تغيبب ثورة 14 أكتوبر، مصلحة مشتركة لدول الاستعمار وأنظمة الاستبداد
عين الحقيقة/ كتب / بندر الهتار
في خطابه عن ثورة 14 أكتوبر تحدث السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي عن كثير من النقاط المهمة المتعلقة بالاحتلال البريطاني الذي استمر 128 عاما، وكيف ساهم المرتزقة بشكل أساسي في تثبيت أركان المحتل والوقوف بوجه الحركات التحررية، لكن سأقتطف فقرة مهمة من الخطاب تُوصّف المشكلة الأساسية في بروز دور المرتزقة كحجر الزاوية في احتلال الأمس واحتلال اليوم.
يقول السيد القائد حرفيا:
“بكل مصداقية وبكل مسؤولية، إن ما يحدث اليوم من حالة استقطابية واسعة من توجه لقوى سياسية كثيرة في البلد، من توجه لكثير من الناس في صف الأجنبي ولمناصرة الأجنبي الذي يحتل بوضوح بلدنا في الجنوب وفي مناطق كثيرة، كان نتاجا لتقصير في المرحلة الماضية، تقصير كبير في التتثقيف في التعليم وفي الإعلام وفي الاستراتيجية الشاملة التي يبنى عليها واقع البلد حتى لا يكون قابلا لأي حالة احتلال وحتى يكون عصيا بأكثر مما مض أمام أي حالة احتلال”
هذه المكاشفة مهمة لكي يدرك الناس حقيقة أن سقوط محافظات يمنية واحتلالها وترحيب قوى سياسية كثيرة بالمحتل، والتصفيق لهم واعتبار ما جرى “تحريرا” كل هذا الانقلاب على المفاهيم ليس نتاج أموال دفعتها السعودية والإمارات لتشتري ضمائر الناس وقناعاتهم فحسب، بل نابع من قصور في الوعي وانحراف في الثقافة التي بني عليها المجتمع.
بعيدا عن ما إذا كان التقصير متعمدا أو عن طريق اللامبالاة من قبل الأنظمة السابقة في الشمال والجنوب ونظام ما بعد الوحدة، يمكننا أن نستعرض أوجه ذلك القصور، وكيف ترك آثارا سلبية في المواطنين.
أهم سبب في تغييب ثورة 14 أكتوبر وغيرها من الثورات التاريخية سواء ضد العثمانيين أو غيرهم، هي اليد الأجنبية التي عملت على صنع ثقافة الناس بما يتناسب مع استراتيجياتها الاستعمارية، وهذا لم يكن لولا التسهيلات الكبيرة من قبل الأنظمة التي ترى نفسها غير معنية بالثورة ومبادئها، لأنها أنظمة من صنيعة الأجنبي ولم تصنعها ثورات الشعوب.
في المناهج التعليمية التي كانت تتغير بين الفترة والأخرى بما يتناسب مع السلطة والخارج، سيُلحظ فيها حديث عن ثورة 14 أكتوبر ضد الاحتلال البريطاني، وفي المنهج ذاته حديث عن بريطانيا وأمريكا ودول أخرى باعتبارها نماذج يجب أن تقتدي بها الدول، وكأن النظام البريطاني السابق شيء والنظام الجديد شيء آخر، على الرغم من تطابق سياساتهم حتى وقتنا الحاضر دون تغيير، وهناك نصب تذكاري للعثمانيين ومقابر للمصريين وغيرهم.
على المستوى الديني حذفت آيات الجهاد بالتدريج، وبدأ تثقيف الناس بالفكر الوهابي الذي يرفض فكر الثورة ويمجد حكم الطغاة والمستبدين، علاوة على أنه يفرخ الآلاف من الأفراد الذين يميلون مع كل ريح ويتم تسخيرهم لصالح أمريكا كما حدث في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي وما يحدث اليوم في اليمن وسوريا والعراق ..الخ.
على مستوى السلطة، كان النفوذ الأجنبي وبالأخص الأمريكي هو البارز، وفي الوقت الذي كانت أمريكا تقتل الآلاف من العراقيين في العراق ومثلهم في أفغانستان كانت السلطة في صنعاء تعقد معاهدات أمنية وعسكرية مع القوات الأمريكية وتقدم ذلك على أنها إنجازات وتطور في العلاقات مع الدول العظمى، وكان ذلك ينعكس على الإعلام الذي قدم الدول المستعمرة بصورة جذابة ولم يعمل على كشف سواءتها، وكان يتبنى الاستراتيجية الإعلامية التي تبنتها دول ما يسمى الاعتدال العربي التي سُخرت لخدمة المشروع الأمريكي الإسرائيلي ومحاربة الدول والحركات المتحررة.
في واقع الحال أيضا، كانت أمريكا وبمشاركة بريطانيا وفرنسا في حدود معينة هم من يبني العقيدة القتالية للجيش، والنتيجة الحتمية أن هؤلاء الجنود لن ينظروا إلى الوجود الأمريكي في القواعد المهمة خطرا وتهديدا على البلد، بل إن كثيرا من القادة العسكريين حرصوا على تقديم أمريكا كداعم ومنقذ خصوصا من درسوا في كلياتهم العسكرية، وسمعنا هادي يصف الطائرات الأمريكية التي تقتل اليمنيين بالأعجوبة.
كذلك الحال في الأجهزة الأمنية، فالأمريكي يقرر من هو عدوها ومن صديقها، وتحت ذريعة محاربة القاعدة تُقدم أمريكا على أنها شريك في الحفاظ على أمن اليمن واستقراره، حتى القرارات السياسية كانت تنسجم تماما مع إرداة الدول المهيمنة خاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع الخارج
على مستوى القوى السياسية، لم يكن لأغلبها مشروع تحرري، بل كانت تتسابق مع بعضها نحو العمالة والارتهان للخارج لكي تحظى بالنصيب الأوفر من السلطة ولو كان ذلك على حساب اليمن واستقلاله، وكانت عناصر تلك الأحزاب وفي مقدمتهم “الإصلاح” مثقفون ضمن أيديولوجيا محددة، ولو طلبت منهم قيادة الحزب أن يقاتلوا مع “إسرائيل” لفعلوا، ولا مبالغة، فهم من الطينة نفسها التي تقاتل اليوم تحت الرعاية الإسرائيلية في سوريا.
وهنا لا نغفل عن نقطة مهمة أشار إليها خطاب السيد القائد، وهي غياب الاستراتيجية الشاملة لمواجهة التحديات المستقبلية طالما أن اليمن محل أطماع الخارج، وأهمها بناء الاقتصاد وتحقيق الاكتفاء الذاتي بشكل يكون البلد قادرا على الصمود أمام أي غزو محتمل، إضافة إلى القدرات العسكرية وتعزيز الوحدة الداخلية ضد الخارج بعيدا عن أي خلافات.
على هذا الحال كان المشهد، وقد ساهم إلى حد كبير في إنتاج جناح شعبي مهيأ لأن يقبل باحتلال بلده دون أن يتدخل أو يكون له موقف، وجناح آخر ينخرط بشكل مباشر للقتال مع الأجنبي، وفي التجارب التاريخية يسقط هؤلاء جميعا بعد طرد المحتلين، ويبقى المدافعون عن بلدهم.