ثلاث قصائد “عصا السِّنوار” لثلاثة شعراء
ثلاث قصائد “عصا السِّنوار” لثلاثة شعراء
الأولى : للشاعر معاذ الجنيد
(طوفانُ نوح) (عصا موسى) و(سيفُ علي)
يا ربِّ هل هذهِ الآياتُ في رَجُلِ؟
من شاهدَ القائدَ (السِّنوارَ) يحسبُها
مشاهِداً حيَّةً من عالمِ الرُّسُلِ
قامت بطوفانِهِ الثاني شهادتُهُ
فالناسُ ما بين مصدومٍ ومُنذَهِلِ
كانت كـ(فرعونَ) (إسرائيلُ) حين دَعا
أهلَ المدائن عن جهلٍ بما سيَلِي
فآمنَ الناسُ بـ(السِّنوار) وانجذبوا
لدينهِ، ورَموا (صُهيونَ) بالفشَلِ
رأوا براهينَ دين الله فيهِ، فما
هذي البطولاتُ عن (عُزَّى) وعن (هُبَلِ)
وقيلَ: ما تلك في يُسراكَ؟ قال لهُ:
عصايَ.. قال: عليهم ألقِها وقُلِ:
ذُوقوا العذابَ الذي تستعجلون بهِ
ذُوقوا.. فقد خُلقَ الإنسانُ من عجلِ
ألقى عصاهُ.. وهُم ألقوا قذائفَهم
وقال: هُمْ محضُ إفكٍ فالقَفي وكُلي
ألقى عصاهُ.. ليلقى الله مُشتبِكاً
مُستنفِذاً كل ما في الأرض من حِيَلِ
ألقى عصاهُ.. وما عادت لسِيرَتِها
الأولى فمفعولُها باقٍ إلى الأزلِ
فيا عفاريتَ نقلِ العرشِ إنَّ (عصا
السِّنوار) قد وصلت والضوءُ لم يصِلِ
شقَّت طريقاً لفتحِ (القُدسِ) سالِكُها
يمشي على جُدُدٍ جرداءِ أو طَلَلِ
أظنُّ (غزَّةَ) من تلك العصا انفجرَت
بضربةٍ منهُ أنفاقاً لكلِّ ولي
تظُنُّهُ واقفاً أثناء جلستهِ
من الشموخِ الذي يطغى على المُقَلِ
وواقفاً وهو مُلقىً بعد مقتلهِ
كرايةٍ في الذُّرى العلياء والقُلَلِ
وشامخاً والطُفيلياتُ ناهِبةٌ
من جيبِهِ سبحةً تُشرى ببحرِ حُلي
معالمُ الحربِ كانت من ملامحهِ
جليَّةً وضما الهيجاء منهُ جَلي
لكنَّ إحساسَهُ في الخُلدِ مُتَّكئاً
على الأرائكِ والأنهارُ من عسلِ
تقرَّحت يَدُهُ من فرطِ ما فتَكت
وأثخنت في العِدا قتلاً بلا كللِ
عامٌ من الأخذِ والتنكيلِ يُنقصُهم
في رحلةٍ زادُها التقوى بلا أُكُلِ
كانت تُفتِّشُ عن (يحيى) قنابلُهُم
وكان عنهم بِهم في الأرضِ في شُغُلِ
من المسافةِ صفرٍ ظلَّ يحصُدُهم
وهُم من الجوِّ في بحثٍ بلا أملِ
ويستشِفّون من كُهَّانِهم خبراً
ويلجأون إلى التنجيمِ والدَّجَلِ
وهُم بقصفِ المباني يصنعون لهُ
متارساً صادَهُم كالبَطِّ والحَجَلِ
فكان قاتلَ (إسرائيل) وهي على
أنقاضِهِ وهو يُلقي السمعَ من زُحلِ
تفاجأت فيه حيَّاً بعد مقتلهِ
كأنَّها منهُ لم تظفر ولم تنَلِ
بأمرِهِ اضطرَّهُم لا عن إرادتهم
أن يُعلنوا عنهُ مهزومين في خجلِ
لأنَّهُ كان في إيمانِهِ جبلاً
بدا (الكيانُ) صغيراً أسفلَ الجبلِ
(يحيى) الذي عنهُ (إسرائبلُ) إن سُئلت
تنهَّدت وأجابت: إنَّهُ أجَلي
أطلقتُهُ صار طوفاني وزلزلتي
سجنتُهُ كان سجَّاني ولم يزَلِ
قتلتُهُ قامَ مُقتصَّاً يُطارِدُني
بالموتِ فالويلُ من (سنوار غزَّةَ) لي
إن قطَّبَ القائدُ (السنوارُ) جبهتَهُ
تهافتت دِوَلٌ تشكو إلى دِوَلِ
وكان في السجنِ كـ(الصِّديقِ) مدرسةً
من المبادئ والأخلاق والمُثُلِ
إنِّي أرى السجنَ يا ربِّي أحبَّ على
أن يُطلِقوا كل أسرى أُمَّتي بدَلي
يا ربَّ (طالوت) بصِّرنا لمعركةٍ
كبرى نُبيِّضُ فيها كل مُعتَقَلِ
