تدارُس غربي في الفشل: لماذا غلبَنا «الحوثيّون»؟

 

لا يتوقف النقاش في الولايات المتحدة حول كيفية التعاطي مع الأزمة التي افتعلتها الأخيرة لنفسها في البحر الأحمر، وهو نقاش يتجدّد بعد فشل المساعي الهادفة إلى تقويض قدرات حركة «أنصار الله» وإيقاف مشاركتها في جبهة إسناد غزة. وتكرّر الجدل هذا الأسبوع على خلفية إحراق السفينة النفطية اليونانية «سونيون»، والذي أرادت صنعاء من خلاله إرساء معادلة التماثل مع واشنطن وحلفائها، وعنوانها: «الأضرار بالأضرار، والخسائر بالخسائر، والنيران بالنيران»، والتأكيد أن اليمن لن يسكت على استباحة أراضيه، ولديه قرار بتفعيل قدراته الرادعة في حال احتاج إليها. يأتي ذلك فيما تحاول الولايات المتحدة الهروب من المواجهة مع «أنصار الله»، والابتعاد عن مسرح العمليات العسكرية المباشرة، بسبب ما يصفه العسكريون بالقيود السياسية، والتعويض عمّا تقدّم بالعمل الديبلوماسي ومحاولة توسيع التحالف في البحر الأحمر مع شركاء إقليميين ودوليين، فضلاً عن العمل على استغلال الأحداث الأمنية والترويج لها على أنها أعمال إرهابية متهوّرة. وفي هذا الإطار، قال الناطق باسم البنتاغون إن صنعاء تستمر في زعزعة استقرار التجارة العالمية والإقليمية، وتعرّض حياة البحارة المدنيين الأبرياء للخطر، وتهدّد النظام البحري الحيوي في البحر الأحمر وخليج عدن.على أن القادة العسكريين الأميركيين لا يتوقفون عن تحميل المسؤولية للقيادة السياسية عن فشل المهمة في البحر الأحمر، كما يلقون باللائمة على الحلفاء المشاطئين للبحر، والذين لم ينخرطوا بدلاً منهم في المواجهة على جري العادة. وأخيراً، انتقل اللوم إلى مكان آخر، إذ نقلت قناة «العربية – الحدث»، عن أحد المسؤولين العسكريين الأميركيين، القول إن اللوم طاول البحارة المدنيين. وأضاف المتحدّث المذكور بغضب أن «السبب يعود في أحيان كثيرة إلى أن قباطنة السفن العابرة في منطقة خليج عدن يعارضون التعليمات الأميركية، ويصرّون على الإبحار وفقاً لخططهم بما يعرّض سلامة البحّارة والسفن في الوقت ذاته للخطر»، وأكد أن «هذا بالضبط ما حصل خلال الأيام الماضية».
ويبدو أن العجز عن إيجاد حلول للمأزق الأميركي في اليمن وضع القيادة العسكرية في موقف متناقض خلال أيام قليلة؛ فبينما قال الناطق باسم «البنتاغون»، نهاية الأسبوع الماضي، إن قوات بلاده قوّضت القدرات اليمنية، عادت إحدى وسائل الإعلام الخليجية وذكرت، الأربعاء، أن تقييم العسكريين الأميركيين للوضع في البحر الأحمر يقوم على عاملَين إضافيين: الأول هو أن «الحوثيين» يملكون قدرات واسعة، وخصوصاً لجهة عدد الصواريخ والمسيّرات، وهي قدرات الجيش اليمني السابق؛ والثاني خطوط الإنتاج العسكرية المحلية، والتي تعمل، وفق العسكريين الأميركيين، بمساعدة من حرس الثورة الإيراني.

