تهجير الغزيين جريمة حرب جديدة يرتكبها العدو… والمقاومة تؤكد أن زمن النكبة قد ولّى

أسبوعٌ على الطوفان. أسبوعٌ وتداعيات الأخير على الكيان واضحة وضوح الشمس، بل إنه وبالرغم من النجدة الأميركية السريعة على المستويات كافة، والتعاطف الدولي الكبير إلى حد التغطية على جرائمه المستمرة بحق سكان قطاع غزة وممارسة “عقاب جماعي” بحقهم، آخرها الطلب منهم النزوح عن منازلهم، تحديداً اولئك القاطنين في شمال القطاع إلى جنوبه، وإخلاء عدد كبير من المستشفيات ايضاً، وفي ذلك دعوة إلى تهجير من هجروا طوال هذه السنوات عن ديارهم، في استرجاع لسيناريو النكبة، بالرغم من ذلك كله فإن لا انجازاً عسكري يعوّل عليه الكيان حتى اللحظة لاسترجاع القليل من ردعه أو حتى لخوض مفاوضات ربما لاسترجاع رهائنه الذين يقتلون يومياً بقصفه.

الأخير لم يجد ما ينقذه ربما، سوى ارساء واقع ديمغرافي وانساني تفوق صعوبته الوصف، علّه يصنع ورقة ضغط يفاوض عليها المقاومة التي لا تزال في أوج قوتها حتى اللحظة (تستمر الصواريخ بالسقوط على كل حدب وصوب، والاشتباكات في بعض نقاط الغلاف ايضاً)، خصوصاً أنه حتى الآن يحاول قدر المستطاع عدم الخوض في خيار الاجتياح البري حتى المحدود، لعلمه جيداً نتائج ذلك.

ماذا وراء تهجير أهل غزة، وجعل قطاعهم مع القصف الجوي غير المسبوق والحصار الهمجي بقعة غير صالحة للحياة، وسط عدم وجود تحرك عربي أو غربي أو دولي جدي للحؤول دون ذلك؟ الجواب واضح، ربما لا سبيل للضغط على المقاومة سوى ذلك، لكن الأخير وشعبها وقطاعها بالمرصاد.

وفي السياق، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) اليوم السبت، أن أكثر من 400 ألف فلسطيني نزحوا من منازلهم، جراء القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.

وفي وقت سابق أمس الجمعة، دعا جيش العدو الإسرائيلي سكان غزة إلى إخلاء منازلهم والتوجه جنوباً، “من أجل سلامتهم الشخصية”، حسب زعم العدو (قام الأخير أمس باستهداف عدد من المدنيين أثناء نزوحهم ما ادّى الى استشهاد سبعين منهم وجرح العشرات).

إلى ذلك، أعلنت الأمم المتحدة أن جيش الاحتلال أبلغها بضرورة نقل سكان شمال قطاع غزة البالغ عددهم 1.1 مليون نسمة إلى جنوب القطاع في 24 ساعة، وأنّها طالبت العدو بإلغاء هذا الإخطار.

وبالتزامن، قال أمين المجلس النرويجي للاجئين إنه “لا يمكن الطلب من مليون طفل ومدني في غزة النجاة بحياتهم خلال 24 ساعة”، مؤكداً أن هذه “جريمة حرب”.

كما قال المتحدّث باسم الأمين العام للأمم المتّحدة ستيفان دوجاريك “12 تشرين الأول/ أكتوبر قبيل منتصف الليل بالتوقيت المحلي، تبلّغ مسؤولو الأمم المتّحدة في غزة من قبل ضباط الارتباط العسكري في الجيش الإسرائيلي بأنه يجب أن يتمّ نقل جميع سكّان شمال وادي غزة إلى الجنوب في غضون 24 ساعة”، مشيراً إلى أنّ عملية إجلاء بهذا الحجم “مستحيلة من دون أن تتسبّب في عواقب إنسانية مدمّرة”.

دقّ ناقوس الخطر… وخذلان “الأونروا”

من جهته، أدان مكتب الإعلام الحكومي بغزة مغادرة وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إلى جنوبي القطاع متخلية عن واجبها تجاه النازحين، وفق تعبيرها.

وهنا أكدت الفصائل الفلسطينية اليوم السبت على “وحدة الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده وحقه في مقاومة الاحتلال”، مطالبة الأمم المتحدة والصليب الأحمر بتحمل مسؤولياتهما القانونية والأخلاقية تجاه غزة. كما دعت الفصائل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للعمل إلى تمكين وصول الجرحى للمستشفيات المصرية من أجل تلقي العلاج.

