ترامب والحرب على اليمن وغزة وإيران ..
بقلم / منير شفيق*
مع إدارة ترامب الأولى، دخلت العلاقات الأميركية-الإيرانية مرحلة جديدة من تصعيد العداء الأميركي ضد إيران. وذلك عبر إلغاء ترامب، التزام أميركا بما عقد من اتفاق «5+1» النووي مع إيران. وأحلّ مكانه المزيد من العقوبات المتشدّدة أكثر.
وأعاد ترامب الكرّة، مرّة أخرى، بتصريح خيّر فيه إيران، إمّا توقيع اتفاق حول برنامجها النووي وإمّا الحرب. وجاء الموقف الإيراني، عبر تصريحات رئيس الجمهورية مسعود بزشكيان، ووزير الخارجية عباس عراقجي، بالاستعداد لفتح الحوار، أو المفاوضات، وذلك قبل التهديد بالحرب، أو قبل التصريح بالخيار بين المفاوضات لعقد اتفاق، أو الحرب.
ولكن عندما جُسّ نبض إدارة ترامب، عمّا تطلبه من إيران لعقد الاتفاق، جاء الجواب، متعدّياً موضوع النووي بأشواط. بل داحراً موضوع النووي إلى بند أخير في المفاوضات. وكان ما هو مطلوب، باختصار، الصواريخ البالستية، والسلاح المضاد للطيران، وكل سياسات إيران الخارجية من اليمن إلى غزة. أي، لم يبقَ شيء تريد أميركا من إيران التنازل عنه، غير إعلان التخلي عن الموقف من الإمام الخميني نفسه.
ولهذا جاء تصريح المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي، مذكراً بعدم جدوى المفاوضة مع أميركا أصلاً، كما أثبتت التجربة الإيرانية التاريخية مع أميركا، أو قل، محذراً، عملياً، من «تجريب المجرّب».
ثم جاء تصريح رئيس الجمهورية بزشكيان، الذي أعلن فيه عدم التفاوض مع أميركا، لأنها تطلب من إيران التخلي عن كل شيء. أي ليس هنالك مفاوضات، وإنما الاستسلام الكامل. هذا وقد أكد الموقف نفسه وزير الخارجية عباس عراقجي.
بهذا يكون ترامب قد طوى صفحة الشهرين الأوليين، اللذين سادتهما لغة «الحرص على السلم»، أو تجنّب الحرب، لينكشف وجهه الحقيقي
ثم تتالت خطب الإمام الخامنئي، بتشديد الموقف الإيراني، وشحذه بالعزيمة، والاستعداد للقتال، ومواجهة التهديد الأميركي بالحرب، إذا ما أقدمت أميركا عليها. وهو ما يجب أن يؤخذ، بأعلى درجات الجدّية. ولكن التطوّر الأهم، جاء مع اندلاع الحرب الأميركية ضدّ اليمن، حيث صعّدت إدارة ترامب تهديدها بشنّ الحرب على إيران، ما لم تتوقف عن دعم أنصار الله في حرب اليمن. الأمر الذي زاد من قوّة احتمال شنّ الحرب على إيران، وذلك بسبب الفشل المتوقع في حرب ترامب ضدّ الحوثيين.
إنّ أوّل سيناريو سيتشكّل، إن أقدمت أميركا على شنّ الحرب على إيران، هو ما ستتعرّض له أساطيلها وقواعدها العسكرية في الخليج من ضربات. وما سيتعرّض له الكيان الصهيوني، إذا ما كان مشاركاً في الحرب.
وذلك إلى جانب إغلاق مضيق هرمز، ما سيعطل تجارة النفط العالمية، ويرفع أسعار النفط إلى ما لا يُحتمل. ناهيك بتداعيات اقتصادية أخرى، تُدخِل العالم في فوضى جنونية. الأمر الذي يعني أن تكلفة الحرب ضدّ إيران تفرض على ترامب أن يحسب حسابها ألف مرّة: أولاً، من ناحية الردّ العسكري والصمود، فضلاً عن تدخل جبهات أخرى. وثانياً، اعتبار رأي عامٍ عالمي واسع ضدَّ الحرب. وثالثاً، الكوارث المتوقعة للاقتصاد العالمي، عندما يصبح الخليج كله في حالة حرب.
على أن ترامب لم يكتفِ بفتح الجبهتين في اليمن وإيران، ليفتح جبهة غزة في 17/18/3/2025، عبر إطلاق قصف عبر طيران العدو الصهيوني، أشدّ تصعيداً في القتل الجماعي للمدنيين، ولِما تبقى من معمار. وبهذا يكون ترامب قد وحّد الجبهات الثلاث. ثم وحّد المواقف الشعبية والرسمية العربية والإسلامية ضدّه، وضدّ نتنياهو، بل جاءت ردود غالبية دول العالم مستنكرة، لا سيما لفتح ما سمّاه ترامب «أبواب الجحيم».
وبهذا يكون ترامب قد طوى صفحة الشهرين الأوليين، اللذين سادتهما لغة «الحرص على السلم»، أو تجنّب الحرب، لينكشف وجهه الحقيقي، وهو استخدام إستراتيجية القوّة العسكرية السافرة، وليس إستراتيجية سلمية وهمية، عُرِفت بسياسة عقد «الصفقات». فالحرب الإجرامية التي يشنّها ترامب ضدّ غزة واليمن، ويتوعّد بتوسّعها لتشمل إيران، في الآن نفسه، تفترض من دول العالم كله، عزله وإدانته، ولا سيما شعوب العالم العربي والإسلامي، وأحرار العالم. وذلك لدعم ما سيلقاه من صمود ومواجهة على الجبهات الثلاث. فأمام ترامب هنا، ليس زيلينسكي وأوروبا، وإنما إرادة لا تنكسر، وقيادة مجرّبة، تعرف كيف تنتصر.
ولكن، مع ذلك، فقد أصبح ترامب متورطاً في الحرب، مناقضاً كل ما كان يعلنه عن تجنّب اللجوء للحرب. من هنا، يكون ترامب، الشاذ في قراراته عن كل ما هو أصول في السياسة الدولية، قد راح في إعلان الحرب على غزة، والتهديد بالحرب ضدّ إيران، ينتقل إلى دفع العالم إلى مخاطر لا تحمد عقباها، بما يتعدّى الصراعات السياسية، أو الاقتصادية، فاتحاً أبواب الجحيم عليه وفيه، كما يحلو له أن يقول. الأمر الذي يجب أن تتشكّل، موضوعياً، وعملياً، جبهةٌ من كل العالم ضدّه، لردعه وإفشاله، قبل فوات الأوان.
* كاتب وسياسي فلسطيني