العسكرية بالطائرات الانتحارية المسيرة والصواريخ الباليستية، والتي علم أن رؤوسها هي من النوع المتشظي الذي ينفجر قبل الوصول إلى الأرض بأمتار قليلة، وينتشر على مسافة واسعة.
ومما سهل تلك الهجمات، تحقيق الأجهزة الأمنية التابعة لصنعاء اختراقات أمنية عمودية في المستويات القيادية للقوات الموالية لـ«التحالف»، الأمر الذي أتاح لها استهداف أكثر من مقر قيادي ونقاط للتحشد.
ففضلا عن قتْل العديد من قادة الكتائب، أدى هذا التكتيك إلى قتْل اثنين من قادة الألوية، هما قائد «اللواء الثاني – عمالقة» العميد سميح الصبيحي، وقائد «اللواء الثالث – عمالقة» العميد مجدي الردفاني (أبو حرب)، والأخير كان من ضمن مجاميع سلفية زجت بها سابقا دولة الإمارات في الحرب الأهلية في ليبيا.
كذلك، أحصت وسائل إعلام جنوبية وناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي ما يقرب من 700 بين قتيل وجريح، منهم 250 تم تشييعهم في المحافظات الجنوبية، فيما تعمد الناطقون العسكريون والإعلاميون لألوية «العمالقة»، في محاولة للتخفيف من وطأة الخسائر، إعلان ما تكبدته كل قرية ومدينة على انفراد.
من جهتها، احتفلت وسائل الإعلام الموالية لـ«التحالف» بما وصفته بـ«التحول في مجريات الحرب»، والذي شكل بالنسبة إليها مادة نادرة افتقدتها في السنوات الماضية، بل إن المسؤولين والمحللين والخبراء الذين تمت استضافتهم في تلك الوسائل ذهبوا إلى حد مجانبة الواقع، وإحياء رغباتهم وشعاراتهم القديمة، والعودة إلى نغْمة «تحرير» العاصمة صنعاء وعزل «أنصار الله» في جبال مران.
قوات الجيش واللجان الشعبية حولت قدراتها المحدودة في مديريات شبوة الثلاث إلى حرب استنزاف
والظاهر أن دولة الإمارات، المسؤولة الأولى عن الهجوم في شبوة كون ألوية «العمالقة» تأتمر بأمرها، ليست بوارد توسعة العملية لتشمل مناطق شمالية، خصوصا في ظل ورود معلومات عن أن صنعاء أوصلت إلى أبو ظبي، من خلال وسيط، تهديدا بتوسعة الرد ليشمل أهدافا في الإمارات.
وبحسب المعطيات، فقد أدرك الإماراتيون، على ما يبدو، جدية التهديد اليمني، ولذا فقد بادروا في الساعات الماضية إلى محاولة احتواء الموقف، عبر البعْث برسائل تهدئة غير مباشرة، تمثل بعضها في توجه مستشار ولي عهد أبو ظبي، عبد الخالق عبدالله، بنصيحة إلى من وصفهم بـ«حكماء وعقلاء القوم في الجنوب»، بعدم الانجرار إلى معارك في الشمال اليمني، وترْك «تحرير مأرب لأهلها».
وعلى إثر تلك التغريدة، سارع الإعلاميون والناشطون التابعون لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعوم إماراتيا، إلى تغيير خطابهم المنتشي بـ«النصر»، إلى التركيز على فداحة الخسارة البشرية في هذه المعركة ومساوقة الموقف الإماراتي، ومن ذلك ما كتبه أحد النشطاء القريبين من دوائر القرار في«الانتقالي» من أن «فاتورة باهظة دفعها الوطن من دماء أطهر شبابه ليصلح خيانة الإخونج في شبوة وتسليم بيحان»، وأن «هناك من يطلب أن نحرر الشمال كذلك وندفع كل جندي جنوبي ثمنا لعودة محسن ونظامه إلى صنعاء»، ليختم بالقول: «لعنة الله على من يوافق على طلبكم».
والجدير ذكره هنا، أن هجوما مماثلا لـ«العمالقة» منتصف الشهر الماضي في مديرية حيس في الساحل الغربي، توقف فجأة ومن دون أي مبرر عسكري وميداني، وقد قيل يومها إن خشية الإمارات من ردود صنعاء هي التي علقته.
كيف استعيدت المديريات الثلاث؟
لم يكن تحرير مديريات عسيلان وبيحان وعين، بالنسبة إلى الجيش واللجان، هدفا بذاته، كما لم يكن مندرجا ضمن خطة عسكرية للعودة إلى المحافظات الجنوبية؛ ذلك أن القرار بشأن هذه المحافظات مؤجل إلى ما بعد تحرير الشمال بشكل كامل، على رغم أن قرار طرْد القوات الأجنبية من الأراضي اليمنية كافة محسوم بالنسبة إلى قيادة صنعاء.
لكن بالرجوع إلى أوائل تموز من العام الماضي، تحضر عملية «النجم الثاقب» التي شنتها القوات الموالية لـ«التحالف» في محافظة البيضاء، واستولت خلالها على كامل مديرية الزاهر، بعد السيطرة على مركزها، وواصلت التقدم في جبهات الصومعة وذي ناعم، باتجاه مدينة البيضاء، مركز المحافظة. وفي أقل من 48 ساعة، تمكن الجيش واللجان من شن هجوم معاكس ومباغت، استعادا على إثره جميع تلك المناطق، واستكملا عملياتهما وصولا إلى مديريتي الصومعة ومسورة، آخر قلاع تنظيم «القاعدة» في البيضاء.
وبمجرد تحرير البيضاء، تهاوت جبهات «التحالف» في أكثر من منطقة، ومنها جبهة شبوة التي تواصلت قبائلها الرئيسة مع قوات الجيش واللجان الشعبية، وأبدت استعدادها للتعاون معها، ليعقب هذا اتفاق الطرفين على تسهيل دخول الجيش واللجان إلى مديريات بيحان وعين وعسيلان (سيطرا عليها خلال 12 ساعة ومن دون أي خسائر بشرية في صفوفهما)، مقابل أن تدار المديريات الثلاث من قبل الأهالي أنفسهم، على أن تكون مرجعيتهم السياسية والإدارية في العاصمة.
كان بإمكان قوات الجيش واللجان الشعبية، عندها، أن تستفيد مما يصطلح عليه في أصول الحرب بـ«الموفقية العسكرية»، وتستكمل تقدمها إلى مناطق أخرى في شبوة، مستفيدة من انهيار كامل في معنويات قوات هادي و«العمالقة»، لكن عدم وجود قرار بدخول الجنوب أدى إلى الاكتفاء بالمديريات الثلاث.