وظلَّ (يحيى) يُناجي الله مُبتهلاً
عشرين عاماً بِبطنِ السجنِ في وَجَلِ
يا (صاحبَ الحُوتِ) لو أبصرت صاحِبَنا
لقُلتَ: يا ربِّ أشرِكني بذا العمَلِ
وجاء (يحيى) إلى مِيقاتِ خالقِهِ
مُقلَّداً بعد (سيفِ القُدسِ) (سيفَ علي)
وقال ربُّكَ يا (يحيى) سنُغرقُهُم
بما عصوا فاصنعِ الطوفانَ وامتَثِلِ
ولا تسلني عن الأعرابِ.. من خذلوا
سيغرقون.. فلا تُكثِر من الجدَلِ
اصنع بأعيُنِنا الطوفانَ وامضِ فقد
حقَّ الوعيدُ ودَعْ أمرَ السفينةِ لي
فُلكُ النجاةِ سآتيكُم بها (عَلَمَاً)
مُحمَّدياً وشعباً يأتِ من قِبَلي
مُحمَّدياً من استهدى لنُصرَتِكُم
بنهجهِ فاز من نارٍ ومن ظُلَلِ
يُجنِّدُ البحرَ طوعاً تحت إمرَتِكُم
يجيئُكُم بعبادٍ لي أُولِي… وأُولِي…
وإنَّهُ لَصِراطٌ غيرُ ذِي عِوَجٍ
وإنَّهُ لَولِيُّ الله وابنُ وَلي
تفوقُ بسطةَ (ذي القرنين) بسطتُهُ
فأسرِجِ الخيلَ يا (سنوار) واتَّكِلِي
فقامَ (يحيى) بوفدٍ من ملائكةٍ
مُسوّمين بيومِ (السابعِ) الجَلَلِ
يا قُوَّةَ الله من جُندِ السماءِ إلى
أبطالِ (غزَّةَ) _أمرٌ جاءها_ انتَقِلي
تنزَّلوا مثلَ أرواحٍ مُجنَّدةٍ
تفجَّروا.. فاغرقي يا أرضُ واشتعِلي
مُستوطناتٍ طَووها طيَّ سبحتهِ
أصواتُ تكبيرهم تشفي من العِلَلِ
فكان (يحيى) عليهم (وعدَ آخرةٍ)
وصيحةً وعذاباً غيرَ مُحتَمَلِ
يا (غزَّةً) يا (حماساً) إنَّ قادَتَكُم
قاداتُنا وكِلانا بالفراقِ بُلِي
وإنَّنا شُركاءٌ في القِصاصِ لَهُم
معاً سنمضي بلا ضعفٍ ولا ملَلِ
سبحان من جعلَ (السنوارَ) مُعجزةً
كونيَّةً.. وعصاهُ مضربَ المثَلِ
الثانية للشاعر د. أحمد علي الهارب
“يحيى” دعتكَ وأرضعتكَ شجونها
أملاً لتحيا بالخلاص سنونها
ورأتكَ تنشأُ لاجئاً في أُمَّـة
خذلتك قبلُ.. وما بكتكَ جفونها!
وحملتَ منها في قيامك ثورةً
تأبى الركوع.. وما حنتكَ سجونها
وخرجتَ حُرّاً ثائراً مُستبصراً
وغدوتَ طوفاناً يدك حصونها
وبرزتَ ممتشقَ السلاح تسومها
سوء العذاب وتستثير جنونها
ولقد رأوكَ.. ودون غزة تفتدي
مُهَجَ الرفاق ولا تهاب منونها!
ورأوكَ حين على الرزايا تصطفي
نصرَ القضية لو فؤادك دونها!
ورأوك ترحل واقفاً لم تنحني
للشوك روحكَ وامتطيتَ متونها
ورأوكَ أقرب من رقاب علوجهم
لولا “شماغُكَ” لارتجفن عيونها
وعلى الرباط تشدُّ يُمناكَ التي
شهدت.. ويسرى في جهادك عونها
وبدت عصاكَ تشق آفاق المدى
وبمثل “يحيى” تستطيل غصونها
بالكاف تلقفُ كُـلّ وهمٍ خادعٍ
ولسوف تفلقُ كُـلّ بحرٍ نونها
وببذل مثلك سوف تبقى آيةً
حتى على الرمق الأخير نصونها
وسُراكَ تسقي كُـلّ غيمٍ نازفٍ
يا برق غزةَ والجهاد مزونها
علِّل جراحَ الأقربين… فبذلها
من فيض جودك والثبات يقينها
ولقد شهدتَ على طريقكَ صادقاً
وقروح جسمكَ ما وهاكَ ثخونها!
ورفعتَ هيهات المذلة رايةً
والنفسُ لا يرضى الدنيّةَ دينُها
وأقمتَ حُجّتك العظيمة باعثاً
جمرَ القضيّة في محيط وهُونها
ورسمتَ من وعد الخلاص مآثراً
بقباب أولى القبلتين يرونها
وعلى كتابك للحياة خلاصةٌ
هذي عصا السنوار كن أَو كونها!
الثالثة: للشاعر علي هلال