ثقافة قرآنية : كلمات من نور ودروس من هدي القرآن الكريم للسيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه
- كلمات من نور ودروس من هدي القرآن الكريم للسيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه
تصحيح الأخطاء طريق نحو تحقيق النصر
يجب علينا دائما أن نتقرب إلى الله ننشد إليه دائما في عملنا الجهادي ليس لمجرد الإثارة أن نثير الآخرين بل نعود إلى الله سبحانه وتعالى بجدية من خلال كتابه, وأن نهاجم الأخطاء باعتبارها معصية لله سبحانه وتعالى, وبالشكل الذي يوحي للآخرين أنه لا يمكن أن تجتمع كلمتنا بشكل صحيح يكون فاعلاًً, ومؤثراً, بل لا يمكن أن نحظى بتأييد الله, ونصره, إلا إذا تخلينا عن هذه الأخطاء.
أوليس الناس كلهم, والطوائف كلهم يقولون: أن المعاصي تؤثر, تؤثر فيما يتعلق بالحصول على نصر الله؟ المعاصي المعروفة لدينا, وقد يكون أكبرها في الواقع يبدو هيناً أمام أخطاء رهيبة جداً في اعتقادات كثير من المسلمين, هي المعصية الكبرى بعينها, وهذا ما أكده الإمام الهادي (عليه السلام) أن نسبة الفواحش إلى الله, نسبة القبيح إلى الله, نسبة الظلم إلى الله معصية تقريباً لا أكبر منها, بل يقولون عنها: أنها أكفر الكفر, وأشرك الشرك.
إذاً فهل يمكن أن نثور على معاصي معينة, ونترك المعاصي الكبرى التي تحول دون أي تأييد من جانب الله؟ بل التي تكون سبباً لبقاء الانتقام الإلهي قائماً ضد من يعتقدون هذه العقائد, أو ينظرون هذه النظرة؟.
نصحح عقائدنا, نصحح أخطاءنا في ثقافتنا, وأن نعمل أيضاً على أن نكون بعيدين عن المعاصي بشتى أنواعها, حتى تكون هذه الأمة, وتكون هذه الفئة, أو هذه الطائفة جديرة بنصر الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله لا يخلف وعده, {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}(الحج40).
كيف تنصره؟ ألست تنصر دينه؟ نصرك دينه؟ هل يعد ناصراً لدينه من يعمل على إيصال العقائد الباطلة, أو الثقافة المليئة بالأخطاء إلى الآخرين؟ هل هو ينصر دين الله, أو يشوه دين الله؟ إن الله يعلم, إن الله يعلم, يعلم دينه كيف هو, وما هو, هو الذي نزله, فإذا جهلت أنا, جهلت أن هذا ليس من دينه فالله ليس يجهل, الله لا يجهل, هو يعلم, ووعده مرتبط بمن نصر دينه, وعده مرتبط بمن نصر دينه.
وعندما يريد لعباده أن يتحركوا كمجاهدين في سبيله؛ لإعلاء كلمته, ليس فقط هو لمجرد ضرب الآخرين, بل ليحملوا دينه للآخرين, فليكونوا على مستوى حمل دينه للآخرين, ومتى يكونون على مستوى حمل دينه؟ عندما يصححوا أخطاءهم أولاً داخلهم }إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ{
هذه هي نظرة القرآن: تصحيح الخطأ الداخلي, أن نصحح وضعيتنا أولاً حتى نعلم أنما نعتقده, وما نسير عليه, وما نتحرك به, وما نقوله هو دين الله, وحينئذ يتحرك الناس, وحينئذ سيحظون بنصر الله سبحانه وتعالى, سيحظون بنصر الله.
ولاحظوا, وأكرر أن هذا – فيما أعتقد – هو الذي قعد بالإمام علي عن المشاركة في الفتوحات, وأن تلك الفتوحات نفسها ألم تكن توسيعاً للدين على هذا النمط الذي نشكو منه؟ ألم تصبح الأمة هذه بكلها عبئاً على بعضها بعض؟ ملايين من البشر, وكلهم يقولون: يريدون أن يتحركوا على أساس إسلامي, وينصروا الإسلام, وكل من يتحرك سيتحرك على خطأه!.
