تصريحات أمريكا عنوان مرحلة عسكرية جديدة ضد الشعب اليمني
من اليقين القول إنه منذ اليوم الأول من العدوان على اليمن كان لدى الجميع اعتقاد بأن السعودية والامارات لم تقما بهذا الأمر الشنيع ولم تمتلكا القدرة والجرأة على الاستمرار به حتى اللحظة دون أن تكون قد حصلتا بالفعل على ضوء أخضر من سيدتهم أميركا.
فأميركا هي من تقود العدوان على الشعب اليمني، وهي الدينمو المحرك له، وهي من تقتل الشعب اليمني، ومن دمرت البنية التحتية وتحاصر الشعب، ولولا أميركا لما أعتدى النظام السعودي والإماراتي على الشعب اليمني.
من المعروف أن أميركا بشيطنتها ومكرها تقدم نفسها راعية السلام وهي وراء كل جريمة في كل دار، وهي من تثير الحروب والصراعات، لو أرادت مثلا أن توقف العدوان في اليمن لأوقفته مثلما منحت الضوء الأخضر في ارتكاب الكثير من الجرائم، وأوقفت الدعم والغطاء العسكري والسياسي عن قوى العدوان.
ولكن وعلى ما يبدو فقد تغيرت حسابات أميركا، لتخرج الى العلن بعد الصمت المقُيت تصريحات من هنا وهناك لإنهاء العدوان بأسرع وقت ممكن، واطل هذا يحذّر السعودية من الاستمرار في هذه الحرب، وذاك يعطيها مدة معينة لإنهاء الحرب، والجلوس على طاولة المفاوضات في غضون ثلاثين يوماً.
وبعد سبات طويل، وتعالت الأصوات التي تطالب بوقف الحرب اليمنية “المنسية” فوراً، والدعوة الى مفاوضات تنخرط فيها الأطراف المعنية للوصول الى حل سياسي دائم، حيث دعا “جيم ماتيس” وزير الدفاع الأميركي الى وقف لإطلاق النار في غضون 30 يوماً، وتبنى المطلب نفسه وزير الخارجية “مايك بومبيو” الذي طالب “التحالف” بوقف كل الغارات الجوية في المناطق المأهولة فوراً، ويأتي هذا بالتزامن مع اعلان المبعوث الدولي الى اليمن، “مارتين غريفيت” استمرار التزامه بجمع جميع الأطراف اليمنية حول مائدة المفاوضات في غضون شهر، بدورها قالت وزيرة الدفاع الفرنسية “فلورنس بارلي” أنه لقد حان الوقت لتتوقف الحرب في اليمن، فيما اكدت “تيريزا ماي”، رئيسة وزراء بريطانيا، أنها على اتصال مع الولايات المتحدة للدفع باتجاه حل سياسي دائم.
وفي ضوء ذلك، فإن أبرز ابعاد التصريحات الأميركية يمكن بيانها كالتالي:
أن هناك عدة سيناريوهات محتملة وراء هذه الدعوة الاميركية، حيث جاء في التصريح الأميركي، إعطاء مهلة 30 يوم لإيقاف العدوان ليتم بعدها ترتيبات عملية السلام، وهذا الأمر يُعزز سيناريو التوجه الأميركي لحملة عسكرية جدية للساحل الغربي بعد فشل المحاولات المتكررة لتحقيق إنجازات ميدانية لاسيّما وأن الرياض وأبوظبي كانت قد حددتا مواعيد كثيرة للانتصارات ومنحتهما واشنطن مهلاً كثيرة لتحقيقها، وما يجعلنا نفترض هذه النتيجة المنطقة، ليكون مفاد المهلة المحددة تدشين عملية عسكرية مكثفة في معظم الجبهات المشتعلة وذلك لأحداث تغيير في التوازن العسكري على الارض قبل التفاوض المزمع عقده ، حيث يجب ادارك حقيقة تلك المؤامرة بأن العدوان يحشد تعزيزات كبيرة في الساحل الغربي بعد انهيارات معنويات المنافقون بشكل كبير وأن هناك تحشيد وتجنيد للمرتزقة أجانب.
