تقرير: دخول “أنصار الله” إلى المعادلات السياسية للمنطقة عبر بوابة بغداد
مع التغيرات والتحولات التي شهدتها الساحة العالمية، وجدت الدول الصغيرة التي لم يكن لها دور في المعادلات السياسية من قبل، مكاناً خاصاً في لعب دور في التطورات الإقليمية والدولية، ويعد اليمن تحت قيادة حركة أنصار الله أحد هؤلاء اللاعبين الجدد الذين اجتذبوا الاهتمام العالمي، ورغم لجوء الولايات المتحدة وحلفائها العرب والغربيين إلى الكثير من الإجراءات لإخراج أنصار الله من دائرة السلطة في اليمن، إلا أن هذه التحركات جاءت بنتائج عكسية وبعد عقد من الزمن، تمكن أنصار الله من استعادة عافيتهم وازدات قوة اليمن في المعادلات السياسية للمنطقة.
وفي هذا الصدد، ذكرت وسائل إعلام عراقية، يوم الاثنين الماضي، أن جماعة أنصار الله افتتحت مكتبها في أحد الأحياء المهمة بالعاصمة العراقية، بالقرب من المنطقة الخضراء المكتظة بعدد من القصور ومقار قيادات وأحزاب سياسية عراقية، ويأتي افتتاح هذا المكتب بعد أيام قليلة من سلسلة النشاطات الواسعة لأبو إدريس الشرفي، ممثل أنصار الله في العراق، وعدد من أعضاء هذه الحركة الذين يقيمون في العراق منذ عام 2016.
ولتوضيح هذا الموضوع، أجرت بعض المصادر الإخبارية اتصالات مع الجهات الأمنية العراقية للتأكد من فتح مكتب للجماعة، لكن لم يوافق أي منها على تقديم معلومات حول هذا الموضوع، ولكن المستشار لحكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قال: “هذا ليس مكتبا أو وكالة كما يتم الإعلان عنه، لكنه مقر لعناصر أنصار الله الذين كانوا يقيمون في أحد فنادق العاصمة”، وأضاف هذا المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: “العراق يتمنى ألا يكون لهذه الجماعة أي أنشطة عدائية مع أي دولة على أراضي العراق”.
وزار أبو إدريس الشرفي، الجمعة الماضية، مقر الحشد الشعبي شمال بغداد، وظهر في مقطع فيديو، مثمناً فصائل الحشد الشعبي، وقال: إن قوات أنصار الله والحشد الشعبي “وحدة لا تنفصل وتواصلان أداء مهامهما بحماس كبير رغم التحديات والمشاكل”، كما زار الشرفي برفقة قادة الحشد الشعبي عدداً من المحافظات الجنوبية في العراق والتقى بزعماء عشائر والمذاهب المختلفة، وأطلقت أنصار الله مؤخرا عدة منصات على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر نشاط عناصر الحركة داخل العراق، أهمها منصة أنصار الله في العراق على تطبيق تيليغرام.
رسائل سياسية لافتتاح مكتب “أنصار الله” في بغداد
وبما أن حكومة أنصار الله لم تحظ باعتراف المجتمع الدولي، فإن افتتاح مكتب لهذه الحركة في العراق يحمل رسائل مهمة للدول المتحاربة، إن افتتاح مكتب أنصار الله يمكن أن يكون مقدمة لإضفاء الشرعية على حكومة صنعاء في المنطقة ومن ثم في الكيان الدولي، لأنه أصبح من المؤكد للجميع أن القوة السياسية الرئيسية في اليمن في أيدي أنصار الله، الذين تمكنوا من مقاومة الغزاة السعوديين الإماراتيين وخلق نوع من التقارب والتماسك داخل البلاد.
وفي السنوات الأخيرة، كانت لدول مثل روسيا وإلى حد ما الصين علاقات ودية مع أنصار الله، كما استضاف الروس قادة صنعاء عدة مرات من أجل إنهاء الأزمة في اليمن وتوفير الظروف لإعادة فتح السفارات، ولذلك فإن قيام العراقيين بافتتاح مكتب أنصار الله في المنطقة الخضراء ببغداد يمكن أن يشجع الدول العربية الأخرى على التعامل مع صنعاء.
لقد أثبتت أنصار الله أنه، خلافا للادعاءات الغربية، لا يوجد تهديد للعالم ويمكن للدول استئناف علاقاتها السابقة مع اليمن ومواصلة التعاملات السياسية، ولذلك فإن افتتاح مكتب لهذه الحركة في بغداد يمكن اعتباره اعترافا ضمنيا من قبل العراق بحكومة صنعاء، رغم أن سلطات بغداد اتخذت موقفا تجاه هذا الحدث لاعتبارات العلاقات مع السعودية.