ألم يصبحوا عبئا على بعضهم بعض؟ أليس الآن المطلوب أمة تعود إلى نهج صحيح حتى وإن كان بعضاً من شعب واحد؟ وأن هؤلاء سيعملون عملاً كبيراً, أما بقية الأمة فإنما أصبح عبئاً؛ لأن تلك الفتوحات هي أوصلت الدين إلى تلك المناطق بشكل منقوص, وفيه الكثير من التشويه.
فما كان لمثل الإمام علي (عليه السلام) أن ينطلق ليشارك في فتوحات أو قتال هو إيصال لدين ناقص على هذا النحو, هو يعلم أن الصراع في الإسلام, أو أن الجهاد في الإسلام, أو أن القتال في الإسلام ليس هو ذلك الذي كان معروفاً عند العرب سابقاً, قتال لمجرد قتال.
هو عمل لحمل رسالة, يجب أن تكون هذه الرسالة نظيفة, وأن من يحملونها هم يحملون تلك الرسالة النظيفة النقية, وإلا فهم أول من يعتدي عليها, وهم من سيكثرون الأخطاء بكثرة عدد من يعتنقونها, وهذا هو ما حصل وشهد على هذا أننا الآن كم! مليار ومائتي مليون مسلم؟.
الوحدة الإيمانية
قضية الوحدة, وحدة المسلمين, ووحدة المؤمنين هي مبدأ من مبادئ دين الله المهمة, وإذا كان هناك أي مبدأ من مبادئ دين الله, أو أي تشريع من تشريعاته, هو الذي يرسم طريقة أدائه, أليس كذلك؟ هذا هو التشريع, هو الذي يرسم طريقة أدائه, وكيف يمكن أن يتم, وكيف نؤديه نحن.
وما قال لنا توحدوا هكذا! رسم الطريقة التي على أساسها يكون توحدنا, وهي طريقة تختلف اختلافاً كبيراً عن مسألة أن بالإمكان أن تبقى هذه المذاهب على ما هي عليه, ويجتمعوا جميعاً, وكل واحد على ما هو عليه, وكل واحد على مذهبه ضد أعداء الإسلام!.
الواقع شهد بأن هذه غير ممكنة, وحدة من هذا النوع غير ممكنة, وإذا كانت ممكنة أليس في هذه الأحداث ما يجعلها واقعة لو كانت ممكنة, أو قلنا ممكنة فمتى يريدون أن يتوحدوا, متى يمكن أن يتوحدوا؟.
الوحدة الإيمانية, أو الوحدة المطلوبة من عباد الله هي وحدة إيمانية تقوم على منهج واحد, منهج واحد, وخط واحد, وقيادة واحدة, الله سبحانه وتعالى قال في القرآن الكريم: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} (آل عمران103).
عملوا منظمة المؤتمر الإسلامي وفشلت أيضاً, وعملوا جامعة الدول العربية, ولم يكن لها أي دور يذكر, ولا أن نقول: ما دام أننا قد صرنا مذاهب متعددة فكل واحد على أصله, وننطلق جميعاً نتوحد! ما هذه أيضاً فكرة مزاج؟ نفس الشيء, لا يمكن أن يتحقق.
الوحدة, الله رسم طريقها باعتبارها مبدءاً مهماً من مبادئ دينه, هو الذي حدد كيف تكون, وتحت قيادة من, وعلى أساس ماذا, على أي أساس تقوم, هو الذي رسم رسماً كاملاً لما يؤدي بالمؤمنين إلى الوحدة.
ولاحظوا أن الوحدة الإيمانية المطلوبة من قبل الله سبحانه وتعالى من عباده هي نفسها المنسجمة مع فطرة كل واحد من المسلمين في الواقع, أن كل واحد في الواقع يعترف بأنه فعلاً أن أرقى توحد يكون له تأثير هو أن يكون الناس على منهج واحد, وكل واحد يعرف أنها مسألة مجاملة, أو مسألة تلفيق, أن نقول: يتوحدون هم على ما هم عليه, وكل واحد يبقى على ما هو عليه, كل واحد يعترف أنها قضية تلفيق.
