جردة حساب مع واشنطن: صنعاء تهيمن على البحر. وصواريخ نحو إيلات تجاوزت كل تقنيات الرصد والاعتراض التي لدى الأميركي والإسرائيلي
في المعركة التي ينظر إليها مراقبون على أنها مصيرية بالنسبة إلى صنعاء، مع واشنطن التي تسعى إلى إبقاء سيطرتها على الممرات المائية في البحر الأحمر وخليج عدن، تمكّنت الأولى من فرض سيادتها بالنار، لتنجح في إنفاذ قرارها منع الملاحة الإسرائيلية والأميركية والبريطانية في تلك الممرّات، وتقاتل في البحر أعتى أساطيل العالم. ويقول مراقبون إن ما يحدث يمثل صراع نفوذ مصيرياً بين اليمن، صاحب الحق في فرض سلطته على الممرّ الملاحي في مضيق باب المندب، والولايات المتحدة التي تعهدت لإسرائيل بحماية أمنها في البحر الأحمر وحشدت الدول الغربية إلى جانبها، مستخدمة قوتها العسكرية والسياسية، وهذا ما قابلته «أنصار الله» في بدايات الأمر بالدفاع عن موقفها وحماية قرارها القاضي بمنع مرور السفن التجارية الإسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تنتقل إلى الهجوم وتسيطر على مسار المعركة البحرية.وتؤكد مصادر ملاحية يمنية، لـ«الأخبار»، تمكّن قوات صنعاء من إفشال كل محاولات واشنطن التحكّم في مسار عبور السفن التجارية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر خلال المدة الماضية، ابتداء بآلية نظام القوافل الذي اعتمدته البحرية الأميركية مطلع كانون الأول في محاولة منها لتمرير سفن غير إسرائيلية متّجهة نحو موانئ الكيان، ثم آلية تمرير سفن محظورة بحماية سفن عسكرية، وكذلك آلية تكثيف الحمايات العسكرية المرافقة للطواقم التي تقود السفن، ثم التلاعب ببيانات الناقلات لإخفاء هوياتها ووجهاتها الحقيقية، لتصطدم بقوة المعلومات الاستخباراتية الخاصة التي تملكها القوات اليمنية ودقتها حول السفن التي تمر من البحر الأحمر.
ثم بعد فشل تلك المحاولات كلها، تطوّرت المواجهات إلى استهداف السفن العسكرية الأميركية والبريطانية، إذ دخلت القوات البحرية اليمنية في اشتباكات يومية مع تلك السفن رداً على انتهاك سيادتها، وشنّ عشرات العمليات الجوية المشتركة في إطار محاولات استهداف القدرات العسكرية لقوات صنعاء وإضعافها. ورغم الانتكاسة الأميركية والبريطانية الكبرى في البحر الأحمر وخليج عدن، إلا أن «أنصار الله» تتوعّد الدول المعتدية بالمزيد من العمليات التأديبية خلال الأيام المقبلة، وخاصة بعد توسيع نطاق المعركة إلى المحيط الهندي أخيراً. كذلك، تمكّنت صنعاء من فرض سيادتها عبر إقامة آلية تطلب عبرها السفن غير المحظورة الإذن من السلطات اليمنية وتعبر المضيق بأمان، من دون أن يتعرّض لها أحد.
الحوثي: أطلقنا صاروخاً مطوراً نحو إيلات تجاوز كل تقنيات الرصد والاعتراض التي لدى الأميركي والإسرائيلي
وفي هذا السياق، أكدت وزارة النقل في حكومة صنعاء استمرار الحركة الملاحية في المياه الدولية رغم الاضطرابات العسكرية وتصاعد التوتر، مشيرة إلى امتثال المئات من السفن الأجنبية للقوانين اليمنية، واستجابتها لتعليمات «هيئة الشؤون الإنسانية» المكلّفة بالتواصل مع السفن التجارية الأجنبية في البحر الأحمر وخليج عدن. ووفقاً لمصدر مسؤول في حكومة صنعاء، فإن عدد السفن التي أبحرت عبر البحر الأحمر بشكل آمن خلال المدة من 11 كانون الثاني وحتى 19 آذار، بلغ 4591 سفينة بمعدل 68 سفينة يومياً، مقابل 1450 سفينة مرت خلال كانون الأول بمعدل يومي بلغ 48 سفينة، وهذا ما يؤكد تراجع مستوى المخاوف الدولية التي حاولت الولايات المتحدة إثارتها بشأن المخاطر الملاحية التي زعمت أن عمليات القوات اليمنية البحرية تشكّلها في البحر الأحمر.
