تقرير : جردة حساب 500 يوم من الحرب على اليمن.. النتائج والتداعيات!!
فجر يوم الخميس 26مارس/آذار من العام 2015 انطلقت الحرب ضد اليمن أو ما أرادت المملكة السعودية تسميتها بـ”عاصفة الحزم”، وقد أدخلت معها العديد من الدول العربية والإسلامية فيما أسمته “تحالف” يقود هذه الحرب.
وبحسب ما أعلنت قيادة “تحالف الحرب على اليمن” فقد حُددت لهذه العملية العديد من الأهداف التي شُنت من أجلها، أبرزها:
– مهاجمة القواعد الجوية ومراكز العمليات وتدمير الطائرات ومراكز القيادة والسيطرة والاتصالات.
– تدمير الصواريخ البالستية، وبشكل عام تدمير الأسلحة التي قد تشكل خطرا على المملكة السعودية سواء أكانت أسلحة جوية أو صواريخ بالستية أو أسلحة ثقيلة.
وفي 21 أبريل/نيسان 2015، أعلنت قيادة “التحالف” عن توقف “عاصفة الحزم” وبدء عملية “إعادة الأمل”، وذلك بعد أن أعلنت وزارة الدفاع السعودية إزالة جميع التهديدات التي تشكل تهديدا لأمن المملكة السعودية والدول المجاورة، وبعد أن تم تدمير الأسلحة الثقيلة والصواريخ البالستية والقوة الجوية التي كانت بحوزة اليمنيين ممن أعلن “التحالف” شن الحرب عليهم أي حركة “أنصار الله” والموالين للرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح.
ماذا حققت الحرب السعودية على اليمن؟
فماذا كانت النتيجة بعد ما يقارب الـ500 يوم على بدء العدوان على اليمن، هل فعلا حققت المملكة ومن خلفها “التحالف” الأهداف التي أُعلن عنها؟ (بغض النظر عن صحة أو مشروعية الأهداف والحرب من حيث الأساس)، فهل تمَّ تدمير الصواريخ اليمينية لا سيما الباليستية منها؟ وهل قضي على حركة “أنصار الله” وعلى الجيش اليمني الذي رفض تقديم فروض الطاعة والموالاة للمملكة كما فعل عبد ربه منصور هادي وأتباعه؟ هل أَبعد الخطر عن المناطق السعودية وصيانة الأمن القومي للمملكة؟ وهل تمَّ إنهاء مراكز القيادة والسيطرة والاتصالات الخاصة بالجيش اليمني واللجان الشعبية أم أن الأمر على خلاف ما ذكر أعلاه تماما؟ باعتبار أن الصواريخ الباليستية ولا سيما “توشكا” ما زالت تسقط بين الحين والآخر على القواعد العسكرية التابعة لـ”التحالف” ولتجمعات الجنود السعوديين في جيزان وغيرها، ما يكلف المملكة المزيد من الخسائر البشرية من الجنود والمدنيين بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية الكبيرة.
ومن جهة ثانية، هل فرض الفريق المفاوض في السياسة الشروط التي تريدها القيادة السعودية على الوفد الوطني اليمني خلال المفاوضات التي أجريت في الكويت؟ وهنا لا بدَّ من الإشارة أنه لو كان الوضع في الميدان يميل للمملكة السعودية وللتحالف ما كانت الأمور تحتاج كل هذه الجولات من المفاوضات الشاقة، لأن القوي أو المنتصر أو المتقدم في الميدان هو الذي يملي شروطه في السياسة وعلى طاولة المفاوضات، أي أن المنتصر الذي يحقق الانجازات في الميدان لا يحتاج إلى إعطاء “المنهزم” فرصة للتحاور ولا تحتاج بالتالي الأمور كل هذا الأخذ والرد، فالمفاوضات بحد ذاتها هي إجابة واضحة على مدى “نجاح” المملكة السعودية وقيادة التحالف في تحقيق الغايات المعلنة لـ”عاصفة الحزم”.
وبالانتقال إلى عملية “إعادة الأمل” التي اعتبرت المرحلة الثانية للحملة السعودية على اليمن، تفترض أن السعوديين و”التحالف” حققوا كل أهدافهم وأنهوا بنجاح المرحلة الأولى المتمثلة بـ”عاصفة الحزم”، ولكن بالتدقيق البسيط يظهر أن “إعادة الأمل” تحتاج إلى كثير من التفسيرات والشروح، فحتى الآن لم نفهم لماذا أعلن عنها خاصة أن المرحلة الأولى لم تحقق أيا من أهدافها، فلا الصواريخ توقفت ولا حصلت المملكة على تنازلات يمنية، وبالتالي فإن هناك من اعتبر الإعلان عن المرحلة الثانية هدفها “إعادة الأمل” للسعوديين وللتحالف لا لليمنيين، أمل بإمكانية تحقيق أي شي من تلك الحرب غير مفهوم حتى اليوم الفائدة من القيام بها.