وأنها أيضاً لا تحظى أمة على هذا النحو متفرقة, لا تحظى بنصر إلهي أبداً, أبداً, لماذا؟ لأن المسلمين أساساً عندما يُطلَب منهم أن يتوحدوا هو ليحملوا رسالة واحدة, يتوحدون لينشروا دين الله؛ ليعلوا كلمة الله, ينشرون هذا الدين في أوساط الأمم الأخرى, ودينه واحد.
عندما يتحرك أبناء هذه الأمة وهم عدة طوائف متفرقة, مذاهب متعددة, مختلفة في عقائدها, مختلفة في أحكامها الفقهية, مختلفة في تشريعاتها, مختلفة في مواقفها, مختلفة في أعلامها, أليسوا هم من سيوصلون الدين إلى أي بقعة أخرى بشكل مفرق؟.
تصور أنه جيش مكون من مائة ألف, أو حتى خمس مائة ألف, وباعتباره جيشاً إسلامياً, فيه الزيدي, والجعفري, والشافعي, والمالكي, والحنبلي, كل هذه المذاهب, عادة يكون بين الجيوش علماء ومثقفين ومتعلمون أليس كذلك؟ عندما يفتحون منطقة – هذا فرض – يفتحون منطقة من المناطق في العالم ما كل واحد سيتحرك ليعلم الآخرين بمذهبه؟ من منطلق أنه يريد أن يعلمهم دين الله, ويعلمهم الحق! إذاً سيوصل الناس دين الله مفرقاً إلى الآخرين فيوسعوا الفرقة, فلا يمكن لهم أبداً أن يحظوا بنصر الله؛ لأنهم هم فيهم خلل كبير.
إذا كانت الوحدة على النحو هذا الذي رسمه الله لعباده المؤمنين في القرآن الكريم هي ضائعة في أوساطهم أليس هذا خللا كبيرا جدا؟ أي أنهم سيحملون الدين إلى مناطق أخرى فينشروا العقائد الباطلة, وينشروا الأقوال الباطلة, والنظرات الباطلة, والمواقف الباطلة, إلى تلك الشعوب الأخرى.
التفرقة المذهبية صناعة من ..؟
كثيرا ما ذكر الله سبحانه وتعالى اليهود وركز على أنهم يستخدمون سياسة التفريق ويعززون الفرقة المذهبية التي بين المذاهب؟ هم كما يقال وراء تأسيس عدة طوائف: الوهابية في الحجاز, والبهائية في إيران زمان, والقاديانية في الهند وفي باكستان, عدة طوائف، هم أسسوها.
وانظر كيف كانت الطائفة الوهابية تتحرك في الدنيا كلها, ألم يكونوا يتحركون في الدنيا كلها؟ بكل هدوء, وبمعنويات مرتفعة, ولا يخافون شيئاً؛ لأنْ ما هناك من يخافون منه, هم لا يخافون أمريكا, ولا يخافون أحداً, هم من جندوهم, تحركوا في الحجاز, وفي اليمن, وفي باكستان, وفي الجزائر, وفي مصر, وفي مناطق كثيرة.
الفرقة المذهبية, أي تفرق المسلمين, سواء كانوا بشكل مذاهب, أو تفرق أبناء المذهب الواحد, هي قضية خطيرة جداً, ومظهر ضعف, لا يمكن لأمة على هذا النحو أن تعمل شيئاً لدينها, ولا لنفسها, ولكن لأننا أيضاً لا نفكر في الخروج من هذه الوضعية, ما تزال مدارسنا تنتج الثقافة المفرقة, أليس كذلك؟ في حلقات العلم, في المساجد, وفي الهجر, وفي الجامعات, وفي المعاهد.
أليسوا يدرسون أصول الفقه, ويدرسون أشياء كثيرة مما تساعد على أن ينشأ الناس متفرقين من جديد؛ فيضل باب الفرقة مفتوح على مصراعيه, وإذا ما أحد جاء ليعالج المسألة وقال: يجب أن نتوحد. أيضاً قدم معالجة ناقصة, أن يكون التوحد هو هكذا على ما نحن عليه, نتوحد على ما نحن عليه, وكل ناس على مذهبهم, وتجتمع كلمتنا جميعاً, ونضرب أعداء الله جميعاً! يظن هؤلاء أن المسألة ممكنة على هذا النحو, وهي غير ممكنة, لا تتأتى.
