ثورة 14 أكتوبر شاهدٌ على أن اليمن مقبرة للغزاة والاستعماريون الجدد سيرحلون لا محالة
يحاول اليمنيون الاحتفالَ بثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة التي طردت الاستعمارَ البريطانيَّ من جنوب البلاد، لكنهم يتذكرون بأسىً ما يعانيه أبناء المحافظات الجنوبية اليوم من احتلال سعودي إماراتي في ظاهر الأمر وسيطرة مطلقة أمريكية صهيونية بريطانية في الخفاء.
أوجاع الأجداد في زمن البريطانيين الطغاة هي نفس أوجاع الأحفاد اليوم، وسياسية الاستعمار في الماضي هي ذاتها التي تمارس في الحاضر، والأرض التي انتفضت ذاتَ يوم على البريطاني ستثور على السعودي والإماراتي والصهيوني طال الزمنُ أَو قَصُرَ.
وعلى مدى القرون الماضية، كانت اليمنُ وتحديداً الجنوبَ عرضةً للأطماع الخارجية؛ نتيجةً للموقع الاستراتيجي وما تحويه مناطق الجنوب من ثروات هائلة.
وَيوضح عضو مجلس الإنقاذ الوطني اليمني الجنوبي سامي عطا، أن الموقع الاستراتيجي لليمن سابقًا، وحتى الآن جعله محلَّ أطماع الغزاة لأسباب عديدة، وأن السبب الرئيسي يكمن في أن اليمن يعتبر طريقاً تجاريًّا عالميًّا تمرُّ عبره أَو بمحاذاته حركة التجارة العالمية.
ويرى عطا أن الأهميّة الجيوسياسية لليمن ازدهرت بافتتاح قناة السويس عام ١٨٦٩م، وصار بابُ المندب وخليج عدن ومعظم موانئه الساحلية تبلغ من الأهميّة الكبرى، ما جعلها محطَّ أنظار قوى الهيمنة العالمية ضمن عوامل الصراع البيني بينها؛ ونتيجةً لذلك احتلت بريطانيا عدن في ١٩ يناير ١٨٣٩م احتلالاً مباشراً تحت ذريعة غرق ونهب سفينة بريطانية حينها (سفينة داريا دولت)، مستذكراً معاركَها الطاحنة مع حامية عدن التي كانت تحت إدارة السلطنة اللحجية آنذاك.
ويضيف عطا بقوله: “حينها تمكّنت بريطانيا من احتلال عدن وفرضت شروطَها على سلطان لحج، وأخذت خلال تواجدها في عدن توسع نفوذها مع المحميات والمشيخات والسلطنات عبر سياسة فرق تسد”، مبينًا أن المدّةَ الزمنية لاستمرار الاحتلال البريطاني للجنوب وعدن، تحديداً ما يقارب من ١٢٩ عاماً.
ويشير عطا إلى أنه مثلما كانت ذريعة غرق سفينة (داريا دولت) ونهبها، ذريعة احتلال عدن من قبل بريطانيا، فإن ذريعة الحاضر تتمثّل بسفينة شرعية الفنادق وضرورة إعادتها ودَرْءِ النفوذ الفارسي، مؤكّـداً أن الاحتلالَ في الحاضر أكثرُ خطورة من الماضي وذلك؛ كَونه يحتل الجنوب بشكل غير مباشر عبر أدواته المحلية والإقليمية من المرتزِقة والمأجورين.
ويؤكّـد عطا أن معظم الشريط الساحلي اليوم تحت الاحتلال غير المباشر، وأن قوى الهيمنة استغّلت نتائج سياسات عصابة حكم محلية تسعى إلى عودتها للحكم.
ويتحسر عطا على ما حَـلّ اليوم بالجنوب، ويقول: “من المؤسف أن من يقفون في صفِّ الاحتلال ويساندونه بل يشكلون قوام القوات فيه هم ضحايا قوى النهب المحلية والإقليمية والدولية”.
ويضيف: “إن ممارسةَ سياسات إفقار وتجهيل الناس من قبل عصابة حكمت البلد سابقًا، هي التي هيّأت البيئة لهذا الاستعمار والعودة من جديد وإن كان بصورة غير مباشرة وتوظيف ضحايا سياساته أدوات لتحقيق أجندة مصالحه”.