هجمات صنعاء أدّت إلى سيطرتها الكاملة على القسم الجنوبي من البحر الأحمر

وبالتأكيد، تمتلك واشنطن إمكانية التصعيد في اليمن، والارتقاء بالعمل العسكري إلى مستويات عالية في التدمير وضرب البنى التحتية، غير أن خبراء ومسؤولين أميركيين سابقين وحاليين، قالوا إن ذلك سيكون بمثابة تكرار للتجربة الفاشلة للحرب السعودية – الإماراتية على هذا البلد، المدعومة من الولايات المتحدة، والتي استمرت أكثر من سبع سنوات قبل الهدنة الحالية. كما أن واشنطن تخشى الانزلاق إلى الحرب الشاملة التي يمكن أن تتّسع شرارتها وصولاً إلى تدخل إيران إلى جانب أصدقائها في اليمن، وفق تقارير أميركية، الأمر الذي لا يتوافق مع الاستراتيجية الأميركية للمرحلة الحالية، فضلاً عن انشغال البيت الأبيض بالانتخابات الآتية بعد شهرين ونيف. ووفق تقارير استخبارية، فإن القوات الأميركية أعدّت الخطط اللازمة للتصعيد، وباتت جاهزة لتنفيذها في حال الانتقال إلى استراتيجية الحرب. وبعد فشلها الاستخباري في اليمن، تعمل واشنطن على بناء بنك معلومات يتضمّن: المخازن العسكرية، والقدرات الصاروخية، والمنظومات المسيّرة الجوية والبحرية، وصولاً إلى بيانات حول القيادات الفاعلة في «أنصار الله» والقيادات الناشطة في التنسيق مع إيران وبقية محور المقاومة. يذكر أن الولايات المتحدة قالت، في بداية الشهر الحالي، إنها قتلت أحد الكوادر اليمنية في العراق، أثناء قيامه بمهمة عسكرية مع «الحشد الشعبي». كما تدّعي القيادة العسكرية الأميركية أن أسطولها الضخم المنتشر في الخليج، وبحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر قادر على مواجهة التهديد الذي يمثّله اليمن، وأن ما يمنع ذلك هو غياب القرار السياسي.
في المقابل، أدت الهجمات العسكرية للقوات اليمنية إلى سيطرتها الكاملة على القسم الجنوبي من البحر الأحمر، حتى إن سفناً تابعة لبعثة «أسبيدس» الأوروبية لم تجرؤ على التقدّم لإنقاذ السفينة «سونيون» لمجرّد تلقّيها تحذيراً من قوات صنعاء، بحسب الناطق باسم «البنتاغون». وعلى رغم أن الطيران المسيّر الأميركي والبريطاني لا يغادر المنطقة، أشارت صحيفة «تلغراف» البريطانية إلى أن «الحوثيين هزموا البحرية الأميركية وأجبروها على مغادرة البحر الأحمر، مع القوات البريطانية، حيث لم تعد هناك أي سفينة حربية لتحالف حارس الازدهار، الذي لم ينجح في ردع الحوثيين ولم يطمئن حركة الشحن البحري، ولذا فقد يكون من الأفضل له أن يذهب ويفعل شيئاً آخر». وذكرت الصحيفة أن «هجمات التحالف لم تؤدِّ إلى طمأنة شركات الشحن التي بدأت بالفعل اتخاذ الطريق الطويل حول رأس الرجاء الصالح لأسباب تتعلق بالمخاطر وتكاليف التأمين المرتبطة بها». وهذا ما أكدته أيضاً، الأربعاء، «هيئة عمليات التجارة البحرية» البريطانية التي يديرها الجيش البريطاني، حيث قالت إن قوات صنعاء «تقوم بتسيير دوريات بحرية في البحر الأحمر»، مضيفة أنها «رصدت مسلحين على متن زوارق تجوب المياه الدولية قبالة الساحل الغربي لليمن»، مؤكدة أن «المسلحين كانوا يقومون أيضاً بعمليات استطلاع بمعيّة سفينة سطحية غير مأهولة».

 

لقمان عبدالله : الأخبار

قد يعجبك ايضا