ثلاثة “إنجازات” تُحقِّقها مُبادرة السيّد الحوثي “الذكيّة” بالإفراج عن أسرى سعوديين مُقابل إطلاق سَراح نُظرائهم من مُعتقلي “حماس” ما هِي؟ ولماذا نستبعد التّجاوب السعودي معها؟
اختار السيّد عبد الملك الحوثي، زعيم حركة “أنصار الله” ذِكرى دُخول الحرب التي يشنّها التّحالف السعودي على بلاده عامَها السادس، لطرح مُبادرة مُفاجئة، قدّم من خلالها عرضًا للقِيادة السعوديّة بالإفراج عن خمسة من جُنودها بينهم طيّار مُقابل إفراجها عن خمسين مُعتقلًا فِلسطينيًّا في سُجونها، من بينهم محمد الخضري ونجله سفير حركة “حماس” في المملكة، والمُكلّف بالتّنسيق مع القِيادة السعوديّة.
هذه المُبادرة السياسيّة “الذكيّة” جدًّا، ضربت عدّة عصافير بحجرٍ واحد، أبرزها توثيق العُلاقات بين القيادة الحوثيّة في صنعاء وفصائل المُقاومة الإسلاميّة والعلمانيّة في قِطاع غزّة وكُل فِلسطين المحتلّة، وإزالة بعض شوائب التوتّر بين الجانبين، خاصّةً مع حركة “حماس” التي اتّخذت موقفًا “شِبه حِيادي” في بداية حرب اليمن، كان أكثر قُربًا من الموقف السعوديّ، مُضاف إلى ذلك إحراج الجانب السعوديّ الذي اعتقل المحسوبين على حركة “حماس” بتُهمة “غير مسؤولة”، وغير شعبيّة”، و”غير مقبولة” أيّ دعم الإرهاب، في إشارةٍ إلى حركة “حماس”، وتصنيفها بالتّالي كحركةٍ “إرهابيّة”.
الشعب اليمني، بكُل ألوان طيفِه السياسيّ، والمناطقيّ، والقبليّ، يُعتبر من أكثر الشعوب العربيّة والإسلاميّة دعمًا ومُساندةً وإيمانًا بالقضيّة الفِلسطينيّة، وأضخم مسيرة إدانة للحرب الإسرائيليّة على قِطاع غزّة، وتعاطفًا مع شُهدائها، انطلقت من مدينة صنعاء المُحاصرة، فاليمنيّون قد يختلفون على كُل شيء إلا الوقوف في خندق المُقاومة الفِلسطينيّة، ومُستعدّون أن يحرموا أنفسهم من لُقمة الخبز ويُقدّمونها وهُم المُحاصرون إلى أشقّائهم في فِلسطين المحتلّة.
الرّبط بين القضيّتين الفِلسطينيّة واليمنيّة من خِلال هذه المُبادرة يَعكِس دهاءَ الحركة الحوثيّة، ومدى ثِقتها بنفسها، وابتكار الأفكار لإحراج أعدائها وحشرهم في الزّاوية، بغض النّظر عن محدوديّة فُرصها في النّجاح.
السيّد الحوثي يتحدّث هُنا، ويطرح مُبادرته من موقع قوّة، وبعد انتصارات ميدانيّة كبيرة استطاع إنجازها، أبرزها قصف المُنشآت النفطيّة في بقيق وينبع في العُمق السعوديّ، واستعادة السّيطرة على مُحافظة الجوف الحدوديّة التي تُوجد فيها كميّات كبيرة من احتِياطات النّفط والغاز اليمنيّة، وتطوير صناعة عسكريّة حربيّة صاروخيّة، وطائرات مسيّرة كسرت العديد من مُعادلات الرّدع والقوّة.
بحُكم خبرتنا في الشّأن الخليجي، لا نتردّد في القول بأنّ تجاوب الرياض مع هذه المُبادرة اليمنيّة قد يكون محدودًا، أو حتى معدومًا، لأنّ القِيادة السعوديّة من النّادر أن تتجاوب مع مِثل هذه المُبادرات “العلنيّة” التي تُشَكِّل ضغطًا عليها، وهذا ما يُفسِّر صمتها الرّاهن تُجاهها، مُضافًا إلى ذلك مُعارضتها لأيّ ربط بين الحرب اليمنيّة والقضيّة الفِلسطينيّة.
هذه القِيادة أخطأت مرّتين في نظرنا:
الأولى: عندما اعتقلت هؤلاء المحسوبين على حركة “حماس” بتُهم غير مُقنعة، وتَضُر بالمملكة أكثر من ضررها بحركة “حماس”، مِثل جمع تبرّعات لحركة “إرهابيّة”، فإذا كانت هذه القيادة لا تكُن أيّ ودّ لحركة “حماس” وحركات المُقاومة بشكلٍ عام التزامًا بالتّصنيفات والتّحالفات الأمريكيّة، فإنّ الشّعب السعودي في غالبيّته لا يُشاطِرها الرّأي في هذا المِضمار بسبب مواقفه الوطنيّة المُشرّفة الداعمة للمُقاومة وللقضيّة العادلة التي تُمثِّلها.
الثانية: كان الأجدر بالمملكة التي تُواجه “انتقادات” في العالمين العربيّ والإسلاميّ، بسبب حرب اليمن، وتورّطها في دعم حروبٍ مُدمّرة في سورية وليبيا والعِراق قبلها، علاوةً على ظُروف ماليّة واقتصاديّة صعبة حاليًّا بسبب تراجع أسعار النفط، كان الأجدر بها الإفراج عن هؤلاء المُعتقلين “مُبكِرًا” تجاوبًا مع الوسطاء “السّريين” الذين أرسلتهم حركة “حماس” لإغلاق هذا المِلف، بعيدًا عن الضّوضاء الإعلاميّة، وبِما يحفظ كرامة وحُقوق الجميع، ولكنّها لم تفعل للأسف.
خِتامًا نقول إنّ دخول الحرب اليمنيّة عامها السادس بصُمودٍ أقوى وأكثر فاعليّة للجيش والمُقاومة اليمنيّة تحت زعامة حركة “أنصار الله” يُؤرِّخ أيضًا إلى قفزةٍ سياسيّةٍ لهذا المحور محسوبةً بعنايةٍ فائقةٍ، وبإمكانيّات ماليّة وإعلاميّة لا تكاد تُذكَر بالمُقارنة مع إمكانيّات الخصم وسِفاراته وعُلاقاته الدوليّة وإمبراطوريّاته الإعلاميّة.
مُبادرة السيّد عبد الملك الحوثي هي عُنوان لمرحلة هُجوميّة سياسيّة جديدة، لا تقل أهميّةً عن نظيرتها العسكريّة، تَعكِس في الوقت نفسه وجود عُقول استراتيجيّة تقف خلفها، وتُؤكِّد أنّ كُهوف صعدة تُخرِّج الاستراتيجيّين أيضًا وليس المُقاتلين الأشدّاء فقط.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”