ويعتقد عطا أن احتلال اليوم يقامر ويراهن على العودة مرة أُخرى، غير أن مصيرَه سيكون الفشلُ طالما وهناك أحرار فوق هذه الأرض، مؤكّـداً أن الحقائق باتت واضحةً، وأن العدوان تعرت أكاذيبه واكتشفت مطامعه.
ويتوقع عطا أن تكون الأيّام القادمة مليئةً بمفاجآت نهوض حقيقي تعتمل في الأراضي الخاضعة للاحتلال وميليشياته، وحينها لن تتكلم هذه الأرض إلّا بلغة أهلها.
واحدية النضال اليمني المشترك
ويجد المتابع لمآلات الأحداث في اليمن، أن اليمن (شمالاً وجنوباً) يحمل روحاً نضالية واحدة، تتجلى بتدفق المقاتلين من كلا الطرفين لإسناد بعضهم البعض في الثورتين اللتين توجتا بنصر ساحق، كان آخرها ثورة 14 أكتوبر المجيدة التي تعتبر نبراساً ومنهاجاً لكل يمني يحمل بداخله اعتزازاً بالقيم والمبادئ اليمنية.
ويقول محافظ عدن طارق مصطفى سلام: إن صنعاء كانت قد احتضنت روّاد الحركة التحرّرية للجنوب، في مؤتمر سمي آنذاك “مؤتمر القوى الوطنية اليمنية”، والذي حضره أكثرُ من 900 شخصية سياسية واجتماعية ومستقلة، إلى جانب عدد من الضباط الأحرار وقادة من حركة القوميين العرب، وتمخض عن ذلك الاجتماع تأسيسُ جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتلّ، التي تحول اسمها إلى “الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتلّ”، في أغسطُس 1963م.
ويشير سلام إلى أننا اليوم نعيش واقعاً احتلاليًّا جديداً تتزعمه قوى الاستكبار العالمي أمريكا وإسرائيل وبريطانيا، بدعم وإدارة عربية ممثلة بدولة الإمارات ومملكة آل سعود، اللتين تعتبران جناحي التآمر في المنطقة والوطن العربي وتنفذان الأجندة الغربية في الأراضي العربية.
سياسية استعمارية مشتركة
لقد جاءت ثورةُ 14 أكتوبر الوطنية التحريرية الديمقراطية في مرحلة الاستعمار البريطاني الذي كان قائماً على الوجود العسكري الأجنبي.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي أنس القاضي: إن هذه الذكرى تأتي والجنوب اليوم يعاني من احتلال جديد وإن لم يكن احتلالاً مباشراً من بريطانيا، ولكنَّ السياسةَ التي تُنفّذ اليوم بالجنوب هي نفسُ السياسة البريطانية التي نُفّذت سابقًا، وفي هذا يتفق القاضي مع ما يطرحه سامي عطا.
ويؤكّـد القاضي أن السياسية الاستعمارية حَـاليًّا تتمثّل في تقسيم الجنوب إلى إقليمين، كما كان وقت الاستعمار البريطاني سابقًا مقسماً إلى محميتين شرقية وغربية، لافتاً إلى أن هناك واقعةً أُخرى فيها تشابه بين الاستعمار القديم والجديد، وهي حينما شكّل الاستعمارُ البريطاني ما يسمى بجيش اتّحاد مناطق الجنوبي العربي، هذا الجيش لم يكن جيشاً واحداً بل عدة جيوش يحكم بعدة سلطنات وتتصارع فيما بينها.
ويرى القاضي أن الاستعمار الإماراتي الحالي يمارس نفسَ السياسة البريطانية السابقة، وذلك من خلال تشكيله قوات الحزام الأمني وقوات النخب في الجنوب، وأن تلك القوات تحكم بالمناطقية والتعصب، لافتاً إلى أن العدوان السعودي والإماراتي يمارس في الجنوب المحتلّ نفسَ السياسات والممارسات الاستعمارية البريطانية السابقة، وأن العدوانَ ينفذ ذات المخطّط البريطاني في الجنوب، وأن السفير البريطاني من أكثر السفراء الغربيين ظهوراً في وسائل الإعلام للحديث عن جنوب اليمن.
ويجزم القاضي أن طرد الاستعمار الجديد المحتلّ في الجنوب لن يتمَّ إلَّا بتشكيل قوات متّحدة من الجنوب والشمال، كما شكلت القوى الوطنية سابقًا في مواجهة بريطانيا.
