تقارير صحيفة الحقيقة في عددها رقم 386
تطوّر الدفاع الجوي اليمني.. نقطة فاصلة في مسار الحرب
شارل ابي نادر
ليست المرة الأولى التي تُسقِط فيها وسائط الدفاع الجوي للجيش واللجان الشعبية اليمنية طائرة لتحالف العدوان، اذا كانت من القاذفات أو من المسيرات الخاصة بالمراقبة أو بالقتال، فهي المرة الرابعة التي يتم فيها اسقاط طائرة مسيرة لتحالف العدوان من نوع سي اتش 4 الصينية، الأكثر تطورًا في عالم المسيرات، ولكن قد يكون لهذا الاسقاط الأخير للمسيّرة المذكورة، أكثر من بعد عسكري واستراتيجي، يؤشر بلا شك لتحول أساسي ومصيري في الحرب على اليمن، وذلك على الشكل التالي:
تعتبر المسيرة “سي اتش 4” الصينية التي تم اسقاطها من أكثر المسيرات تطورًا وفعالية في عالم الطيران المسير، حيث تعمل كطائرة مراقبة بعيدة ودقيقة، وفي نفس الوقت مقاتلة، اذ تحمل صورايخ موجهة ضد المدرعات والتحصينات، ومدى عملها الذي يتجاوز الخمسة آلاف كلم، وعلى ارتفاع غير بسيط في عالم المسيرات (بين 5000 و8000 متر)، يسمح لها بتنفيذ مهماتها لفترة طويلة دون العودة الى قاعدة اطلاقها، مما يعطي عمليات العدوان قدرة مهمة على متابعة مراقبة الميدان والامساك به بفعالية، كما أن ارتباطها المباشر تقنيًا وهوائيًا بغرفة العمليات، يؤمن ميزة التزويد بالمعلومات وبنفس الوقت التعامل مع الأهداف التي تظهر بشكل مفاجئ.
سقوط الطائرة في منطقة مدغل والتي تمثل حاليًا منطقة العمليات الأكثر سخونة، حيث تقع مباشرة على أبواب مأرب الغربية، يفقد العدوان ومرتزقته، وبنسبة كبيرة، فرصة المراقبة الفعالة لميدان القتال، وذلك بعد خسارتهم معسكر ماس الذي طالما شكل نقطة استطلاع ودفاع متقدمة عن مارب، وبعد استهداف وتدمير غرفة عمليات التحالف في تداوين وإخراجها من الخدمة.
اليوم، وبعد هذا الاسقاط الناجح للمسيرة المتطورة سي اتش 4 الصينية، الذي يشكل تهديدًا جديًا لحركة طائرات العدوان، المسيّرة أو القاذفة، أصبحت تحركات وحدات الجيش واللجان الشعبية وانصار الله محمية بالحد الادنى الذي يسمح لها بتفعيل عملياتها الهجومية أكثر، وبتحقيق تماس أقرب مع أسوار مدينة مارب النهائية، خاصة ان طيران العدوان، المسير والقاذف، طالما كان يشكل النقطة الرابحة الوحيدة لعملياته في مواجهات الداخل اليمني.
الأهم في الموضوع، وفي متابعة عملية الاسقاط وما أعلن عنه المتحدث العسكري اليمني العميد يحيى سريع، بأن العملية تمت بواسطة سلاح دفاع جوي مناسب، دون تحديد نوعيته أو مميزاته أو أية تفاصيل تقنية أو فنية أو عسكرية تتعلق به، انه يمكن وضع ذلك في خانة استراتيجية الغموض البناء التي تتبعها حركة “انصار الله” وأغلب أطراف محور المقاومة، حيث يتم اختيار التوقيت المناسب للإعلان عن قدرات ومميزات هذه الأسلحة النوعية، الأمر الذي يمكن أن نستنتج منه التالي:
– لم تعد مناورة التأثير المعنوي على العدو بالإعلان عن القدرات النوعية ضرورية كما في بداية المواجهة، فاليوم، حققت وحدات انصار الله الكثير من النقاط المتقدمة فيما خص الضغط المعنوي والاعلامي على العدوان، وأصبحت حاجة المعركة الأساسية والتي يمكن القول إنها في مراحلها الأخيرة، تتعلق بتحقيق المفاجأة في الميدان، وهذا ما لمسناه من متابعة اغلب معارك التحرير الاخيرة ، مثل “نصر من الله” و”البنيان المرصوص” و”فأمكن منهم”، وأيضًا معركة تحرير مناطق البيضاء والضالع من الوحدات الارهابية، حيث تم الاعلان عن كل تلك المعارك – والتي امتد بعضها لأسابيع أو أشهر – بعد انتهائها وبعد الانتصار فيها واستثمار النجاح.