جردة حساب 500 يوم من الحرب على اليمن.. النتائج والتداعيات!!
الانتهاكات ومسؤولية الرياض
إلا أن الوقائع الميدانية من أرض اليمن أكدت أن الحرب قتلت الكثير من آمال اليمنيين بوطن سعيد وراقٍ في ظل القصف العنيف والدائم على كل مقومات الحياة في وطنهم، فطيران التحالف لم يوفر الصروح التربوية أو الاجتماعية والصحية التي أصرَّ على استهدافها، حيث دمر المدارس والجامعات والمستشفيات والمرافق العامة والبنى التحتية والطرقات والجسور في اليمن بما يشكل جرائم بموجب القانون الدولي وانتهاك للاتفاقيات الراعية للقانون الدولي الإنساني، حتى أن التفكير بإعادة بناء اليمن المزدهر الحضاري بات يحتاج إلى سنين طويلة وإلى أموال طائلة لا يبدو أن اليمنيين يملكونها وعلى من ارتكب كل تلك الممارسات العدوانية تحمل مسؤوليته في هذا المجال.
كل ذلك جعل الأمم المتحدة تدرج المملكة السعودية على “اللائحة السوداء لانتهاك حقوق الطفل في اليمن” بعد كل الممارسات التي حصلت هناك، وما تبع ذلك من أخذ ورد وتهديدات سعودية علنية للأمم المتحدة بضرورة شطب اسمها عن هذه اللائحة تحت طائلة وقف تمويل الكثير من المشاريع التابعة للمنظمة.
والانتهاكات التي سجلت حتى الآن في الحرب السعودي على اليمن كثيرة منها على سبيل المثال ما تضمنه التقرير الصادر عن “المركز اليمني لحقوق الإنسان” بعد مرور عام على بدء الحرب، حيث أشار التقرير إلى “استشهاد وجرح نحو 27 ألف و 29 شخص بينهم نساء وأطفال جراء الغارات التي شنها العدوان… كما دُمر 346 ألف و103 منزل ومبنى سكني و603 مخزن غذاء و167 خزان لمياه الشرب وثمان صوامع غلال و 815 ناقلة محملة بالغذاء والوقود”.
ووفقا للتقرير “تسبب العدوان في تدمير نحو 258 مرفق صحي ومستشفى و810 مدرسة و41 جامعة و223 منشاة صناعية و213 منشاة وشبكة اتصالات و147 شبكات كهرباء و271 محطة وقود و212 ناقلة نفط و53 منشاة رياضية و28 مطار وميناء و685 طريق وجسر و17 مؤسسة إعلامية و73 مبنى وموقع اثري و149 موقعا سياحيا و664 مسجدا”، كما تضمن التقرير “توثيق عدد من الجرائم و الوقائع التي تؤكد استخدام قوى العدوان لأسلحة محرمة على بعض الأحياء السكنية في العاصمة وبعض محافظات الجمهورية اليمنية”.
فشل سعودي.. وثبات يمني
وحول ذلك قالت مصادر يمنية مطلعة أن “الدول التي اعتدت على اليمن عليها تحمل تبعات ذلك عبر دفع التعويضات للضحايا وذويهم وإعادة البناء والأعمار وهذا ما يجب أن يتضمنه أي اتفاق شامل لوقف الأعمال الحربية بين الجيش واللجان الشعبية وبين السعودية وحلفائها”، مؤكدة أن “أي أمر خارج هذا السقف هو أمر غير مقبول وغير قابل للنقاش ومبتوت بالنسبة لممثلين الشعب اليمني”.
أما عن أهداف الحرب وما حققه من انجازات في اليمن من الناحية العسكرية وهل فعلا استطاعت من شل حركة الجيش اليمني واللجان الشعبية وأبعدت الخطر عن المملكة السعودية كما يفترض أن يحصل، لفتت المصادر إلى أن “خير دليل على فشل العدوان هو القدرات العالية للجيش واللجان الذين يملكون اليوم الأسلحة التي تطال الرياض وليس فقط جيزان والمناطق القريبة من الحدود اليمنية السعودية”، وأشارت إلى أن “استخدام هذا النوع من السلاح يتعلق بالقرار السياسي فقط لا بالقدرات العسكرية اليمنية أو بالتفوق السعودي في الميدان”.
