تقرير استخباراتي أمريكي: السعودية تسلح قاعدة اليمن
تعتبر اليمن ثاني أكبر دولة مسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة. قبل بدء الحرب الحالية، كان كل 100 يمني يمتلك ما يقدر بـ54 بندقية. الآن، عدد الأسلحة الصغيرة والمتوسطة في البلاد أعلى بكثير. وقد غمرت السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما المشاركان الخارجيان الرئيسيان في الحرب، اليمن بأسلحة من جميع الأنواع.
وتقدم هذه الأسلحة، التي تتراوح من بنادق هجومية إلى صواريخ مضادة للدبابات الموجهة إلى مجموعة من الميليشيات المتباينة بحيث يمكن، من الناحية النظرية، محاربة الحوثيين وحلفائهم الذين يسيطرون على شمال غرب اليمن. وفي الواقع، لا توجد تقريبا أية ضمانات لرصد الاستخدام النهائي لهذه الأسلحة. ونتيجة لذلك، يتم بيع العديد منها، بما في ذلك الأسلحة المتوسطة متطورة مثل صواريخ مضادة للدبابات ATGMs، إلى أي منظمة أو فرد سيدفع أعلى سعر.
وقبل بدء الحرب، كان اليمن بالفعل سوقا إقليميا للأسلحة، ولكن شبكات التهريب الراسخة في البلاد قد أعيد تنشيطها بسبب تدفق الأسلحة. ولهذه الشبكات اتصالات في جميع أنحاء المنطقة وتحرك كميات كبيرة من الأسلحة إلى الصومال وفي مناطق أبعد من ذلك.
ولكن ليس فقط تجار الأسلحة في اليمن يستفيدون من تدفق الأسلحة. كما تستفيد جماعات مثل القاعدة في شبه الجزيرة العربية وحركة الشباب التي تتخذ من الصومال مقرا لها. وفي حالة القاعدة في شبه الجزیرة العربیة، فإن التنظيم لم يحصل على اسلحة او تمويل من قبل كما هو اليوم، بسبب الحرب. وبينما عانت حركة الشباب منذ فترة طويلة من ندرة الأسلحة والأعتدة، فقد لا يكون هذا هو الحال اليوم. ومن المؤكد أن عواقب عمليات نقل الأسلحة العشوائية إلى اليمن سيكون لها أثر عميق ليس على اليمن فحسب بل أيضا على المنطقة ككل في الأشهر والسنوات المقبلة.
ويقع أكبر سوق للأسلحة في اليمن في قرية جحانة (خولان)، على بعد 40 دقيقة فقط بالسيارة من العاصمة اليمنية صنعاء. هناك – وفي الأسواق الأخرى – يمكن للمشترين العثور على مجموعة مذهلة من الأسلحة الصغيرة والمتوسطة. كما يمكن بسهولة شراء الأسلحة الثقيلة مثل الدبابات وقطع المدفعية والمركبات المدرعة.
وتشمل هذه الصواريخ، صواريخ مضادة للدبابات ATGMs، وربما الأكثر إثارة للقلق، صواريخ أرض جو مثل سا-7 غريل ومتغيراته. ومع ذلك، فإن ATGMs هي المطلوبة الاكثر من قبل جميع أطراف النزاع، وأثبتت أنها حاسمة في مختلف المعارك حول اليمن. وقد جاءت معظم الأسلحة الأكثر تطورا، مثل الجيل الثالث من ATGMs، إلى البلاد خلال العامين الماضيين (منذ التدخل السعودي في اليمن).
هناك ادعاءات عديدة مبالغة فيها بأن إيران تقدم السلاح للحوثيين. ومع ذلك، فإن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية هي من توفر الغالبية العظمى من هذه الأسلحة الأكثر تقدما.
وفي حين أن هذه الاسلحة قد تكون موجهة للقوات الموالية لحكومة المنفى والميليشيات المناهضة للحوثيين وحلفائهم، إلا ان قادة هذه القوات ببساطة باعت الكثير منها في الاسواق المفتوحة. فهذه الميليشيات تتقاضى أجورا ضعيفة وبيعها الأسلحة يوفر لها مصدرا للأموال لكل من الرجال وقاداتهم.
تنظيم القاعدة وتجارة الأسلحة
بعد بدء التدخل السعودي في اليمن، الذي بدأ في 26 مارس / آذار 2015، شنت القاعدة في شبه الجزيرة العربية الهجوم على جزء كبير من الجزء الجنوبي من البلاد. ومن الأهداف الرئيسية للتنظيم، الاستيلاء على مخازن الأسلحة الحكومية. نجح القاعدة في شبه الجزيرة العربية في الاستيلاء على مخزونات كبيرة من الأسلحة من مواقع حول مدينة المكلا الساحلية، كما استولى على أسلحة من وحدات الجيش اليمني الموالي لحكومة المنفى.
وقد ربطت قيادة القاعدة في شبه الجزيرة العربية بالشبكات غير المشروعة التي تنقل كل شيء من الأسلحة إلى الافراد. وتمكن هذه الشبكات من الوصول إلى الساحل الجنوبي الطويل وغير الخاضع للرقابة في اليمن، مما يتيح لها نقل جميع السلع غير المشروعة (والمشروعة) من وإلى اليمن.
