ثورةُ 21 سبتمبر ضرورةٌ تاريخية…بقلم/حمود عبدالله الأهنومي
مشكلةُ السعودية -ومن ورائها أمريكا ودول الاستكبار- هي أنها ضد أية قوة وطنية تريد استقلالَ اليمن وحريتَه وكرامتَه، بغض النظر عن انتمائها المذهبي وخلفيتها الاجتماعية، لا سيما إذَا هدفت إلى تبنّي قضايا الأُمَّــة الإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين فسيتحد ضدها تحالفٌ طويلٌ عريضٌ من هؤلاء المستكبرين، كما هو الحال اليوم في عدوانهم على اليمن.
نقلت صحيفة فورين بوليسي عام2011م عن الكاتب السعودي المُقَرَّب من السلطات السعودية آنذاك، والذي قطَّعَتْ أوصالَه لاحقاً، جمال خاشقجي، نقلَتْ عنه تسميتَه المهذبةَ لأدوات السعودية بـ(أصدقاء السعودية في اليمن)، واعتَبَرَ أنَّ دَفْعَها لهم الأموالَ بمقابل “ممارسة النفوذ، والحماية، والاستقرار”، وهو كلامٌ يُوَضِّحُ الواضح أصلاً، ولكن لزيادة الاطمئنان، لا سيما بعد أن كَشَفَتْ وثائق ويكليكس قوائمَ طويلة من الجنرالات والأعيان والزعامات والأحزاب والمؤسّسات والهيئات في اليمن وهم يقفون في طابور اللجنة السعودية الخَاصَّة، التي ضَمِنَتْ لهم استمرارية هذه المبالغ الضخمة منذ وقت مبكر، في تاريخ الجمهورية.
من خلال الوثائق السعودية التي تم اختراقها في عام 2015م تبيّن أن الحروب على صعدة أَيْـضاً كانت مُمَوَّلَة من المملكة السعودية، وأنها هي مَنْ أثارت مرتزِقة كُثْرًا تعدَّدت أسماؤهم، والمهمة واحدة، من دمّاج، وكتاف، إلى حاشد وحجور والجوف وإب، إلى الفِرقة الأولى مدرع، وانتهاءً بعبدربه منصور، وبحاح، والإرياني، وجُباري، ممن يداومون اليوم على أكل الكبسة في الرياض، دعك من حزب الإصلاح وقياداته، بحيث لو أنك قرأت تصريحاتِ كثيرٍ منهم -إبان ثورة الـ21 من سبتمبر وقبلها وبعدها- لاقتنعت مسبقاً أنهم سيكونون في صَــفّ أي عدوان سعودي سيكون ضد أبناء شعبهم.
في 4 سبتمبر عام 2016م نقلت آرتي الإنجليزية عن مُحرّر وكالة أنباء عموم أفريقيا قوله بأن أجندة أمريكا في اليمن هي منع وصول أي نظام مستقل من الوصول إلى السلطة في اليمن، وهو الهدف الذي تسعى دائماً مملكة آل سعود لتحقيقه في اليمن، وأزعم أنه لو وصلت أية قوة سياسية إلى السلطة في اليمن وهي تحمل برنامجا مستقلا عن الهيمنة السعودية ومن ورائها الأمريكية لتحَرّك هذا التحالف لضربِه وقصفه، حتى ولو كان هؤلاء هم حزب الإصلاح أَو الاشتراكي أَو أية قوة يمنية.
لقد كانت خطابات السيد عبدالملك الحوثي قبل ثورة 21 سبتمبر وأثناءها وبعدها تندّد وتحذر من خطورة التدخلات الأجنبية في القرار اليمني، وأنها لا تريد لليمن حرية ولا استقلالا، وكان ذلك أمرا واضحاً لدى الساسة اليمنيين المُعَتَّقين، وهو ما كشفته الأحداث بشكل مستمرّ؛ لكن لأَنهم قد استمرأوا حالةَ التبعية المزِمنة وألفوها، وخافوا من الانفطامِ المفاجئ لو نجحت أهداف ثورة 21 سبتمبر لم يعيروها بالاً، ونتذكّرُ في هذا الصدد بيانات مجلس الدول العشر الذي كان ينعقدُ بحسب طلب السعودية، ومنها ذلك البيان الذي صدر في الثلث الأول من شهر سبتمبر 2014م والذي أعاد الحوار القائم بين القوى السياسية آنذاك إلى مربع الصفر، وأثار انزعاج القوى الوطنية.