الفتح المبين
عندما يحظى المجاهدين الذين يسيرون على هدي الله بالنصر والتأييد الإلهي فإنهم من سيشدون الآخرين, ويجعلون الآخرين يتركون ما هم عليه, سيلمسون ذلك فعلاً, ألم يلمس العرب, ألم يكن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يهاجم الكافرين ؟ يهاجمهم, ويتكلم عن أصنامهم وبقسوة أيضاً؟ في نفس الوقت الذي كان يبين الخطأ الكبير الذي هم عليه, ويدعوهم إلى ما هو عليه, وإلى ما جاء به (صلوات الله عليه وعلى آله) عن الله.
أليس هذا هو الذي حصل؟ ثم ألم يترك العرب كل تلك الأصنام, ويتجهون إلى محمد؟ متى؟ عند ما جاء نصر الله والفتح, من أين النصر ومن أين الفتح؟ أليس من الله؟ }وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ{ }إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً{).
فالنصر والفتح هو الذي سيجعل مواقف أولئك الذين حظوا بنصر الله, وتأييده محط أنظار الآخرين, وهم من سيرجعون إلى أنفسهم فيقولون: ما قيمة هذا الذي نحن عليه؟ هذه المشاعر أصبحت داخل المسلمين أيضا في هذا الزمن.
أليس شعوراً كهذا حاصل داخل كثير من المسلمين في مواجهة الغرب؟ عندما رأوا الغربيين على هذا النحو: تقدم, تطور, حضارة, إنتاج, تصنيع, الذين انبهروا بهم, ما هم حاولوا أن يفلتوا هذا الدين على الرغم من عظمته, ويتنكروا له, ويعملوا على أن يلحقوا بركاب الآخرين؟.
وقد ظهر في الأمة مثقفون يدعون إلى التخلي عما نحن عليه, وأن نتثقف بثقافة الغرب, حتى نلحق بركاب الغرب! هذا شاهد أنه وجد من داخل هذه الأمة من يتنكر للدين كله عندما لم ير لهذا الدين أثراًً في الحياة, وعندما وجد الحياة هناك على أبرز مظهرها لدى الغربيين تنكر للدين كله, وحاول أن يثقف نفسه بثقافة الغربيين.
أوليس هذا حاصلاً؟ أوليس كل من يرون أنفسهم أنهم يسيرون على أن يلحقوا بركاب الغرب يثقفون أنفسهم بثقافة الغرب؟ ألم تصبح النساء في الدول العربية متبرجات كالنساء الغربيات؟ وهم عندما يعملون هذه ماذا يعني؟ يتنكرون للقيم الإسلامية؛ لأنها لا جدوى منها, نحن نريد أن نلحق بركاب الغرب! وهذه واحدة من مظاهر الغرب, مجرد مظهر سنعمله. هكذا, يعني موقفهم, مجرد مظهر يتعلق بالزي, أو بالنمط المعماري, أو بأي تقليد من تقاليد الحياة والمعيشة, ينطلقون ليلتزموا به.
ألم ينشدُّوا إلى أولئك؟ ما الذي جعلهم ينشدون إلى أولئك؟ هو انبهارهم بمظاهر الحياة لديهم, أليس كذلك؟ هكذا الحق عندما يجد من يجسده, من يعبر عنه, من يتحرك على أساسه, هو من سيحظى بتأييد الله ونصره وعونه, وهو حينئذ من سيكون محط أنظار الآخرين.
هذه الشواهد بين أيدينا, شواهد من حركة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله), وشواهد من واقعنا نحن في مواجهة الغرب, واليهود والنصارى يعرفون هذه, يعرفون هذه المسألة, عندما يقال لهم: العرب أصبحوا متفرقين, يقولون: لكننا نخشى أن يظهر محمد جديد فيلتفون حوله! يعرفون أن هذه الفرقة وإن حاولوا أن يغذوها بكل وسيلة, هم يحاولون أيضاً أن لا يظهر صوت إسلامي صحيح من أي بقعة كان.
صحيفة الحقيقة العدد (180)