من جهة ثانية، قال فيليب لازاريني المفوض العام للـ”أونروا” “في جميع أنحاء قطاع غزة، يتعرض أكثر من مليوني شخص للخطر بسبب نقص المياه. لقد أصبحت مسألة حياة أو موت هذا أمر ضروري ويجب تسليم الوقود إلى غزة على الفور لتوفير المياه لمليوني شخص”، متابعاً أن “الوقود هو الطريقة الوحيدة لتزويد الناس بمياه الشرب الآمنة. وإذا لم يتم ذلك، سيبدأ الناس في الموت بسبب الجفاف الشديد، بما في ذلك الأطفال وكبار السن والنساء. المياه باتت الآن طوق النجاة الأخير المتبقي. أدعو إلى الرفع الفوري للحصار المفروض على المساعدات الإنسانية”.

وتؤكد الوكالة أن قطاع غزة يعاني من نفاد المياه النظيفة بعد توقف محطة المياه وشبكات المياه العامة عن العمل. ويضطر الناس إلى استخدام المياه الملوثة من الآبار، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض.

في السياق، دقّ مستشار وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في غزة ناقوس الخطر ، قائلاً إن جموع هائلة من المواطنين تبيت في الشوارع لعدم وجود أماكن لإيوائها، لافتاً إلى أن “مقارّنا لم تعد قادرة على استيعاب أعداد النازحين”. وطالب الأخير العدو بوقف الإخلاء القسري ووقف إنذاراتها للمستشفيات.

إضافة غلى لك، فقد طالب الهلال الأحمر الفلسطيني اليوم المجتمع الدولي “بالتدخل لوقف القرار الإسرائيلي بإخلاء مستشفى القدس في قطاع غزة”.

وقامت سلطات الاحتلال بالطلب من مدير مستشفى كمال عدوان أحد أكبر مستشفيات شمال قطاع غزة إخلاءه. وقال مدير المستشفى إن ذلك يتنافى مع القوانين الإنسانية.

وأضاف أن “أمر “إسرائيل” بإخلاء المستشفى جنون، وهو حكم بإعدام عشرات المرضى”. وكما مستشفى “كمال عدوان”، أمهل الجيش اليوم إدارة “مستشفى العودة” شمالي غزة حتى العاشرة صباحاً لإخلائه. ورفض مدير المستشفى مهلة الجيش للإخلاء، مؤكداً أن غزة تواجه “ظروفا كارثية”.

وفي السياق، قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في بيان لها، إن “طلب الاحتلال من الطواقم الطبية في مستشفى العودة شمال غزة بالإخلاء والمغادرة يعكس النوايا الإجرامية المبيّتة تجاه شعبنا”. كما دعت الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية ذات العلاقة إلى “التدخل العاجل لوقف العدو عن مخططاته الإجرامية باستهداف المستشفيات”. أما وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة فقد ناشدت المجتمع الدولي والمنظمات الدولية “توفير حماية عاجلة للمستشفيات ومراكز العلاج والكوادر الصحية والمرضى والجرحى من القصف المستمر على غزة”.

وجاء في بيان عن الكيلة “تضررت 15 مستشفى جراء القصف وتوقف اثنان عن الخدمة، وقُتل 28 شخصا يعملون في الكوادر الطبية وأصيب العشرات، وتم إلحاق الضرر بـ23 سيارة إسعاف”.

وأضافت أن “مستشفيين خرجا عن الخدمة: مستشفى بيت حانون ومستشفى الدرة للأطفال الذي تم إخلاءه بعد قصفه بقنابل الفسفور الأبيض” المحرم دوليا”.  وأعلنت الصحة الفلسطينية أن “حصيلة شهداء القصف والغارات الإسرائيلية وصلت إلى 2215 وأكثر من 8714 جريحا في غزة، وإلى 54 شهيداً وأكثر من 1100 جريح في الضفة الغربية المحتلة”.

مواقف

من جهته، وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قال إنه “يجب وقف إطلاق النار في غزة ومعالجة الأزمة الإنسانية”، مضيفاً “نحتاج إلى جهد جماعي لوقف دوامة العنف وضمان دخول المساعدات إلى غزة”.

وأشارت الإخبارية السعودية إلى أن الأمير فيصل بن فرحان بحث مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن “خفض التصعيد بغزة وتوفير ممرات إنسانية للرعاية الطبية”.

يأتي ذلك في وقت أعلن فيه المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن أكثر من 700 طفل فقدوا حياتهم في قطاع غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي.

