تحَرُّكاتٌ أمريكية بريطانية فرنسية مكشوفة :لُعابُ الغرب يسيلُ على ثروات اليمن.. النهبُ لن يطول
برز الوجودُ العسكريُّ الأمريكيُّ في المحافظات اليمنية المحتلّة مؤخّراً بشكلٍ لافت، الأمرُ الذي يثيرُ الكثيرَ من التساؤلات عن أهداف وأبعاد هذا التحَرّك العسكري الأمريكي وما تأثيراته على الأمن القومي لليمن.
وإلى جانب القوات الأمريكية، ظهرت تحَرّكاتٌ بريطانية وفرنسية وغيرها في المحافظات الجنوبية المحتلّة، وتم بناءُ قواعدَ عسكريةٍ لها في الجزر والموانئ اليمنية وعلى مقرُبة من المنشآت النفطية والغازية، وهو ما يكشف بجلاء عن مطامعِ هؤلاء الغزاة والمحتلّين في ثروات اليمن ومقدراته، ويكشفُ عن خفايا وأسرارٍ أُخرى لهذا التواجد تنكشف واحدة تلو أُخرى مع مرور الزمن.
ويؤكّـد اللواءُ الركن عبدالله الجفري، وهو خبيرٌ ومحلِّلٌ عسكري يمني، أن التحَرُّكَ العسكريَّ الأمريكيَّ في محافظة حضرموت يأتي في سياق المؤامَرةِ الأمريكية والبريطانية والفرنسية لنهب الثروات النفطية والغازية في اليمن الغني بهذه الثروات، والذي يحاولون تمرير ذلك من خلال ما سمي بـ”مؤتمر الحوار الوطني” الذي كان من مخرجاته تقسيم البلد إلى 6 أقاليم، بما فيها إقليمُ حضرموت الذي كان يضم “محافظات المهرة وحضرموت وشبوة وسقطرى”، مُشيراً إلى أن كُـلّ هذه المحافظات غنية بالثروات النفطية والغازية والمعدنية والسمكية وغيرها من الثروات الطبيعية الأُخرى، وهذا ما يسيل لعاب أمريكا وغيرها من هذه الدول التي سعت في الأرض فساداً، لافتاً إلى أن الأمريكيين يتحَرّكون في حضرموت، وكان لبعض المسؤولين الأمريكيين لقاءات وزيارات لبعض الأماكن بالمحافظة، فمن المعروف أن “بترومسيلة” من الشركات الأمريكية التي تنقب في هذه المنطقة.
ويشير الجفري إلى أن التحَرُّكَ الأمريكي اليوم في محافظة حضرموت يأتي في هذا السياق الذي بدأ في العام 2022م لنهب الثروات الاقتصادية الوطنية، وما تسببت به الأزمة الدولية في شرق أُورُوبا بين روسيا وأوكرانيا، وقطع صادرات النفط والغاز الروسي إلى أُورُوبا وارتفعت الأسعار، فأصبحت أمريكا وحلفاءها يعانون من وضعٍ اقتصاديٍ صعب، فبحثوا عن مصادر أُخرى لتعويضهم لتلك الثروات النفطية والغازية.
وتوجد في المحافظة اليمنية الجنوبية والشرقية المحتلّة العديد من المنشآت الحيوية، مثل منشأة بلحاف وميناءها، حَيثُ كانت شركة “توتال” الفرنسية هي السباقة في تلك الصفقة مع نظام الخائن عفاش الذي تآمر على مقدرات البلاد وباعها بأرخص الأثمان، فتحَرّكت فرنسا ودعمت الإمارات لتحريك عناصرها وقواتها من المرتزِقة لإخراج مليشيا الإصلاح المسيطرين على حقول الغاز في صافر وكذلك في منطقة عسيلان في شبوة وهو حقل “جنة” وبعد ذلك تم قطع صادرات الغاز في ظل الصراع الدائر بين أدوات العدوان، وبعد إزاحة الإخوان تم تشغيل هذه المنشأة الغازية، وذلك بعد لقاء السفير الفرنسي قبل أَيَّـام مع عمار عفاش الذي قلده أعلى وسام فرنسي؛ مِن أجلِ إدارة شؤون هذه المحافظة وضخ الغاز لشركة توتال ومن ثم إلى دول أُورُوبا.
ويواصل اللواء الجفري: “إذَا ما ربطنا هذا المسارَ، من حَيثُ الأهميّة بمكان لما هو حاصل اليوم من اتّفاقٍ سياسي في سياق هذه الهُـدنة التي مددت للمرحلة الثالثة، ففي هذه الفترة الخمسة الأشهر من الهُـدنة تم نهب للثروات النفطية بكمياتٍ كبيرة جِـدًّا، وبشكلٍ مُستمرّ وبناقلات نفط عملاقة على امتداد فترة الهُـدنة، والهدف منها هو تعويض تلك الخسائر التي منيت بها أمريكا والسعوديّة وحلفائها وأدواتها في المنطقة، مُضيفاً أن هناك مؤشرات وتسريبات من خلال هذه الهُـدنة تؤكّـد الانتقال إلى الملف العسكري والسياسي، وفي اعتقادي بأن العدوان توقف، وبأن الحرب انتهت، وهناك ترتيبات أخيرة لذلك”.