– يبدو أيضًا، ومن خلال عدم الافصاح عن نوعية ومميزات سلاح الدفاع الجوي (المناسب) كما وصفه فقط تصريح المتحدث العسكري اليمني، أن معركة تحرير مأرب ستكون حاسمة وفاصلة، فرأت قيادة الجيش واللجان وأنصار الله، أنه من الضروري الابقاء على مناورة الدفاع الجوي مخفية وغير معروفة، بهدف اكتمال عنصر المفاجأة والصدمة في الميدان وأثناء المواجهة، وأيضًا بهدف إفقاد العدوان امكانية ايجاد إجراء عسكري أو تقني أو ردة فعل مناسبة لتجاوز فعالية الدفاع الجوي اليمني (المناسب).
هذا في البعد العسكري والميداني العملياتي، أما في البعد الاستراتيجي لنتائج هذا الاسقاط اللافت لطائرة المراقبة السعودية الاستعمال والصينية المنشأ، فيمكن تحديدها بالتالي:
– بمجرد أن تضعف مناورة المراقبة الجوية ومناورة الطيران القاذف لدى العدوان، فهذا يعني أن حركته البرية والميدانية على الأرض سوف تفقد أهم عنصر دعم (التغطية والمراقبة الجوية)، مما يشكل تفوقًا جديًا، وواضحًا للحركة البرية لوحدات الجيش واللجان الشعبية و”أنصار الله”، الأمر الذي يضع معركة العدوان بشكل عام في خانة الفشل والتقهقر والهزيمة، حيث لم يعد لدى الأخير أية امكانية لإعادة تصويب حربه، وعليه بالتالي البحث عن مخرج من المستنقع الذي وضع نفسه به.
– من ناحية أخرى، وأيضًا بمجرد فشل العدوان في حربه على اليمن، فهذا الفشل سينسحب على مخططات الدول الغربية الداعمة للعدوان، أي الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل” درجة أولى، وما نتابعه من محاولات للصهاينة، وبدعم خليجي واماراتي بالتحديد، لوضع نقاط ارتكاز بحرية على سواحل اليمن الجنوبية في سقطرى أو الجنوبية الغربية قرب باب المندب، سوف تكون مهددة بالفشل أيضًا، كون حركة التحرير البرية المرتقبة، والتي ستقودها حتمًا وحدات الجيش واللجان و”انصار الله” من الوسط الشرقي في مأرب بعد تحريرها، وامتدادا نحو شبوة وأبين فالسواحل الجنوبية، ستضرب اية امكانية لنقاط الارتكاز الصهيونية تلك، وبالتالي سيخسر العدوان اضافة الى خسارة المعركة البرية في عمق الميدان اليمني، ستذهب ايضا مخططاته على سواحل اليمن ومعابره المائية الاستراتيجية هباءً، والتي كانت بأساس أهداف هذا العدوان على اليمن.
تصريحات عسكرية تؤكّـد مشاركة “إسرائيل” في العدوان وتقر بالفشل السعودي
مع ظهورِ العلاقاتِ بين الكيان الصهيوني والأنظمة العربية العميلة إلى العلَن، بات ارتباطُ العدوان على اليمن بالمشروع الإسرائيلي الأمريكي في المنطقة أكثرَ رسمية ووضوحاً، خَاصَّةً أن دولَ العدوان بالذات كانت هي السباقةَ إلى “التطبيع” وما زالت تقودُ قطيعَ الخيانة العربية وتعملُ على توسيع النفوذ الإسرائيلي في المنطقة على كُـلّ المستويات، ولم يعد ارتباطُ العدوان على اليمن بإسرائيل مُجَـرّدَ تحليلٍ لهذا الواقع، إذ لا زالت مواقفُ الكيان الصهيوني المعلَنةُ من اليمن تتصاعدُ مؤكّـدةً على هذه العلاقة الوثيقة، الأمر الذي يؤكّـد أن المشاركة الإسرائيلية المباشرة في العدوان تمضي هي الأُخرى نحو الإعلان الرسمي توازيا مع “التطبيع”.
“عينُ إسرائيل على اليمن والعراق”.. هكذا صرّح المتحدثُ باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، هيداي زيلبرمان، لجريدة “إيلاف” السعودية ضمنَ مقابلةٍ أجرتها معه الجريدة ونشرتها، أمس السبت، في إطار التوجّـه الرسمي المتصاعد للنظام السعودي نحو إزالة الحواجز إعلاميًّا وسياسيًّا أمام إعلان “التطبيع” مع الكيان الصهيوني.
المتحدثُ العسكري الصهيوني قدم تفاصيلَ أُخرى حول طبيعة النظرة الصهيونية تجاه اليمن، معبِّراً عن تخوف “تل أبيب” من تعاظم القدرات العسكرية اليمنية، حَيثُ أقرَّ بوجود “صواريخ ذكية وطائرات مسيَّرة تستطيع الوصول إلى إسرائيل”، وتوقع قدومَ الخطر على الكيان الصهيوني من اليمن والعراق، مُشيراً إلى احتمالية تعرض الكيان الصهيوني إلى هجوم مشابه لعملية الرابع عشر من سبتمبر 2019 النوعية التي نفذتها قوات الجيش واللجان ضد مصافي أرامكو السعودي، والذي أثبت أن اليمن بات قادراً على استخدام عشرات الطائرات المسيّرة والصواريخ الموجهة عن بُعد “بدون أن يكشفها أحد”.