ودعا الأمم المتحدة إلى حماية أطفال غزة بموجب القانون الدولي والإنساني، واصفاً الوضع الإنساني في القطاع بأنه “كارثي” خصوصاً بالنسبة للأطفال.

وأشار إلى أن عددا كبيرا من أطفال غزة وعائلاتهم لم يعد بمقدورهم الوصول لمياه صالحة للشرب، وأنه من الضروري توفير ممرات إنسانية لإيصال المساعدات للسكان.

الخارجية القطرية أعلنت أن الدوحة “ترفض بشكل قاطع محاولات التهجير القسري للشعب الفلسطيني الشقيق من قطاع غزة”، داعية إلى “رفع الحصار عن غزة وتوفير الحماية التامة للمدنيين بموجب القانون الدولي”. كما قالت إن “إجبار المدنيين على النزوح انتهاك للقوانين الدولية ويضاعف معاناة الشعب الفلسطيني”.

وحثت المجتمع الدولي على التحرك لفتح ممرات إنسانية تسمح بإدخال المساعدات لغزة وإجلاء المصابين.

الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان من جهته قال إنه يرفض الترحيل والتهجير القسري للسكان من الجزء الشمالي من قطاع غزة بأمر من العدو. وأضاف أنه “يشعر بالصدمة والرعب من قتل “إسرائيل” المدنيين وتدمير أحياء بأكملها”، داعياً لوقف فوري لإطلاق النار ورفع الحصار ووضع حد للعقاب الجماعي لسكان قطاع غزة. أما مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، فقد قال السبت إن “دعوة “إسرائيل” إلى إجلاء أكثر من مليون فلسطيني من شمال قطاع غزة خلال يوم واحد أمر مستحيل تماماً تنفيذه”.

وأعلن مفوض الأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أنه “أؤيد تحذير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن طلب إسرائيل إجلاء مليون مدني من شمال قطاع غزة عبر منطقة حرب مكتظة بالسكان بلا طعام ولا ماء أو مأوى وتحت الحصار، أمر خطير للغاية وشبه مستحيل”.

وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي رأى أن “تهجير الفلسطينيين من وطنهم سيدفع المنطقة كلها نحو هاوية تعمق التصعيد وتوسع الصراع”. وقال “أطالب المجتمع الدولي بإدانة قتل المدنيين الفلسطينيين كما دان قتل الإسرائيليين”.ولفت إلى أن “فشل المجتمع الدولي في وقف الحرب يعني الفشل في حماية المدنيين الذين لا يجدون المأوى”. واشار إلى أن “قادة المقاومة ينسقون على مستوى ممتاز ومستعدون لكل الاحتمالات ويدهم على الزناد”، مضيفاً أن “رد المقاومة سيجعل الجميع يندمون وسيغير خارطة الأراضي المحتلة”. وتابع أن “على المجتمع الدولي أن يطبق القانون الدولي بالتساوي”.

وعن قرار العدو تهجير الفلسطينيين، قال الصفدي إنه “مرفوض ويخرق كل القوانين الدولية وسيكون جريمة حرب”، متابعاً أن “على المجتمع الدولي أن يدين الخروق الإسرائيلية الفاضحة للقانون الدولي”. هذا وأكد أن الخطوة الأولى يجب أن تكون إيصال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة”.

وفي السياق، بحث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اليوم مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، “التصعيد العسكري المتسارع في قطاع غزة، حيث تم التوافق حول الخطورة البالغة للوضع الراهن وتهديده لاستقرار وأمن المنطقة، مما يتطلب تكثيف الجهود الدولية للعمل على الوقف الفوري للعنف واستعادة التهدئة واتخاذ إجراءات فورية وفعالة لحماية المدنيين ومنع تعريضهم لمخاطر القتل والتشريد والدمار”.

‎وأضاف بيان الرئاسة المصرية أن الطرفين” أعربا عن قلقهما البالغ من تردي الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، مع تأكيد ضرورة توفير النفاذ الآمن والعاجل للمساعدات الإنسانية إلى أهالي القطاع، وعدم تعريضهم لسياسات العقاب الجماعي من حصار وتجويع أو تهجير”.

وأشار فيدان في هذا الصدد إلى “دور مصر في تنسيق وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية من جميع الدول والمنظمات الدولية المعنية إلى الشعب الفلسطيني في قطاع غزة”، في حين شدد السيسي على “الأهمية القصوى للجهود الدولية المنسقة لإنهاء وطأة المعاناة الإنسانية المتفاقمة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني”.

المصدر: موقع المنار

قد يعجبك ايضا