وتعتبر ثورةُ 14 أكتوبر الثورة المكملةَ لثورة 26 سبتمبر، كما يرى المحلل السياسي محمود الشعيبي.
ويوضح الشعيبي في حديثه للمسيرة، أن من قام بثورة 14 أكتوبر هم أبناءُ الشمال والجنوب، حَيثُ اشتركوا معاً في إخراج الإنجليز كما اشتركوا في عام 1990 في تحقيق الوحدة اليمنية، وأن كُـلَّ همِّهم هو طرد الإنجليز وتحقيق الوحدة اليمنية، وأنه لم يتواجد بينهم أيُّ أحد ينادي بالمناطقية ويدعو إلى الانفصالِ.
ويرى الشعيبي أن ثورة 26 سبتمبر وَ14 أكتوبر تكملان بعضَهما البعض، موضحًا أن اليمن الشمالي استقل من الحكم العثماني عام 1919م، وأن اليمن الجنوبي استقل من الاستعمار البريطاني عام 1969م، بعد ثورة 14 أكتوبر، وفي عام 1990م تحقّقت الوحدة اليمنية.
ويعتقد الشعيبي بأن تقييم تلك المراحل يؤكّـد بأن العثمانيين انتهوا هم والبريطانيين، ولم يحقّقوا أيةَ ميزة تُذكر رغم أنهم حكموا لفترة طويلة جِـدًّا وهي 128 عاماً.
ويؤكّـد الشعيبي أن الاستعمارَ الجديدَ المتمثّل في العدوان السعودي الإماراتي يجسد مدى الرغبة الشديدة لهذه الدول في تفتيت الشعب اليمني والحرص على عدم استقراره، موضحًا أن السعودية منذ تأسيسها وهي تسعى لجعل اليمن تحت خط الفقر، وأنه في عام 1934م هاجمت السعوديةُ اليمن واحتلت نجران وجيزان وعسير، وأن السعودية ظلّت تدعم وتمول المنظمات والتيارات السياسية التي تثير النعرات وتختلق المشاكل داخل البلد.
أما دويلة الإمارات –بحسب الشعيبي- التي لا يتجاوز عمرُها خمسين سنة، والتي كانت تسمى بساحل عمان وساحل القرصنة والتي تمتلك ملايين الدولارات دون أن يحاسبها أحد، فهي تبذر تلك الدولارات في اختلاق المشاكل بمختلف الدول ومنها اليمن، كما أن تلك الدويلة وحكامها المعتوهين الذين يكرهم جميعُ العرب ولا يحبهم أحد، يحاولون أن يجدوا لأنفسهم مكانةً بالقوة، ويحاولون بحربهم على اليمن أن يحقّقوا شيئاً، ولكنهم لم يجدوا سوى مجموعة من المرتزِقة، وسوف يتم القضاءُ عليهم وحينما كرهم العرب ذهبوا للتطبيع مع الصهاينة.
ويشير الشعيبي إلى أن الإمارات تحاول من خلال بعض مرتزِقة الجنوب ومجاميع هادي، أن تسيطرَ على الساحل اليمني كاملاً، ابتداءً من ساحل عمان إلى ساحل الحديدة، وهذا لم يكن من ضمن المهامِّ التي أوكلت إليهم الأمم المتحدة، وأن السعودية والإمارات دمّـرت البنية التحتية وقصفت كُـلَّ شيء بالبلد دون أن يوكل إليهم مجلس الأمن الدولي تلك المهام التخريبية، مبينًا أن الإمارات تحاول السيطرةَ على الجزر اليمنية، وأنها سيطرت على سقطرى، وسيطرت على عدن وعلى ميناء وعدن، فيما السعودية تحاول أن تحقّق حلم الملك فيصل في السيطرة على المهرة.
ويؤكّـد الشعيبي أن الاستعمار المكوّن من تحالف العدوان، أخطرُ بكثيرٍ من الاستعمار البريطاني السابق، وأنه ينبغي على كافة الأطراف اليمينة أن تترك خلافاتها وتتوحد في مواجهة تحالف العدوان الذي يحاول احتلالَ كافة الأراضي اليمينة، مؤكّـداً أن التاريخ سيؤرخ مجالين اثنين فقط، وهو من دافع عن سيادة البلد، والذي يثبت أنهم أنصار الله وحلفاؤهم، سواء كرهناهم أَو أحببناهم وذلك؛ كَونهم يدافعون عن سيادة البلد، وأن التاريخ سيكتب أن الشرعية والانتقالي تواطؤوا مع العدوان في احتلال البلد، وأن تلك حقيقة يجب على الجميع الاعترافُ بها مهما اختلقت المصطلحات.