هذا الحديثُ العسكري يرقى إلى مستوى اعترافٍ رسميٍّ بارتباطِ العدوان على اليمن بأمن ومصالح الكيان الصهيوني ومشاريعه، وبالتالي المشاركة الإسرائيلية المباشرة في هذا العدوان، وليست تصريحات “زيلبرمان” الدليل الوحيد في هذا الملف، فالإعلام العبري تناول سابقًا العديدَ من تفاصيل مشاركة تل أبيب في العدوان ووصفها بـ”عضو غير رسمي في التحالف”، إضافةً إلى تصريحات “نتنياهو” الواضحة بخصوص اليمن.
لكن من موقعها في المسار التصاعدي للمواقف الإسرائيلية العدائية المعلنة تجاه اليمن، تحمل تصريحات “زيلبرمان” مؤشرات مهمة توضح الكثير عن حاضر العدوان ومستقبله وموقعه في المعادلة الإقليمية، فثبوت حقيقة العدوان على اليمن كخط دفاع عن الكيان الصهيوني يفرض نفسه على أبجديات الحرب والسلام، وتحَرّكات الكيان الصهيوني في المنطقة تشير كلها إلى عدم وجود أية رغبة لدى الكيان الصهيوني للتخلي عن خط الدفاع هذا، وهو ما ينعكس بوضوح على استمرار السعودية بالعدوان والحصار بالرغم من تفاقم تداعياتهما عليها عسكريًّا واقتصاديًّا.
والحقيقةُ أن هذا المأزِقَ السعودي يعكسُ بدوره المأزِقَ الصهيوني، فاستمرارُ العدوان على اليمن، ووفقاً لكلام المتحدث باسم جيش الاحتلال، لا يوفر في الحقيقة أي دفاع حقيقي عن “تل أبيب”؛ لأَنَّ القدرات اليمنية تتطور بشكل مستمر، وقد استطاع هذا التطور أن ينتزع اعترافًا عسكريًّا بأن خطراً كَبيراً يهدّد الكيان الصهيوني من اليمن، الأمر الذي يعني أن خطَّ الدفاع قد فشل، بل أسهم في مضاعفة التهديد الذي كان يُفترَضُ به أن يقضيَ عليه.
ووفقاً لذلك، فَـإنَّ تصريحاتِ “زيلبرمان” التي أطلقها كـ “تهديد” لإيران، لم تكن في الواقع إلا إقراراً بتعاظم أهميّة وموقع اليمن السياسي والعسكري على الساحة الإقليمية كقوة مقاومة للمشروع الإسرائيلي الأمريكي، الأمر الذي لا يمكن أن يُعتبَرَ إلا إنجازًا تاريخيًّا يؤكّـدُ على صوابية الموقف المناهض للعدوان.
وفي هذا السياق لا بد من استذكار التحذير التاريخي الذي وجّهه قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطاب المولد النبوي العام الماضي، باستهداف المنشآت الحساسة للعدو الصهيوني حال إقدامه على أية “حماقة” تستهدف الشعب اليمني، إذ تؤكّـد تصريحاتُ متحدث الجيش الإسرائيلي اليوم أن هذا التحذير لم يكن مُجَـرّدَ “دعاية” بل حقيقة تستندُ إلى واقع ثابت بات اليمن فيه قوة فاعلة تمتلك الإمْكَانيات اللازمة والصوابية الكاملة في مواجهة الكيان الصهيوني، وتؤكّـد التصريحات على أن الأخير يدرك ذلك جيِّدًا.
وفي ظل هذه المعطيات، يبدو أن احتمالاتِ تجسُّدِ تحذيرات قائد الثورة على الواقع ليست بعيدةً، فالإصرار الصهيوني على إعلان اهتمامه باليمن، بالتوازي مع تحَرّكاته الواضحة لتشكيلِ معسكر واحدٍ من الأنظمة العميلة تحت شعار “مواجهة إيران” قد يفتح بالفعل أبوابَ النيران اليمنية على الكيان الصهيوني، ويبدو أن صنعاءَ تضعُ ذلك في حسابات المعركة، إذ كان وزيرُ الدفاع قد أكّـد قبلَ عام في حوار مع صحيفة المسيرة أن بنكَ أهداف القوات المسلحة يتضمَّنُ مواقعَ إسرائيليةً، كما صرَّحَ مؤخّراً بأن “أمنَ اليمن من أمن المنطقة”، في تحذير لا يبدو الآن أنه كان موجهاً لدول العدوان فقط.
من جهة أُخرى، يشيرُ بعضُ المحللين إلى أن تصريحاتِ المتحدث باسم الكيان الصهيوني لجريدة إيلاف، قد تشكّل مؤشراً على أن دول العدوان ستجر مرتزِقتها في اليمن إلى مستنقعِ التطبيع أَيْـضاً، وهو ما ينسجمُ مع تحَرّكات الكيان الصهيوني في المنطقة والأبعاد الإقليمية للعدوان، كما أن بعضَ فصائل المرتزِقة قد عبّرت مسبقًا عن استعدادِها لاتِّخاذ خطوة “التطبيع”.