ويفيد الجفري أن ما شاهُـدناه من العروض العسكرية لأبطال الجيش واللجان الشعبيّة في المحافظات الحرة بأعداد كثيرة وبأسلحة متطورة ولأول مرة تجري مثل هذه العروض العسكرية المهيبة التي دشّـنت كمرحلة أولى لبناء الجيش الوطني الحقيقي، وهي من المؤشرات التي يعتبرها الكثير نهاية للعدوان، ليستغل العدوان ذلك في تعويض خسائره التي قدرت بـ850 مليار دولار في العدوان على اليمن، حسب التسريبات التي تفيد بأن المجلس الرئاسي بقيادة المدعو العليمي قدم ما قدرُه 250 مليار دولار كدفعة أولى لطرف العدوان، لهذا الاتّفاق ونهب ثروات الشعب”، مبينًا أن ما ارتكبه العدوان ومرتزِقته من الجرائم والمجازر بحق أبناء الشعب اليمني وتدمير بنيته التحتية هو من خلال هذه الثروات الاقتصادية التي يتهافت عليها الأعادي يوماً بعد يوم، لافتاً إلى أن المحافظات المحتلّة لا سِـيَّـما النفطية منها باتت محطة للقواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية التي تسعى لنهب ثروات الشعب اليمني بقواتها العسكرية على الأرض وبأدواتها العملية.
ويزيد الجفري: “التدخل الخارجي وهذا التحَرّك المباشر وبهذا العدد من مختلف القوات البريطانية والفرنسية والأمريكية هو؛ مِن أجلِ نهب النفط والغاز اليمني، لسد حاجة الفراغ الذي يعانون منه بعد انقطاع صادرات روسيا، لتكون من الأسباب الرئيسة للدخول في هذا الهُـدنة؛ كي لا يتم استهدافهم بالطيران المسيَّر والصواريخ، لافتاً إلى أن الشركات التي نقبت في هذه المحافظات هي شركة “هنت الأمريكية، وبترومسيلة، وكذلك توتال الفرنسية” وهي شركات ممعنة في نهب وسرقة مقدرات اليمن منذ عقود وباتّفاقيات مع الخونة والعملاء السابقين والحاليين”، مؤكّـداً أن نظام الخائن عفاش ورط الشعب اليمني في اتّفاقيات خاسرة وصفقات فاسدة إلى اليوم مع هذه الشركات، وَأن ما يدعيه العدوان وأبواقه بأنهم قدموا لليمن؛ مِن أجلِ إعادة ما يسمى “الشرعية” هي مُجَـرّد أسطوانة مشروخة وكلام فارغ من محتواه، والكُلُّ شاهَدَ مصيرَ هذا المعتوه”.
ويلخص الجفري التحَرّك الأمريكي في حضرموت بأنه؛ مِن أجلِ مساعدة وإسناد أدواتها المدعومة من الإمارات الانتقالي والعمالقة، في مواجهة من يسمونهم بالإخونج، وليتم السيطرة على محافظة حضرموت التي لا تزال تحت سيطرة ما يسمى بـ “الشرعية”، كما هو واقع الحال في محافظة شبوة التي يدعم فيها الانتقالي والعمالقة لدحر مليشيا حزب الإخونج منها وإخراجه”.
حربٌ اقتصاديةٌ ناعمة
من جانبه، يقول العميد عزيز راشد -الخبير والمحلل العسكري الاستراتيجي اليمني-: “إن التحَرُّكَ العسكري الأمريكي والبريطاني والفرنسي في المحافظات والمناطق المحتلّة اليوم له أبعادُه الاقتصادية التي تنطلق منها، خَاصَّةً بعد المتغيرات الدولية التي طرأت؛ بسَببِ الحرب الروسية الأوكرانية، وبسبب تفاقم المشكلة الاقتصادية لدى تحالف العدوان، وانهزام وتراجع المشروع الغربي وأحادي القطبية، وهو بذلك يريد أن يسيطر على المحافظات والأراضي اليمنية المليئة بالثروات النفطية والغازية لتعويض ذلك”.
ويضيف الخبير العسكري راشد في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة”: “أن العدوَّ الأمريكي وَحلفاءَه الأُورُوبيين يريدون من خلال التحَرّك في المحافظات اليمنية المحتلّة إنشاء أكبر خزانات نفطية وغازية لدولهم بنهب ثروات اليمن في حضرموت وشبوة والمهرة ومأرب وغيرها من المحافظات المحتلّة”.
