جريدة أجنبية : «أنصار الله» تحذّر الأوروبيين: أميركا تجرّكم إلى الهاوية ..وأبو ظبي تعود إلى التوتير: فلْيشتعل القتال مجدّداً
«أنصار الله» تحذّر الأوروبيين: أميركا تجرّكم إلى الهاوية
أكد مصدر عسكري في صنعاء أن القوات اليمنية قد تعلن عن مرحلة جديدة من الصراع ضد الوجود الأميركي والبريطاني في البحرَين الأحمر والعربي في حال إيقاف الحرب في غزة، وبقاء الأساطيل التي جاءت لحماية الملاحة الإسرائيلية. وأشار المصدر، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن صنعاء، من خلال تصريحات وزير دفاعها، اللواء محمد ناصر العاطفي، أمس، تؤكد أن خفض التصعيد في البحر الأحمر وخليج عدن مرتبط بإنهاء العدوان على القطاع ورفع الحصار عنه وإدخال المساعدات بشكل دائم إليه، مستدركاً بأن «الوجود العسكري الأجنبي المرتبط بإغلاق صنعاء البحر الأحمر في وجه السفن المتّجهة نحو موانئ الاحتلال الإسرائيلي سيكون أمام جولة جديدة من الصراع، ما لم تنسحب تلك البوارج والمدمّرات وحاملات الطائرات الأميركية».وكان العاطفي قد حذّر الأميركيين والبريطانيين من محاولة تدويل وعسكرة البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن. وقال، في تصريحات نقلتها صحيفة «26 سبتمبر» التابعة للقوات المسلحة اليمنية، إن قواته لن تسمح بأن «يكون البحران الأحمر والعربي شرياناً يغذّي توحّش وإجرام الصهاينة ضد أهلنا في فلسطين».
وأتت هذه التهديدات الجديدة رداً على استمرار التحشيد الأميركي والبريطاني إلى البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والذي انضمت إليه سفن حربية من دول أخرى، في ما من شأنه رفع مستوى التصعيد.
مع ذلك، فشلت المساعي الأميركية والبريطانية في دفع الاتحاد الأوروبي إلى المشاركة في تحالف حماية الملاحة الإسرائيلية «حارس الازدهار». وبعد اقتراح تشكيل تحالف بحري أوروبي لحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر، كثّفت صنعاء التواصل مع الاتحاد الأوروبي، وأوضحت حقيقة ما يجري، وتمكنت من ثني عدد من دول العالم ومنها أوروبية عن المشاركة في التحالف. في المقابل، أرسلت تحذيراً شديد اللهجة إلى دول أوروبية أخرى حاولت الدفع في اتجاه إرسال قوات بحرية إلى البحر الأحمر بضغط أميركي، مؤكدة أن الإمدادات التجارية الأوروبية التي تمرّ عبر مضيق باب المندب، لن تكون آمنة في حال الانجرار وراء التحريض الأميركي.
وعلى خلفية ما تقدّم، شدد رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في اليمن، جبرائيل مونيرا فينالي، على ضرورة استئناف جهود الوساطة الأممية لإحياء العملية السياسية، وذلك غداة لقاء جمعه برئيس «المجلس الرئاسي» الموالي لـ»التحالف»، رشاد العليمي، الذي كان قد طالب بانخراط الاتحاد الأوروبي في خطة التصعيد الأميركية – البريطانية. وكانت صنعاء قد اعتبرت، على لسان عضو وفد المفاوضات، عبد الملك العجري، أن التصعيد ليس في مصلحة الاتحاد الأوروبي الذي يُعَدّ البحر الأحمر ممراً لصادراته الغذائية ومنتجاته الزراعية، والتي لا تحتمل مساراً أطول عبر رأس الرجاء الصالح. وأشار العجري، في منشور على «إكس»، إلى أنه «لا نيّات لدى صنعاء لاستهداف الشحنات الأوروبية».
في هذا الوقت، أكدت مجلة «فورين أفيرز» الأميركية أن القدرات الهائلة للقوات المسلحة اليمنية تمكّنت من فرض سيطرتها على كامل المجال البحري في البحرين الأحمر والعربي، وقالت إن هذه القوات أثبتت أنها قادرة على إبراز نفسها عبر كامل المجال البحري، وأصبحت اليوم قوة عسكرية هائلة ومتحفّزة للغاية. وتابعت أنه «لسوء الحظ، ليست لدى واشنطن طريقة سهلة لإحباط هجمات صنعاء. والضربات الأميركية تساعد في تعزيز مكانة حركة أنصار الله. ويجب على واشنطن بدلاً من الضربات أن تعمل على وقف الحرب في غزة».
جاء ذلك بالتزامن مع تأكيد قائد الأسطول الأميركي الخامس، تشارلز برادفورد كوبر، تفوّق الصواريخ الباليستية والمسيّرات اليمنية، والتي أشار إلى أنها يمكن أن تضرب هدفها خلال 75 ثانية بمجرد إطلاقها. وقال كوبر في مقابلة تلفزيونية مع قناة «سي بي أس» الأميركية من البحرين: «نخوض صراعاً فريداً من نوعه، ولم يسبق لأحد أن استهدف السفن التجارية الأميركية بصواريخ باليستية مضادة للسفن».