ويؤكد هذا التدفق عدول عدد من الشركات الملاحية الدولية عن قراراتها السابقة بوقف عبور كل سفنها عبر البحر الأحمر، بعد أن واجهت تحديات في المرور على طريق الرجاء الصالح البديل. ووفقاً لمصادر ملاحية مطلعة في العاصمة اليمنية، فإن عدداً من الشركات الملاحية الدولية عادت إلى التواصل مع صنعاء بشأن الوضع الملاحي في البحر الأحمر، وحصلت على تطمينات بعدم اعتراض سفنها بشرط الالتزام بالقرار اليمني المساند للشعب الفلسطيني، والاستجابة لنداءات البحرية اليمنية. وفي سياق العمليات العسكرية اليومية الجارية، شن طيران العدوان الأميركي – البريطاني عدّة غارات على مدينة الحديدة. وقالت القيادة المركزية الأميركية، في بيان، إن «طائرة تابعة لها نجحت في تحديد طائرة مسيّرة تابعة لصنعاء ودمرتها»، وزعمت «تدمير زورق مسيّر انطلق من مناطق سيطرة صنعاء». وقبل ذلك أعلنت البحرية الفرنسية أن «طائرة تابعة لها اشتبكت مع طائرة مسيّرة جنوب البحر الأحمر».
وفي خطابه الأسبوعي، أمس، أكد زعيم حركة «أنصار الله»، السيد عبدالملك الحوثي، أن «الأميركي فاشل ومعترف بفشله في ردع عمليات بلدنا المساندة لفلسطين، على رغم استخدامه إمكاناته وسلاحه المتطور»، كاشفاً أنه «في جبهة اليمن نُفّذت عمليات هذا الأسبوع بـ18 صاروخا باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، وكان من أهم العمليات التي تسبّبت بقلق كبير عند العدو، عملية باتجاه أم الرشراش (إيلات) بصاروخ مطور، تمكّن من الوصول إلى المدينة متجاوزاً كل تقنيات الرصد والاعتراض التي لدى الأميركي والإسرائيلي».
وقال إن «قواتنا المسلحة نفّذت عمليات لاستهداف السفن الإسرائيلية والأميركية في البحر الأحمر والبحر العربي»، مضيفاً أن «هناك تطوراً واضحاً وملموساً في قدراتنا، والعدو لاحظها في استخدام الصواريخ الباليستية لأول مرة في تاريخ استهداف السفن في البحر».
من ناحية ثانية، واصلت السعودية إعطاء الإشارات إلى رغبتها في الاستمرار في عملية السلام مع «أنصار الله»، وهذا ما أوحى به ما تناوله لقاء جرى بين وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، ورئيس الحكومة الموالية للتحالف السعودي – الإماراتي في عدن، أحمد عوض بن مبارك، أمس في الرياض، بحضور السفير السعودي في اليمن، محمد سعيد آل جابر. وذكرت وسائل الإعلام السعودية أنه جرى خلال اللقاء استعراض التطورات الأخيرة في الشأن اليمني، والمساعي المبذولة لاستكمال خارطة الطريق، التي ترعاها الأمم المتحدة، وتنفيذها، كما تم بحث الجهود القائمة لدعم سير العملية السياسية بين الأطراف اليمنية، ومسار السلام، لتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن. ونقلت تلك الوسائل عن ابن سلمان تأكيده «موقف المملكة الثابت بدعم الحكومة والشعب اليمني الشقيق، بما يلبي تطلعاتهما ويسهم في تنمية اليمن وازدهاره».