منذ بداية الأزمة في اليمن، لم يوافق العراق أبدًا على الغزو الأجنبي للتحالف الذي تقوده السعودية، وفي قصة هجوم التحالف السعودي الإماراتي على اليمن في مارس/آذار 2015، وصفت وزارة الخارجية العراقية في بيان لها هذا الهجوم بأنه غير مقبول، وفي السنوات التالية أكدت بغداد على ضرورة وقف الحرب ودفع المفاوضات السياسية قدما، وفي السنوات الأخيرة، اتخذت حتى جماعات المقاومة العراقية موقفا أكثر تعاطفا تجاه الشعب اليمني المظلوم والممزق بسبب الحرب، وأعلنت استعدادها لمساعدة اليمنيين ضد التحالف المعتدي.
هذا في حين أن السعودية التي كانت تعتبر نفسها ذات يوم زعيمة العالم العربي، فقدت هيبتها السابقة بين العرب في السنوات الأخيرة، وإذا كانت ناجحة في الماضي، فقد جلبت بعض الحكومات العربية للتحالف المعتدي إلى اليمن وأجبرت كثيرين آخرين على التزام الصمت، والآن بسبب التغير الواضح في موازين القوى في اليمن وانتصار أنصار الله على المعتدين ومع تزايد الدعم الشعبي لليمنيين لحكومة الإنقاذ الوطني، اتخذت الرياض بعض المواقف الانهزامية.
لكن العلاقات بين بغداد وصنعاء لا تقتصر على فترة العشر سنوات التي وصل فيها أنصار الله إلى السلطة، وكان البلدان يتمتعان بعلاقات جيدة مع بعضهما البعض في الماضي، خلال فترة الحرب الباردة، عندما جمع الغربيون العديد من دول الخليج الفارسي في معسكرهم، شكلت اليمن تحالفًا مناهضًا للغرب ومؤيدًا للاتحاد السوفيتي بمشاركة الأردن والعراق، واستمرت هذه العلاقات بشكل أو بآخر في العقود الأخيرة.
ولذلك، فإن تخصيص مكتب سياسي لأنصار الله في بغداد يسعى إلى تحقيق أهداف تتجاوز مجرد التعاون البسيط، وربما يرغب العراقيون في توفير الخلفية والمنصات اللازمة لتفاعلات أنصار الله السياسية مع السفارات الأجنبية.
وبالإضافة إلى الأهداف السياسية، يحتاج العراق أيضاً إلى تعاون اليمن في المجالين التجاري والاقتصادي. ونظراً لموقع اليمن الاستراتيجي، يمكن لليمن أن تكون بوابة صادرات العراق البحرية إلى العالم الخارجي، كما أن رفع الحصار عن اليمن من قبل التحالف السعودي والأمريكي سيضع اليمن في وضع جيد جداً.
ويلعب اليمن دورا مهما في التجارة بين الشرق والغرب نظرا لسيطرته على مضيق باب المندب والوصول إلى الممر المائي للبحر الأحمر، وقد رأينا في الأشهر الأخيرة أن أنصار الله استخدموا العمليات الصاروخية لتقليل حركة المرور.
إن توقف السفن الصهيونية في البحر الأحمر وإفراغ ميناء إيلات أظهر أن على العالم يجب عليه أن يتعامل مع حكومة صنعاء وأن إخراج اليمن من المعادلات الإقليمية والعالمية ليس أمراً ممكناً ولا مفيداً لاستقرار الاقتصاد العالمي.
تحذير لأمريكا
ويمكن تقييم افتتاح مكتب أنصار الله في بغداد من وجهة نظر أخرى، ويمكن أن تكون بمثابة تحذير لأمريكا بأنها إذا أرادت دعم جرائم الكيان الصهيوني في غزة وتصعيد التوتر في المنطقة، فإنها ستواجه ضربة حادة. ونفذت الجماعات العراقية وجماعات أنصار الله، خلال الأشهر التسعة الماضية، هجمات عديدة على السفن الصهيونية في البحر الأحمر والأراضي المحتلة، دعما لأهل غزة، وهذا التنسيق العملياتي يتزايد يوما بعد يوم، بل إن بعض المصادر ترى أن العملية التي نفذتها أنصار الله في البحر الأحمر تتم بمشاركة المقاومة العراقية التي تعطي معلومات عن جميع السفن المارة لليمنيين.
ومع الإنجازات التي حققتها في المجال العسكري، تعتبر أنصار الله الآن القوة المتفوقة في اليمن، والتي يعترف حتى الغربيون بقدراتها، وأي عمل غير مدروس من جانب الولايات المتحدة لتوتر الوضع في المنطقة سيؤدي إلى رد ساحق من قبل أنصار الله.
لقد قال قادة صنعاء مرارا وتكرارا إن السبب الرئيسي للتوتر في المنطقة هو أمريكا نفسها، التي من خلال دعمها لـ”إسرائيل” تغذي توسيع نطاق الحرب، ومن الأفضل الضغط على تل أبيب لإنهاء الحرب والإبادة الجماعية في غزة بدلاً من إشعال الحرب، ولذلك فإن تخصيص مكتب لأنصار الله في بغداد يشكل إنذاراً لأمريكا والصهاينة بأنهم إذا أرادوا القيام بمغامرة في لبنان فإن فصائل المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي.
المصدر: موقع الوقت التحليلي