أبو ظبي تعود إلى التوتير: فلْيشتعل القتال مجدّداً
يبدو أنّ طبول الحرب تُقرع مجدداً في اليمن، على وقع التطورات في البحر الأحمر. إذ سُجّل، في الأيام الماضية، تصعيد وتحشيد متبادلان على طول جبهات التماس وعرضها بين صنعاء من جهة، وبين القوات الموالية للرياض وأبو ظبي من جهة أخرى، بعد هدوء حذر منذ ما يقارب العامين. وحتى قبيل معركة «طوفان الأقصى»، كانت الهدنة الهشّة في طريقها إلى الانهيار، إذ رغم كثافة الخطوات الديبلوماسية المتبادلة بين الرياض وصنعاء، إلّا أنّ أطرافاً أخرى محلية وإقليمية ودولية، كانت تضع العصي في دواليب عربة السلام. وفي الوقت الذي ألقت واشنطن فيه بثقلها الأمني والعسكري في أهم مناطق اليمن الجنوبية الإستراتيجية، وذلك بعد أشهر قليلة فقط من إعلان الهدنة، سارعت أبو ظبي إلى دكّ معاقل حزب «الإصلاح» فور إعلانها، وتشكيل «المجلس الرئاسي»، وزحفت بقواتها إلى تخوم حضرموت والمهرة، المعاقل الأخيرة للنفوذ السعودي في البلاد. وبدا أن وجهة نظر الإمارات، آنذاك، تقوم على أنّ تعطيل الهدنة يبدأ أولاً من الجنوب، وإحكام السيطرة عليه، ما يجعل من بنود السلام معطّلة، بالنظر إلى أن السعودية عندها لن تستطيع ضمان تنفيذ تلك البنود، سواء منها المتعلّقة بتصدير النفط والغاز، أو بالترتيبات الأمنية والعسكرية وحتى السياسية.لكن التطورات الراهنة في البحر الأحمر، وضعت الهدنة على المحك، وجعلت الرياض أمام اختبار حقيقي: إما المضي قدماً في عملية السلام وتحمّل تبعات ذلك، وإما فتح المعركة مجدداً. أما صنعاء، فإنها لا تربط إطلاقاً بين معركة البحر الأحمر ضد الملاحة الإسرائيلية، وعملية السلام مع التحالف السعودي – الإماراتي. وهي كرّرت، أكثر من مرة، أن على «التحالف» العبور من إستراتيجية الحرب إلى إستراتيجية السلام، عبر جدولة فعلية للبنود المتعلّقة بملف الأسرى، ورفع القيود عن الموانئ والمطارات اليمنية، وصولاً إلى ترتيبات الانسحاب من الأراضي والمياه اليمنية.
طموح الإمارات لا يتجاوز دفع «أنصار الله» بعيداً عن حقول النفط والغاز في شبوة
رغم ذلك، لا يبدو أنّ صنعاء غافلة عن خطورة التحركات البرية في ظل معركة البحرين الأحمر والعربي المفتوحة. ولهذا، عززت تموضعها في بيحان في محافظة شبوة، حيث المناطق التي تطلّ على حقول النفط والغاز، وترتبط بأهم خطوط المواجهة في مأرب والبيضاء. ومع أنّ القوات التابعة لأبو ظبي، تتّهم قوات صنعاء بمحاولة إسقاط مديريات بيحان وصولاً إلى السيطرة على كل مديريات شبوة المطلة على البحر العربي، إلّا أنّ «أنصار الله» لم تعطِ أي توضيحات رسمية تعزّز الرواية الإماراتية أو تنفيها. غير أنّ مصادر ميدانية من قوات «العمالقة» الموالية للإمارات وقوات صنعاء أكّدت، لـ«الأخبار»، أن المواجهات التي راح ضحيتها العشرات من الطرفين بين قتيل وجريح، لم تكن ناتجة من هجوم لـ«أنصار الله» ضدّ «العمالقة»، وإنما نتيجة تحركات استهدفت إعادة التموضع وتعزيز خطوط الاشتباك التي كانت قائمة قبل الهدنة.
وفي رأي متابعين، إنّ عودة المعارك واردة، خصوصاً أن أبو ظبي تدفع إلى تسخين المواجهة مع صنعاء، بشرط الحصول على دعم مفتوح من قبل واشنطن ولندن. غير أنّ طموح الإمارات لا يتجاوز دفع «أنصار الله» بعيداً عن حقول النفط والغاز في شبوة، والسيطرة على مناطق جديدة مطلة على سواحل البحر الأحمر في الحديدة.
وفي خضم تلك التطورات المتسارعة، يظل السؤال المطروح: هل ستدفع الولايات المتحدة بثقلها لفتح حرب برية، أم أنها لا ترى مصلحة في ذلك، وفي الوقت نفسه لا تريد لعملية السلام أن تنجح بالطريقة السعودية؟ في حال صحّ الخيار الثاني، فإن واشنطن تريد الحفاظ على الوضع القائم لأطول مدّة ممكنة: أي لا حرب شاملة، ولا سلام دائماً، وهو الواقع الذي يحقّق لها ولحلفائها مصالح أعظم، من دون خسائر تُذكر.