جريدة أجنبية : ذكاء وتطوّر وتكيّف: اليمن يدهش أميركا.. بعض صواريخه أسرع من «توماهوك» – حول وجهة صواريخ باليستية معدّة للاستخدام في البر إلى الاستخدام البحري، مع دقة في الإصابة – طوّر راداراً متنقلاً، ويمكن وضعه على أي قارب صيد -نوّع ترسانته أمر مذهل».
: ذكاء وتطوّر وتكيّف: اليمن يدهش أميركا..
بعض صواريخه أسرع من «توماهوك» – حول وجهة صواريخ باليستية معدّة للاستخدام في البر إلى الاستخدام البحري، مع دقة في الإصابة – طوّر راداراً متنقلاً، ويمكن وضعه على أي قارب صيد ويستغرق إعداده خمس دقائق
رسم المسؤولون الأميركيون خطط العمليات العسكرية في البحر الأحمر بهدف عريض، يتمثّل في ضرب القدرات العسكرية اليمنية، والتي باتت تشكل، من وجهة نظر واشنطن، خطراً ليس فقط على الكيان الإسرائيلي، بل على التواجد الأميركي في المنطقة، والمستمر منذ عقود. لكن مع مرور الوقت، تبيّن أن الأميركيين هندسوا الضربات الجوية على أساس فائض القوة، من دون الاستفادة من المعلومات الحقيقية المساعدة في بناء الخطط، رغم أن ذلك من البديهيات في العلوم العسكرية. إذ اعتمدت هذه الهندسة على ثلاثة مسارات متزامنة، اعتقدت الولايات المتحدة أنها قابلة للتطبيق في وقت قريب، فيما أثبتت الأحداث أن المقرّرين الأميركيين أفرطوا في التفاؤل عند رسمها.ورغم أن المداولات حول الخطط العسكرية استغرقت شهراً كاملاً، وشاركت فيها إضافة إلى وزارة الدفاع، وكالات الاستخبارات والأمن القومي، قبل أن تصدر لاحقاً باسم «استراتيجية بايدن» للتعامل مع اليمن، إلا أنه تبيّن لاحقاً أن المقرّرين بنوا خطتهم على هاجس تآكل الردع والسعي إلى ترميمه، من دون النظر إلى طبيعة الشعب اليمني وحافزيّته وقدرات وحداته العسكرية، والإصرار القيادي والسياسي على الاستمرار في نصرة الشعب الفلسطيني مهما كان الثمن. كما لم تلحظ هذه الإستراتيجية الموقع الجغرافي المتميّز لليمن، وقدرة قواته على توظيفه والاستثمار فيه، مقابل التفوّق العسكري الأميركي. أما أكثر ما يلفت النظر هنا، فهو أن المخيّلة الأميركية لم تستطع إدراك حقيقة أن القدرات اليمنية تغطي جميع المياه اليمنية، بما فيها تلك المشاطئة للمحافظات الجنوبية، التي هي بالكامل تحت سيطرة التحالف السعودي – الإماراتي. وهذا ما أكدته مجلة «فورين أفيرز» بالقول إن «الحوثيّين أثبتوا أنهم قادرون على إبراز قوتهم عبر كامل المجال البحري، وأصبحوا قوة عسكرية هائلة ومتحفّزة للغاية».
وعليه، وقفت القوات الأميركية مذهولة أمام السفن والمدمّرات التي نجت من الإصابة بأعجوبة، عندما تصدّت للصواريخ اليمنية على مسافة عشرات الأمتار فقط في خليج عدن، وفي وقت لا يتجاوز العشرين ثانية؛ وكذلك استهداف سفينة تجارية أميركية متوجّهة إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة، في بحر العرب مقابل شواطئ المكلا، مركز محافظة حضرموت. على أن القادم من الأيام قد يشهد توسّع عمليات الاستهداف إلى جزيرة سقطرى ومشارف المحيط الهندي. ورغم أن واشنطن شريكة لـ«التحالف» الذي شنّ حرباً على اليمن لتسع سنوات، وشارك خبراؤها مباشرة في غرف العمليات والتخطيط والمعلومات، إلا أن المقرّرين فيها لم يستفيدوا من عِبر هذه الحرب وتجربتها المريرة بالنسبة إلى السعوديين والإماراتيين، بعد أن أتقنت صنعاء تكتيكات القتال غير النظامي في تلك السنوات. وهذا ما أشارت إليه صحيفة «بوليتيكو» بالقول إن التقديرات في مجمّع الاستخبارات الأميركية كانت تقول في الأصل إن «الحوثيّين سيحاولون تجنّب الصراع مع الولايات المتحدة في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر، ولكن هذه الحسابات تغيّرت».