تجسد التصريحات الأميركية حقيقة قدرة الجيش اليمني واللجان الشعبية على فرض معادلة توازن الرعب مع العدو الذي كان يعتقد أنه يمتلك الترسانة العسكرية المتطورة التي ستجعله قادراً على احتلال اليمن وتدمره، الا أن تطور القدرات العسكرية المذهلة والمفاجئة للجيش واللجان في مجال القوة الصاروخية والطيران المسيّر أصبحت كفيلة بإرغام العدو على إيقاف غاراته الاجرامية، حيث تكشف هذه التصريحات اعترافاً صريحاً بوصول الصواريخ الباليستية والطيران المسيّر الى الإمارات والسعودية وهو الأمر الذي حاولتا إخفاءه، ولعل هذا ما أشار اليه وزير الخارجية الأميركي “مايك بومبيو” الذي حث أدواته السعودي الإماراتي على وقف ضرباته الجوية في المناطق المأهولة بالسكان في اليمن، على أن توقف انصار الله في المقابل تنفيذ ضربات صاروخية تستهدف السعودية والإمارات، على حد قوله، ويعكس هذا التصريح الانجازات المتحققة في الميدان، ويُقر بمعادلة الردع التي أكد عليها زعيم حركة انصار الله السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي والرئيس الشهيد صالح الصماد، وهي أن وقف الصواريخ والطيران المسير على السعودية والإمارات سيتم في مقابل وقف الغارات على الشعب اليمني ورفع الحصار.
لم يُثبت التصريح الأميركي فقط أنه صاحب القرار في العدوان على اليمن، إذ تظهر التصريحات ايضاً أن منظمة الأمم المتحدة هي مجرد أداة تابعة للإدارة الاميركية، وأن الأميركي هو من يعلن الحرب وهو يحدد عملية السلام وترتيباتها ومواعيدها الزمنية، حيث جاء في التصريح الأميركي، تحديد مهلة 30 يوم ليتم بعدها ترتيبات عملية السلام، وهذه التصريحات كان من الأولى أن تطلق من المبعوث الأممي للأمم المتحدة.
تشير التصريحات الأميركية إلى سعي الإدارة الأميركية للهروب من تبعات الجرائم والمجازر الوحشية التي ارتكبت خلال العدوان على اليمن الذي اعلُن من عاصمتها وتحت اشرافها لحضه بلحظة، وصرف النظر عن وسائل الاعلام والراي العام العالمي عن الجرائم التي يرتكبها، حيث بدأت وسائل اعلام اميركية وأوروبية تسلط الضوء على جرائم العدوان بعد جريمة مقتل الصحفي خاشقجي، ولكي تبرّئ واشنطن نفسها مما يجري فقد خاطب المسؤولين الأميركيين السعودية والامارات بوقف العدوان خلال شهر وكأن لسان حالهم يقول أنا برئ مما تفعلون، بحيث تتجه بوصلة الاتهام ازاء ضغط الرأي العام العالمي صوب أدوات أميركا لكي يبرئ الشيطان الأكبر نفسه من الجرائم، وتقديم السعودية والامارات ككبش فداء تحاول من خلاله أن تتطهر من جرائمها في اليمن
إن تصريحات المسؤولين الأميركيين بضرورة إنهاء الحرب يمكن اعتبارها مساعدة أميركية جديدة للسعودية والامارات لإنقاذها من هذه الورطة والخروج ببعض ماء الوجه أمام المجتمع الدولي، لاسيّما وأن السعودية والأمارات وصلتا إلى طريق مسدود في هذه الحرب العبثية، بحيث تحوّلت اليمن بالنسبة لهم إلى مستنقع يغرقون به يوماً بعد يوم دون أن يجدون سبيلاً للخروج منه.
وفي كل الأحوال، فالقيادة الراسخة على مبادئ السيادة الوطنية تُدرك جيداً طبيعة الدور الأميركي في هذا العدوان، ولا تتهافت عليه، إلا أنها حريصة على رفع المعاناة عن شَعبها والتعامل مع كل مساعي دولية جادة لا تنتقص من حقوق الشعب وأهداف الثورة الشعبية 21 سبتمبر.
فالمجاهدين في مختلف الجبهات لا ينتظرون الفرج من الاميركي ولا من الامم المتحدة، بل يعولون على صمودهم وسلاحهم، ولا يملكون التفريط في ثوابتهم مهما جنحوا للسلم وانخرطوا في التفاوض ومدوا ايديهم للسلام، فهم شعب يمني لن يركن إلى وعود أميركية وهمية (( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ))، ولن أن يسمحوا لعمليات التخدير أن تسري في أوساطهم مهما كانت حجم التخدير، والشعب اليمني يعرف ذلك.