من جانبه، يرى السفير نجيب الزعيمي، أن عودةَ الاحتلال اليومَ إلى جنوب الوطن يأتي؛ نتيجةً لضياع الهُوية الإيمانية؛ وبسبب الانقسامات الحاصلة هناك، منوِّهًا بأن الغزاة والمحتلّين يلتهمون بسهولة أية تحَرّكات ثورية عشوائية، وأن الثورات التي لا تتأصل بالهُوية في مقاومتها للاستعمار؛ مِن أجلِ التحرّر، تصبح فريسةً سهلةً لمشاريع استعمارية متنوعة ومتعددة.
ويشير الزعيمي إلى أن تلك التحَرّكات والجماعات لا تستطيع الفكاك من براثين الهيمنة والاستغلال والتآمر، وأنها تصبح جزءاً من مشاريع الغزاة وأطماعهم، موضحًا أن أية حركة ثورية لا تستند للهُوية الإيمانية تكون حركةً فاشلةً، وسرعان ما تنهزم في مواجهة الغزاة المحتلّين؛ لهذا فلا بد من التشبع بالهُوية الإيمانية وَالانطلاقة نحو مقاومة الاستعمار من منطلق إيماني واعٍ.
ثورة واحدة ونضال مشترك
لقد تفجّرت ثورةُ الرابع عشر من أكتوبر في جبال ردفان الشامخة، وذلك بعد نضجها ثوريًّا وعسكريًّا في الشطر الشمالي من اليمن، خَاصَّة في صنعاء وتعز وإب والحديدة، وَمثّلت هذه المحافظاتُ ملاذاً آمناً للثوار، استطاعوا خلالها أن يرسموا مخطّطاتِهم الثورية بدقة بمساعدة رفقائهم من عناصر المد الثوري في الشمال، فالثورة واحدة والنضال مشترك.
ويؤكّـد عضو المجلس السياسي الأعلى أحمد الرهوي، أن ثورةَ 14 أكتوبر هي ثوره واحدة قام بها الشماليون والجنوبيون، واتّحدوا في مواجهة الاستعمار البريطاني، والدليل على صحة ذلك أن هناك عدداً من الشمالين استُشهدوا في الجنوب أثناء الثورة، وَأَيْـضاً هناك جنوبيون استشهدوا في الشمال، ولا تزال مقابرهم إلى الآن في حجّـة.
ويقول الرهوي في تصريح خاص للمسيرة: “ونحن نحيي الذكرى الـ 57لثورة 14 أكتوبر، نؤكّـد لكم أن الاستعمار الجديد المحتلّ للجنوب هو ينفذ الأجندة الأمريكية والإسرائيلية وكذلك البريطانية، وَأَيْـضاً هم عملاءُ للماسونية العالمية”.
ويستغرب الرهوي من احتفال مليشيا الانتقالي ومليشيا الإصلاح في المناطق الجنوبية، في حين لا يزال الجنوبُ يعاني من استعمار جديد ومتنوع، مُضيفاً بقوله: “كيف يحتفلون بعيد الاستقلال وهم يخضعون للاستعمار وينفذون أجندته، ثم هل سيحتفل المتواجدون في الفنادق بعيدِ الاستقلال؟!”.
من جهته، يقول مديرُ عام الشؤون القانونية بوزارة الزراعة حسين حمود شرف الدين: “من صنعاء نقول رسالةً لكل دول العالم وكل المستعمرين في أي مكان، بأن اليمن عصيةٌ على كُـلّ الغزاة، وأنها ستظل مخلداً للكفاح، مقاومة ومناضلة في وجه كُـلِّ غازٍ ومحتلّ لأي شبر في هذا البلد”.
ويضيف شرف الدين بقوله: “أبناء اليمن هم الدرعُ الواقي ضد هؤلاء الطغاة والمرتزِقة، فاليمن هي حرة وأبية منذ فجر التاريخ وحتى يوم القيامة، وأبناء اليمن سيحرّرون الأرضَ كاملة”.
صحيفة المسيرة