وأكدت المصادر أن “اليمنيين يملكون اليوم القدرة على تصنيع السلاح ولا يعولون فقط على استيرادها من الخارج وإن كان هذا الأمر متاح وبقوة أيضا”، ودعت “السعودية والتحالف إلى عدم الرهان على تعب اليمنيين أو استنفاد قدراتهم لأنهم بذلك يراهنون على وهم”، ولفتت إلى “كل هذا الحصار الذي يشن على اليمن اليوم يؤكد فشل العدوان والحصار والدول الذي تشارك به لأن السلاح موجود ويمكن الحصول عليه وتصنيعه”، سائلة باستغراب “عن أي تفوق عسكري أو نوعي يتحدثون وعن أي حصار شامل يتكلمون؟”.
واعتبرت المصادر أن “العدوان فقط نجح في فرض حصار على المواد الغذائية والطبية التي تؤثر في حياة المدنيين الأبرياء وهذا ما يؤكد أن المعتديين يحاولون قتل الشعب اليمني بهدف تركيعه ليس أكثر”، مشيرة إلى “أنهم يحاولون عبر المفاوضات تحقيق ما عجزوا عنه في الميدان ولذلك حاولوا الضغط والابتزاز عبر المفاوضات وفشلوا”.
دعم الإرهاب والنتائج المخيبة
وإلى جانب كل هذا الفشل العسكري في الميدان ورغم هذا الكم الهائل من الجرائم والانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان وللقوانين والأعراف الدولية، تُتَهم المملكة السعودية بدعم الجماعات الإرهابية في المحافظات الجنوبية والشرقية في اليمن عبر تقديم السلاح والمال وتسليمهم مناطق يسيطر عليها “التحالف”، هذا كله يسقط الشعارات التي ترفع بأن الهدف من الحرب على اليمن هو تحقيق الأمن والاستقرار أو بناء دولة ديمقراطية وغيرها من الألفاظ الرنانة التي لا تغني ولا تسمن..
وبالنتيجة فإن فشل الحرب على اليمن سيحدث العديد من النتائج باتجاه من قاد هذه الحرب أي المملكة السعودية، ومن هذه النتائج:
– ظهور المملكة بمظهر المعتدي الذي يقتل الأبرياء ما يعني المزيد من تشويه الصورة السيئة أمام الرأي العام العالمي.
– تدمير الهيبة السعودية التي طالما تميزت بها المملكة باعتبارها دولة عربية وإسلامية كبرى راعية لشقيقاتها من الدول العربية والإسلامية، فقد أصبحت اليوم دولة معتدية بشكل مباشر على أفقر أخواتها وجارتها المسالمة أي اليمن.
– فشل الخطط العسكرية السعودية في تحقيق الأهداف أمام “ثلة” من المقاتلين الذي ظهروا في كثير من المشاهد المصورة يقاتلون بأبسط أنواع الأعتدة العسكرية واللوجستية.
– تكبيد الاقتصاد السعودية وخزينة الدولة خسائر مالية ضخمة جدا نتيجة قرارات غير محسوبة من قبل القيادة التي اتخذت قرار شن الحرب.
– إظهار القيادة السعودية بأنها غير جديرة في قيادة البلاد من نواحي عديدة بعد مغامرتها بمصير البلد ودخولها المتسرع في حرب عبثية ضد الشعب اليمني.
– تأكيد الروايات والأنباء التي تدعي أن المملكة السعودية داعمة وراعية وحاضنة للجماعات الإرهابية.
لكل ذلك يجب على المسؤولين في المملكة السعودية إجراء مراجعة سريعة وجردة حساب لكل ما جرى ونتج عن الحرب في اليمن ووضعه في ميزان الربح والخسارة التي تنعكس مباشرة على المملكة داخليا وخارجيا، وتصويب أي اعوجاج جرى في القرارات كي لا يستمر المواطن والوطن بدفع ضريبة “الأخطاء” التي يتخذها بعض المسؤولين، وهنا يبدو من المفيد دعوة كل المعنيين الغيارى على مصلحة الوطن إلى عدم إضاعة الوقت في الترفيه عن النفوس والسياحة والسفر وتحمل المسؤولية إلى جانب الناس من المواطنين والعسكريين ممن يدفعون وحدهم دون وجه حق التكاليف الباهظة لحرب اليمن..