ويرى أن التحَرُّكَ الأمريكي اليوم تحسباً لأية مواجهة مع الصين ليكون لها مقاعد متقدمة للمواجهة على السواحل والموانئ والممرات الدولية الهامة، وأن أي تحَرّك عسكري عبر التاريخ يسبقه مطامع اقتصادية، واليمن يمتلك كُـلّ المقومات التي يطمع بها الغزاة والمحتلّين، من حَيثُ الموقع الجيوسياسي، والعسكري وتحكمها بمضيق باب المندب وبأهم الموانئ والجزر وبأكبر مخزون نفطي وغازي في المنطقة، موضحًا أنه حدثت حروب عالمية أولى وثانية بذات الأهداف والمقاصد، والعدوّ الأمريكي اليوم يبحث عن حرب ناعمة، وحرب اقتصادية في مقابل أن يخوض الحرب العسكرية الصلبة عبر عملائه ومرتزِقته من أبناء الداخل ومن الإقليم، وهذا تكمن فيه الخطورة، وهنا لا بد من استمرار الكفاح الدبلوماسي والسياسي والعسكري معاً، وَإذَا لم يفلح فلا خيار لشعبنا من العودة إلى الكفاح المسلح لإخراج الغزاة والمحلتين وأدواتهم من الأراضي اليمنية، وكل مكان يشكلون بتواجدهم فيه خطراً على واقع ومستقبل الأُمَّــة وشعوبها.
وفي السياق، يقول الخبير العسكري العقيد مجيب شمسان: إن التحَرّكاتِ الأمريكيةَ والغربية في المحافظات المحتلّة لا سِـيَّـما النفطية منها كمحافظتي “شبوة، وحضرموت” التي هي ضمن الاستراتيجية الأمريكية التي تحَرّكت بها في عدوانها على الشعب اليمني والمتمثلة في نهب الثروات النفطية والغازية التي تتمتع بها اليمن وهم يعرفون ويدركون جيِّدًا بأن اليمن يمتلك مخزوناً هائلاً من النفط والغاز، وَوفقاً لتقارير ودراسات وأبحاث وحتى ما نشرته بعض وسائل الإعلام الأمريكية كما جاء في صحيفة “التايمز” الأمريكية التي نشرت تقريرها في عام 2013م، وتتحدث بأن كميةَ النفط المتواجد في اليمن يزيد عن نفط دول الخليج مجتمعة.
وفي ضوء أزمة الطاقة التي تديرها أمريكيا وحلفاؤها لا سِـيَّـما من الأُورُوبيين؛ نتيجةَ الحرب الروسية هي في هذا التحَرّك الأمريكي اليوم؛ بسَببِ إمدَادات الطاقة وحالة العجز القائمة نتيجة توقف بعض إمدَادات الطاقة المشترك عن دول أُورُوبا الغربية، مؤكّـداً في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أن هذا يشكل أحد أهم الأهداف التي تحَرّك لأجلها تحالف العدوان على اليمن في البداية للسيطرة على منابع النفط والغاز، وبدأ اليوم ومن خلال تحَرّكاته في محافظة حضرموت وشبوة يرتب أوراقه الاستراتيجية سواء بالتخلص من بعض الأدوات والإتيان بأدوات جديدة على رأسها قيادات من القاعدة وداعش حتى يبرّر لتواجد الأمريكي في الأراضي اليمنية، وللسيطرة على الثروات النفطية ونهب مقدرات وموارد اليمن لسد حاجة العجز الحاصلة لديهم نتيجة الحرب الحاصلة مع روسيا.
ويشير شمسان إلى أن شركاتِ التنقيب الأمريكية والفرنسية وغيرها المُستمرّة منذ بدأ العدوان في نهب خيرات اليمن ومقدراتها النفطية والغازية، لن تقفَ صنعاءُ أمامَها مكتوفةَ الأيدي، وهناك الكثير من الشرفاء في المحافظات المحتلّة أَو في غيرها، لن يسكتوا عن هذه العمليات الإجرامية؛ كوننا ندرك بأن نهب ثروات الشعب لن يطول مهما كانت الأسباب وقد سبق التنبيه إلى ذلك من قبل الأخ محمد عبدالسلام -رئيس الوفد اليمني المفاوض-، وأن هذه الشركات لن تستمرَّ في ذلك حال انتهاء الهُـدنة.
ويتوقع شمسان وجود تحولات كبيرة في نشاط تلك الشركات التي تعرف مصالحها وكيف تحافظ عليها بطرق مشروعه، لافتاً إلى أن الأمر الحالي غير مقبولٍ على الإطلاق وأن لدى الشعب اليمني الكثير من الخيارات لحماية ثرواته ومقدراته وتحرير كُـلّ ذرة من ترابه الوطني.
ويقول شمسان: “القواتُ المسلحة اليمنية بجيشها ولجانها الشعبيّة تؤكّـدُ للجميع أنها قادرةٌ على قطع كُـلّ الأيادي التي تسرق وتنهب ثروات ومقدرات الشعب اليمني، وأن رسائل العروض العسكرية الأخيرة كانت واضحة، لافتاً إلى أن كُـلّ التحَرّكات المعادية في هذا الصدد مرصودةٌ بدقة ويعد لها ما لم يكن في الحُسبان”.
المسيرة