“جرائم الحرب”في اليمن والجبهة التي تنتظر رجالها
عرّفت المحكمة الجنائية الدولية “الإباد الجماعيّة”، بأنها إرتكاب أي عمل من الأعمال الآتية بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية، لجماعة ما على أساس القومية أو العرق أو الجنس أو الدين، مثل: قتل أعضاء الجماعة، إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي الخطير بأعضاء الجماعة، إلحاق الأضرار بالأوضاع المعيشية للجماعة بشكل متعمد بهدف التدمير الفعلي للجماعة كليًا أو جزئيًا.
ويقتصر اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وفق المادة الخامسة من النظام الأساسي على أشد الجرائم الخطورة إرتباطاً بعميلة الأمن والسلام الدوليين وهي تباعاً: جريمة الإبادة الجماعية – الجرائم ضد الإنسانية – جرائم الحرب – جرائم العدوان.
واجهت السعودية منذ بدء عدوانها على اليمن في السادس والعشرين من آذار/مارس 2015 العديد من الإتهامات التي وضعتها في اللائحة السوداء للأمم المتحدة “أسوأ الدول انتهاكا في العالم لحقوق الطفل في مناطق النزاع”، إلا أنها نجحت في الإفلات منه عبر التهديد بقطع المساعدات عن الفلسطينيين” وفق تقرير حصري نشرته مجلة “فورين بوليسي” حول الكواليس التي تدور داخل أروقة الأمم المتحدة وبخصوص رفع المنظمة الأممية، للسعودية من القائمة.
بين جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية
لم يصدر أي تقرير أممي حتى الساعة يدين السعودية بإرتكاب جرائم الإبادة الجماعيّة، أعلى الجرائم خطوة، إلا أن التقارير الصادرة عن منظمتي هيومن رايتس واتش والعفو الدولية تضمّنت العديد من الإتهامات المتعلّقة بجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانيّة.
المنظمات الحقوقية طالبت السعودية في العشرات من تقاريرها بتحييد المدنيين والعدول عن إستخدام القنابل العنقودية في الأماكن المأهولة، إلا أن الأخيرة لم تستجب لهذه الدعوات ضاربةً بها عرض الحائط، الأمر الذي دفع بهذه المنظمات للتوجّه نحو الدول التي تزوّد الرياض بصفقات السلاح كأمريكا وبريطانيا، إلا أن السيف السعودي سبق العذل الإنساني.
جدّدت العفو الدولية و”هيومن رايتس ووتش” ، تاكيدها العثور على مخلفات لقنابل عنقودية استخدمتها القوات السعودية في عدوانها على اليمن، مطالبةً السعودية بالتوقّف عن استخدام أحد أخطر الاسلحة المحرمة حسب القوانين الدولية، إلا أن دعواتها لم تلقى أذان صاغية، لتطالب بعدها بتعليق عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية.
في مرحلة لاحقة، رفعت المنظمات الحقوقية من سقف تهديداتها معتبرةً أن الغارات التي تنفذها الطائرات الحربية السعودية بمساعدة واشنطن يرتقي إلى جرائم حرب. أعادت “جرائم الحرب” على مسامع الجميع لعشرات المرّات، ليتهم بعدها الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون”، بعد مرور 10 أشهر من بدء العدوان، السعودية بالقاء القنابل العنقودية على المناطق السكنية، الأمر الذي وصفه بالجريمة التي لاتتجرأ الكثير من الدول على ارتكابها، فلم يترك استخدام السعودية المفرط للقنابل العنقودية على أنواعها المختلفة (ثبت إستخدام قوات التحالف العربي 4 أنواع من القنابل العنقودية خلال الـ10 أشهر الأولى) في المناطق المأهولة بالسكان، مجالاً لصمت بان كي مون.
السعودية وبعد إستمرارها بقصف المدنيين وإرتكاب المجازر، وضرب المدارس والمستشفيات وجدت نفسها أمام سقف أعلى من الإتهامات الحقوقية، حيث أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش أن الجرائم التي ارتكبها تحالف العدوان السعودي في اليمن تمثل أحد أكبر الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية.
خبراء القانون الدولي الذين علّقوا على الجرائم السعودية أوضحوا أنه يمكن الذهاب اكثر من جرائم الحرب باعتبار أن “هناك جريمة ضد الانسانية ترتكب في اليمن خلال هذا العدوان بحسب المادة 7 من نظام روما المتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية باعتبار ان هناك استهدافا ممنهجا ومستمرا للمدنيين ما يشكل جريمة ضد الانسانية”
ضرورة الملاحقة القانونية
تعدّ الملاحقة القانونية من أهم الخطوات التي يُفترض متابعتها من قبل اليمنيين، بصورة رسمية وغير رسمية، سواء في أروقتها الدولية أو على وسائل التواصل الإجتماعيّة، خاصّة أن إمكانية التوصّل إلى أي نتيجة تنصف اليمنيين، أكبر بكثير من التوصّل إلى النتيجة نفسها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن. ففي الامم المتحدة ، لم يخجل “بان كي مون” من إعلانه أن السعودية هدّدت بقطع مساعداتها في حال بقيت في اللائحة السوداء التي دخلتها في تقرير المنظمة الأممية السنوي عن الأطفال والصراع المسلح الذي يغطي عام 2015. كما أن أمريكا، وبسبب الشراكة القائمة مع السعودية لن تسمح بإدانتها عبر بوابة مجلس الأمن، إلا أنه في حال وصلت هذه الدعوى وتمّ تفعيلها سياسياً وإعلامياً وحقوقياً، قد تكون السعودية في وضع لا تحسد عليه، خاصّة أن أي رئيس أمريكي جديد قد يتّخذ إتجاهاً مخالفاً للرئيس أوباما، لاسيّما في الملف اليمني.
لا يمكن القول أن هذه الإنتقادات الحقوقية لم تجد نفعاً، ولو كان نطاق التأثير ضيّقاً، فقد دعا البرلمان الأوروبي إلى فرض حظر على تصدير الأسلحة إلى السعودية، إلا أن واشنطن لم تستجب لخطوة مماثلة حتى الساعة فقد أبرمت بالأمس صفقة بقيمة 1.15 مليار دولار تنتظر موافقة الكونغرس بعد موافقة وزارتي الخارجية والدفاع.
الملاحقة القانونية قد يطول بها الزمن، إلا أنه نفس إستدعاء السعودية للمحاكمة بهذه التهم، بصرف النظر عن النتيجة النهائية، يكفي لرسم صورة واضحة عن الإرهاب السعودي. وهنا لا بد من الإشارة أن هذه الجبهة لا تقلّ أهميةً عن كافّة الجبهات الأخرى، بل تعد خلاصة ما يُراد تحقيقه بالسياسة والميدان، وبالتالي أي تقصير في هذه الجبهة يعدّ خلافاً لقاعدة المواجهة الشاملة خاصّة أن هذه الجبهة من أهم المواطئ التي تغيظ العدو وتنال منه.
إن التجربة الفلسطينية خير دليل على ذلك، فلجوء بعض المنظمات الفلسطينية إلى الجنائية الدولية والمنظمات الحقوقية الأوروبية كانت كفيله بمقاطعة الكيان الإسرائيلي، والحديث عن محاسبته، وربّما محاكمته لاحقاً، فهل سنكون أمام مشهد مماثل في اليمن؟ الإجابة عند اليمنيين أنفسهم قبل الجميع.
الوقت