وأصبحت تجارة الأسلحة مصدرا نقدي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وقد احتفظ التنظيم وخزن الاسلحة التي يحتاجها، وباع الاخرى. وبخلاف الميليشيات والوحدات العسكرية الممولة من السعودية والإمارات العربية المتحدة، فإن عناصر القاعدة في شبه الجزيرة العربية يدفعون بشكل جيد ودائم بشكل عام. في حين أن القاعدة في شبه الجزيرة العربية قد عزز تمويله بشكل كبير عندما استولى على ما يقدر بنحو 100 مليون دولار من فرع المصرف المركزي اليمني في المكلا، فإن مبيعات الأسلحة والضرائب المفروضة على المهربين هي أيضا مصادر دخل هامة للتنظيم. وعلاوة على ذلك، يستخدم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وصوله إلى الأسلحة، وخاصة صواريخ ATGMs ومن المحتمل صواريخ أرض – جو، كوسيلة لبناء النفوذ مع حركات أخرى مثل حركة الشباب الصومالية.
الانتشار الإقليمي
وفيما يتعلق باليمن، هناك عدد أقل بكثير من الأسلحة المتاحة في الصومال. ويرجع ذلك إلى أن الصومال كثيرا ما تعمل كقناة للأسلحة والأعتدة إلى جهات أخرى في أفريقيا. ونتيجة لهذا، وعقود من الصراع الأهلي، فإن أسعار الأسلحة أعلى بكثير في الصومال مما عليه في اليمن.
الحصول على الإمدادات الكافية من الأسلحة والأعتدة كان مشكلة منذ وقت طويل بالنسبة لحركة الشباب، ولاسيما أن الحركة لم تحصل إلا على إمكانية محدودة من الأسلحة الأكثر تقدما. ان زيادة فرص الحصول على صواريخ ATGMs، ومعدات متقدمة للرؤية الليلية، وقذائف الهاون المحمولة وطائرات بدون طيار المحمولة باليد سيجعل حركة الشباب بكل تأكيد، أكثر فتكا بكثير.
وتبادل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وحركة الشباب كبار قياداته للتعلم من خبرات البعض على مدى السنوات الخمس الماضية. وقام القاعدة في جزيرة العرب بتنقيح وتوسيع جناحه الاستخباراتي، وتعلم من منظمة المخابرات الخاصة في حركة الشباب. ومن المؤكد تقريبا أن حركة الشباب سوف تستفيد بدورها من الخبرة المتزايدة في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في تشغيل ونشر مجموعة واسعة من الأسلحة. ومن المرجح أيضا أن تستفيد حركة الشباب من وصول القاعدة في جزيرة العرب إلى هذه الأسلحة.
ولن تكون حركة الشباب هي المجموعة الوحيدة في الصومال التي تستفيد من تدفق الأسلحة من اليمن. كما يمكن لعصابات القراصنة الصومالية، التي كانت لها علاقة عمل مع أجزاء من منظمة حركة الشباب، أن تستفيد أيضا.
وقد تعرضت عصابات القراصنة الصومالية للضعف الشديد خلال السنوات الأربع الماضية بفضل جهود المجتمع الدولي وحكومتي الصومال وصوماليلاند. وفي الوقت نفسه، اتخذت العديد من شركات الشحن إجراءات، واستئجار فرق الأمن المسلحة لحماية سفنهم. وكان القراصنة الصوماليون مسلحين على نحو تاريخي، ويعتمدون على بنادق هجومية وأسلحة آر بي جي.
إذا تمكنت هذه العصابات من الوصول إلى صواريخ ATGMs، والتي يمكن إعادة استخدامها بسهولة، أو غيرها من الأسلحة المتقدمة، يمكن أن يجعلها أكثر تهديدا للسفن العابرة لباب المندب والساحل الصومالي.
نظرة مستقبلية
إن حركة الشباب وعصابات القراصنة الصومالية ليست سوى احدى المجموعات اللتين تستفيدان من توافر الأسلحة في اليمن. ومما لا شك فيه أنه مع استمرار الحرب، سيكون هناك الكثير من المستفيدين. وكون سواحل اليمن واسعة وغير مصونة، وتباعا لذلك، سيتم تصدير الأسلحة والأعتدة بسهولة من اليمن إلى الصومال، ومن المرجح أن تصدر إلى أبعد من ذلك.
وبصرف النظر عن الأخطار التي يشكلها تدفق الأسلحة الذي لم يسبق له مثيل، بما في ذلك بعض الأسلحة المتقدمة نسبيا، فإن تجارة الاسلحة ستشكل مصدرا نقديا مهما لتنظيم القاعدة. وفي الوقت نفسه، فإن اغداق السعودية والإمارات العربية المتحدة الأسلحة على نطاق واسع إلى المليشيات الموالية لها في اليمن، سيكون له تداعيات خطيرة بالنسبة لهم والمنطقة ككل.
وفي حين أن تجارة الأسلحة في المملكة العربية السعودية تخضع لتنظيم كبير، توجد سوق سوداء مزدهرة للأسلحة هناك. وبالنظر إلى أن السعودية لا تملك سيطرة تذكر على حدودها مع اليمن، بسبب الهجمات الانتقامية التي تشنها قوات الحوثيين والقوات الاكثر تدريبا في الجيش اليمني هناك، فمن المحتمل أن تشق بعض الأسلحة طريقها عبر الحدود لإعادة بيعها في المملكة العربية السعودية إلى خلايا إرهابية ومنظمات أخرى تعارض بيت ال سعود.
إن الحرب في اليمن والأسلحة المقدمة إلى مختلف الجهات الفاعلة، ستولد القدرة على إعادة تشكيل وتكثيف القرصنة وغيرها من التهديدات الإقليمية. إن تدفق الأسلحة الى اليمن هو في حد ذاته مصدر قلق كبير. إن سياسة توريد عشرات، إن لم يكن مئات، من الأسلحة بقيمة مليارات الدولارات إلى ميليشيات محددة في بلد غير مستقر وموقع استراتيجي كاليمن، سوف تؤدي إلى مجموعة من العواقب المميتة.
*مؤسسة (جيمس تاون) الاستخباراتية الأمريكية
مايكل هورتن: كبير محللي الشئون العربية في المؤسسة