تطوير الردع.. هدية السيد نصر الله للقائد سليماني في ذكراه
شارل ابي نادر
بكلامه الواثق، الهادىء، الدقيق والحاسم، كعادته، قدم الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، وفي حوار العام مع قناة “الميادين” بمناسبة الذكرى الأولى لاستشهاد الحاج قاسم سليماني ورفيق دربه الحاج ابو مهدي المهندس، مقاربة لافتة ضمّنها، بالإضافة إلى ما ذكره من الناحية الوجدانية التي جمعته مع الشهيدين سليماني والمهندس خلال مسيرة طويلة من العمل المقاوم ضد الاحتلالين الأميركي والصهيوني، عرضًا تاريخيًا لمسار عمل محور المقاومة بشكل عام، وتوصيفًا لواقع الصراع حاضرًا وما آلت إليه المواجهة ضد هذين العدوين، وإشارة الى الخطوط الرئيسة لاستراتيجية المحور مستقبلًا.
وحيث إن أساس أو نواة هذه الإستراتيجية، كان في طرحه معادلة ردع جديدة مركبة، تجمع القديم من عناصر الردع والذي ما زال فاعلًا ومنتجًا، مع نقاط جديدة، فرضها مستوى ما وصل اليه هذا الصراع وظروفه.. فما هي هذه النقاط؟ وهل يمكن ربطها بالذكرى الأولى لاستشهاد الحاج قاسم سليماني ورفيق دربه الحاج ابو مهدي المهندس؟ والى أي مدى يمكن أن تؤسس لمستوى مختلف من المواجهة، وخاصة ضد الصهاينة؟
النقطة الأولى من كلام السيد والتي يمكن وضعها في اطار تطوير معادلة الردع، هي مضاعفة عدد الصورايخ النوعية منذ عام حتى اليوم، وحيث لم يكن العدو حتى الآن قد وجد حلًا لما يملكه أساسًا حزب الله من هذه الصواريخ منذ عام تقريبًا، حيث كانت هذه المشكلة بالنسبة له، مع غيرها من نقاط كثيرة طبعت مستوى عمل وتجهيز أطراف محور المقاومة، في كل الساحات وخاصة في اليمن، من أسباب اقدام الأميركيين والصهاينة على تنفيذ جريمة العصر.
ويأتي كلام سماحة السيد، والذي هو حتمًا دقيق وصحيح والعدو هو أكثر من يصدقه (مرغمًا طبعًا)، فيما خص مضاعفة عدد الصورايخ (النوعية أو التقليدية)، ليزيد من هواجس “اسرائيل” ويوسع من توتر مسؤوليها العسكريين والأمنيين، وليشكّل صفعة لكل من رأى في عملية اغتيال الشهداء، محاولة لقطع أو لتأخير مناورة امتلاك حزب الله للصواريخ النوعية، والأهم في هذه النقطة من كلام السيد، أنه حدد منذ عام حتى الآن، وكأنه يقول منذ استشهاد القادة حتى اليوم، تضاعف عدد الصواريخ النوعية التي أصبحنا نمتلكها.
النقطة الثانية في ما طرحه سماحة السيد أيضًا، كان في تشديده على فعالية الصواريخ الدقيقة، وعلى القدرة التي بات يمتلكها حزب الله في التعامل مع أي هدف يريده واستهدافه بشكل دقيق، دونما قدرة للعدو على منعه، وبطريقة أخرى، تكلم السيد عن تحقيق وامتلاك مناورة اختيار الاهداف واصابتها بدقة، وخاصة الاستراتيجية منها، والتي لن تكون بأقل من مطارات وقواعد جوية وغير جوية، أو منشآت للطاقة أو للقدرات الكيمياوية أو حتى النووية، اضافة طبعًا لمراكز القرار السياسي والعسكري لدى الكيان، وكل ذلك لن يراه العدو طبعًا من باب الحرب النفسية فقط، بل هو يعلم أكثر من غيره، أولاً، صدقية ودقة كلام السيد، وثانيًا، يملك الامكانية الاستعلامية، الذاتية أو بالتعاون مع الأميركيين، على اكتشاف حقيقة قدرات المقاومة حاليًا، وهذا أساسًا من أسباب هلوسة العدو مما يملكه حزب الله، ومن دور الحاج الشهيد قاسم سليماني، في ادارة وتنسيق منظومة التزود بتلك القدرات، والتي اكتشف العدو أيضًا، أنها مستمرة بعد استشهاده، وتتطور وتصبح أكثر فعالية يومًا بعد يوم.
النقطة الثالثة من طرح السيد، أولًا حول ما تطرّق اليه مباشرة، حين أشار الى امتلاك المقاومة حاليًا، القدرة على استهداف المسيرات المعادية، بمعزل عن اختيار التوقيت المناسب والذي يرتبط بعناصر الصراع والمواجهة الواسعة والحساسة، وثانيًا ما ألمح اليه بطريقة غير مباشرة عن وجود قدرات نوعية لدى المقاومة، من غير المناسب اليوم الافصاح عنها، حيث يدخل عدم الافصاح هذا، من ضمن مناورة الغموض حول ما تملك، والتي ستشكل حتمًا عنصر مفاجأة للعدو عند أية مواجهة معه.
أهمية الطرح فيما خص النقطة الثالثة، والمتعلقة بامتلاك القدرة على استهداف المسيرات المعادية، إنه من الناحية العسكرية والعسكرية – التقنية، وبمجرد استهداف واسقاط بعض هذه المسيرات، ولو بنسبة معقولة غير كاملة، أثناء المواجهة أو قبلها، سوف يتم التأثير سلبًا على قدرة المراقبة الجوية للعدو، الأمرالذي سوف يضاعف مباشرة من فعالية النقطتين الأولى والثانية، والمتعلقتين تباعًا بعدد الصورايخ التي سيتم اطلاقها، وبالصورايخ النوعية منها، والتي ستكون قواعد اطلاقها محمية أثناء الاطلاق أكثر من السابق، عندما كانت المسيرات تعمل بفعالية كاملة.
بكل موضوعية، ما طرحه السيد لناحية تطوير معادلة الردع في نقاطها الثلاث، يدخل أو يرتبط بشكل مباشر بالرد الصاعق على عملية الاغتيال للقادة الشهداء منذ عام تقريبًا، ويمكن القول إن ما قدمه سماحته للعالم عبر قناة “الميادين”، والذي سيكون معنيًا بمتابعة تنفيذه والثبات عليه، كقائد للمقاومة في لبنان وكقائد أساسي من قادة محور المقاومة بشكل عام، يمكن اعتباره هدية غالية جدًا لروحي الشهيدين سليماني والمهندس.