ذُهل الأميركيون حين نجت مدمّراتهم بأعجوبة من الصواريخ اليمنية على مسافة عشرات الأمتار، وبفارق لا يتجاوز العشرين ثانية
أما المسارات الثلاثة في خطة بايدن لليمن، فهي الآتية:
الأول: منع تهريب الأسلحة من إيران عن طريق البحر، إضافة إلى الضغط على طهران ديبلوماسياً وتحميلها مسؤولية التوتّر في البحر الأحمر.
الثاني: العمليات الاستخباراتية الواسعة النطاق على كامل الأراضي اليمنية بالاعتماد على الأقمار الاصطناعية والمصادر الفنية والبشرية، ووضع طائرات «ريبر» المسيّرة ومنصات مراقبة أخرى في سماء اليمن للكشف عن مواقع الصواريخ والمعدات العسكرية المستخدمة في البحار، ومهاجمتها وتدمير منصات الإطلاق.
الثالث: وهو الأصعب، يأخذ في الحسبان أن اليمن يعتمد على قدرات غير ثابتة، وتُنقل بسهولة وسرعة من أجل عمليات الإطلاق.
إلا أنه بعد ما يقرب من شهر من الضربات الجوية الفاشلة، اكتشف الأميركيون والبريطانيون أن اليمن «عدو ذكي»، استطاع إرباك القادة العسكريين إلى درجة أن مخططي الحرب في البنتاغون بدؤوا بتقليد بعض تكتيكاته، وفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز». والواقع أن صنعاء لم تكشف كامل أوراقها، بل فقط ما يتلاءم مع ضرورات المرحلة، فيما الترقّي في استخدام القدرات سيتم بالتدرّج، وبالتزامن مع التصعيد الأميركي. وكمثال على تكيّف اليمن مع الأسلحة المتوافرة بما يتلاءم مع ضرورات المعركة، يمكن إيراد مثالَين:
الأول: طوّر اليمنيون راداراً متنقلاً، هو في الأساس رادار «Simrad Halo24» الذي يمكن شراؤه مقابل نحو 3000 دولار في «Bass Pro Shops»، ويمكن وضعه على أي قارب صيد، ويستغرق إعداده خمس دقائق. وبحسب الفريق فرانك دونوفان، الذي يشغل الآن منصب نائب قائد قيادة العمليات الخاصة الأميركية، فإنه لاحظ ما كان «الحوثيون» يفعلونه بالرادار عندما كان يقود فرقة عمل برمائية تابعة للأسطول الخامس تعمل في جنوب البحر الأحمر. وفي محاولته معرفة كيف كانوا يستهدفون السفن، أدرك الجنرال أنهم كانوا يركّبون رادارات جاهزة على المركبات على الشاطئ ويحرّكونها. ونقلت وسائل إعلام أميركية، بدورها، عن مسؤولين في وزارة الدفاع قولهم إن مشاة البحرية في بحر البلطيق يتكيّفون مع أنظمة الرادار المتنقلة المستوحاة من اليمن.
الثاني: تكييف صنعاء لبعض الأسلحة، والذي دفع الجنرال جوزيف فوتيل، الذي كان قائداً للقيادة المركزية الأميركية حتى عام 2019، إلى القول إن «هناك مستوى من التطوّر هنا لا يمكنك تجاهله»، فيما كشف مسؤول عسكري، لقناة «سي أن أن»، إثر استهداف مدمّرة أميركية في وقت سابق في خليج عدن، عن استخدام صنعاء تكنولوجيا جديدة ومتطوّرة في هذه الصواريخ تفوق الأسلحة المستخدمة سابقاً. كما توقّف الخبراء عند استخدام الصواريخ الباليستية في البحر، إذ ثبُت أن اليمن هو الدولة الوحيدة التي تنجح في تحويل وجهة صاروخ باليستي معدٍّ للاستخدام في البر إلى الاستخدام البحري، مع دقة في الإصابة، وباعتراف أميركي بأن بعض الصواريخ اليمنية أسرع من صاروخ «توماهوك». وهذا ما لفت إليه فابيان هينز، خبير الصواريخ والطائرات المسيّرة والشرق الأوسط في «المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية» في لندن، بقوله «إن تنوّع ترسانتهم أمر مذهل».