من الواضح جِـدًّا أن السعودية كانت ولا زالت تعارض أي تغيير في بنية النظام اليمني وفي حراكه وأهدافه؛ ولهذا سعت السعودية إلى احتواء ثورة 11 فبراير 2011م من خلال بعض العناصر الذين آمنوا بالثورة نظرياً، ولكن بمقاسات خَاصَّة، وعارضت أي تغيير جدِّي في بنية النظام الحاكم الذي انقسم على نفسه حينها، وسعت إلى إعادة إنتاجه مرة ثانية بذات الأدوات التي تدين لها بالولاء، وإن بتوزيع القرار السياسي بين تلك الأطراف بما يضمن كتم الأصوات الثورية التحرّرية داخل اليمن، وتغييبها، وإضعاف الدولة اليمنية، لكنه مع ذلك مكّن القوة الفتية ممثلة في أنصار الله والتي عبّرت عن الحاجة المجتمعية اليمنية أن تكونَ صوت الشارع الذي حمل لواء التغيير بعد أن دفنته أدوات الرياض من القوى السياسية تحت أقدام ما سُمِّي بالمبادرة الخليجية.
ولما انهزمت تلك الأدوات أمام الحراك الثوري الاجتماعي الجديد وفَرَّ بعضُها (علي محسن الأحمر) إلى السعودية، بدأت السعودية التفكير جدياً في الدخول في الحرب على اليمن، حَيْــثُ فشل الوكلاء، ولا بد أن يحضر الأصلاء، ولم تعدم بالطبع العناوين الخادعة والمضللة التي يمكنها التحَرُّكُ من خلالها، ومنها مكافحة المد الإيراني، أَو الرافضي، أَو المجوسية، أَو استعادة الشرعية المزعومة، أَو الجمهورية، أَو حماية الأمن القومي العربي التي تتالت تصريحات المسؤولين السعوديين ومسؤولي ما يسمى بالشرعية أنها مُجَــرّد ذرائع واهية استخدمت كعناوين لشن العدوان على اليمن.
لا تريد السعودية أن تنجح ثورة 21 سبتمبر؛ لأَنَّ في نجاحها نجاحَ المشروع الوطني التحرّري الذي يمكنه اتخاذ القرار الشجاع والجريء في مختلف القضايا الداخلية والخارجية، ويمكنه النهوض بالمشروع الوطني الذي يهمه أولاً الإنسان اليمني وراحته وسعادته، ودوره الحضاري الرائد، الذي لا يمكن أن يختزل في رغبات الأعراب الذين أكثروا في هذه الأرض من التدخلات والإفساد والإيقاع انتهاءً بالمجازر اليومية الدموية اليوم، ولن يكون هناك خروج من هذه المعادلة الظالمة إلا بالمضي في تحقيق أهداف ثورة 21 سبتمبر والانحياز لروحها اليمنية المستقلة التي أرعبت الطغاة والمفسدين في الخليج وفي فلسطين المحتلّة وفي أمريكا وغيرهم من المستكبرين.
بعد تحقّق الكثير من الانتصارات اليمنية ضد العدوان الراهن خلال هذه الخمس السنوات، وآخرها (ملطام القرن) الذي وجَّهَه اليمانيون إلى وجوه المستكبرين، وفي ضرع البقرة الحلوب (أرامكو)، باتت ثورة 21 سبتمبر أصلب عودا، وأرسخ عمودا، وباتت منجِزة لكثير من الخطوات التي يجب اجتيازها وصولاً إلى النجاح، مع أن ما تحقّقه الثورة لم يعد فقط منجزاً يمنياً، بل بات منجزاً إقليمياً ودولياً، في الانتصار للشعوب الحرة، ضد دول الاستكبار وعملائهم في المنطقة.
إن الرصيد الهائل من الثورات، فاليوم نعيشُ تفاصيلَ من ثورة 21 سبتمبر، وبعد أيام نعيشُ ذكرى ثورة الإمام زيد عليه السلام، وهناك غيرها من الثورات والمناسبات العديدة، ليوفِّرُ مصادرَ مهمة للحرية والكرامة والعزة، تمد المجتمع بقوة فكرية وثقافية واجتماعية لازمة، تساعده على الثبات والصمود والصبر والتضحية، وتعمل معه على أن يكونَ حارساً أميناً لهذه الإنجازات من أي انحراف في واقع الثورة الداخلي، وفي نفس الوقت تمده بالطاقة القوية والمتينة في مواجهة المعتدين؛ لهذا تعظم أهميّة الاحتفاء والإشادة بهذه الثورات؛ كونها محطات انطلاق لمواجهة التحديات الراهنة ببصيرة نافذة، وخبرة وثابة، وتجربة متراكمة، عمرها مئات الأعوام، في مواجهة أعداء ليس لهم رصيد سوى الطغيان الزائف، والاستناد إلى أساطين الحضارة المادية الذين لا يهمهم سوى الكسب ولو من أشلاء الضحايا، وهذا ما يزيد الأحرار بصيرة ومضياً وشموخاً، ويزيد الثورة قوة وصلابة ورسوخاً..