تحليل :لماذا وسّعت صنعاء المعركة مع الكيان الإسرائيلي لتشمل البحر الأحمر؟
قبل عدة أيام، نشرت أهم مراكز الدراسات الإسرائيلية الحكومية التابعة للموساد الإسرائيلي، دراسة عن المخاطر التي تتهدد الكيان الإسرائيلي من اليمن في ضوء عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على المدنيين في قطاع غزة بعد فشل الكيان عسكرياً وبشكل غير مسبوق في مواجهة مقاتلي المقاومة الفلسطينية.
وتحت عنوان “البعد الإقليمي للحرب.. الجبهة اليمنية” نشر “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي” دراسة خصصها لبحث حجم ومستوى المخاطر التي تتهدد الكيان بعد دخول الجبهة اليمنية الحرب بشكل رسمي وإعلان صنعاء رسمياً الحرب على الكيان.
يؤكد “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي”، أن الكيان الإسرائيلي فعل كل ما في وسعه لاحتواء هجمات “الحوثيين” حسب تسمية الدراسة التي رأت أن إسرائيل يجب أن تحافظ على عدم توسع المعركة وفتح جبهات جديدة، رغم ذلك حاولت الدراسة التقليل من هجمات اليمن على الكيان الإسرائيلي اتساقاً مع الرواية الإسرائيلية الرسمية والتي يتكتم فيها الجانب الإسرائيلي بشكل كبير عن حقيقة ما أحدثته وتحدثه الضربات اليمنية التي استهدفت مراكز دراسات وأبحاث عسكرية ومنشآت لوجستية عسكرية هامة في إيلات جنوب فلسطين المحتلة، وفق تسريبات من مصادر يمنية رفيعة وذات صلة بالعمليات العسكرية المنفذة ضد الكيان.
وفي الدراسة التي أعدّها الباحثان سيما شاين، ويوئيل جوزانسكي، وخرجا باستنتاجات تم بناؤها وفقاً للرواية الإسرائيلية الرسمية بشأن أول عملية يمنية أعلنتها صنعاء رسمياً ضد الكيان الإسرائيلي، والتي كانت العملية الثالثة بالمناسبة إذ سبقتها عمليتان غير معلنتان من صنعاء فيما اعترف بهما الإسرائيلي والأمريكي، هذه العملية “الأولى التي يتم إعلانها رسمياً والثالثة منذ دخول اليمن خط المعركة” كان جيش الكيان قد زعم تصديه لصواريخها ومجنحاتها، وعلى هذا الأساس اعتبر الباحثان أن الضرر والخطر الذي تشكله الجبهة اليمنية لا يزال بعيداً مقارنة بالضرر الذي تشكله جبهة غزة والجبهة اللبنانية.
وتشير الدراسة إلى أنه كلما زادت المخاوف من إضعاف حماس بسبب الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة – وهو ما لم يحدث بالمناسبة حتى الآن رغم مرور 38 يوماً من الحرب وانطلاق عملية طوفان الأقصى – “كلما شعر الحوثيون بشكل أكبر بضغوط يتطلب منهم تصعيد عدوانهم على إسرائيل” حسب توصيف الدراسة الإسرائيلية.
من هذا المنطلق وبما أن أهم مؤسسة بحثية إسرائيلية حكومية تتبع جهاز الموساد الإسرائيلي، ترى أن التهديدات ضد الكيان من اليمن لا تزال بعيدة مقارنة بالتهديدات المجاورة، فإن صنعاء اتجهت بالفعل للتصعيد أكثر ضد الكيان وتوسيع ساحة المعركة بما يشمل ساحات معركة جديدة لطالما كان الكيان يتخوف منها ليس منذ بدء العدوان على غزة بل حتى خلال الـ9 الأعوام الماضية من عمر الحرب على اليمن التي شنها التحالف السعودي الإماراتي المدعوم غربياً وإسرائيلياً.
الجبهة البحرية
جاءت كلمة زعيم أنصار الله، عبدالملك الحوثي، اليوم، لتدشن مرحلة جديدة من المواجهة بين الجبهة اليمنية والكيان الإسرائيلي، بإعلان البحر الأحمر ومضيق باب المندب منطقة محظورة على السفن الإسرائيلية.
وتوعد الحوثي في كلمته بمناسبة “أسبوع الشهيد”، منع مرور السفن الإسرائيلية من باب المندب والمياه الدولية قبالة المياه الإقليمية اليمنية جنوب البحر الأحمر، في خطوة أكد الحوثي أنها بدأت تؤتي ثمارها بالفعل وأن الكيان أصبح يمرر سفنه من هذه المنطقة بشكل متخفي وعن طريق التهرب، بما في ذلك التستر تحت أعلام دول أجنبية وتنفيذ إجراءات فنية للتخفي عن أجهزة الرادارات والرصد اليمنية التي تراقب ليل نهار كل حركة في المياه الدولية قبالة اليمن.
إعلان الحوثي الذي فاجأ الجميع والذي يعد خطوة متقدمة جداً في سياق مواجهة الكيان الإسرائيلي على مستوى المنطقة العربية، يبدو أنه كان من الاحتمالات الضعيفة لدى الكيان الإسرائيلي.
فوفقاً لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فإن الدراسة آنفة الذكر، ترى أن اليمن إذا ما صعّد من هجماته ضد الكيان فإن الأخير سيجد صعوبة في احتواء الهجمات، وأن إسرائيل ستضطر إلى الرد على “الحوثيين” حتى “تردعهم” عن الهجوم مرة أخرى، وهذا ما لن تستطيع إسرائيل فعله بعد أن تلقت توجيهات صارمة من الأمريكيين الذين طلبوا من نتنياهو بشكل صريح تجاهل الهجمات الآتية من اليمن تجنباً لفتح جبهة جديدة.
كما أورد معهد أبحاث الأمن القومي للكيان، أن الرد الإسرائيلي على اليمن إذا اتجه الأخير للتصعيد بشكل أكبر فإن ذلك “سيؤدي إلى استفزاز الحوثيين ودفعهم لمهاجمة دول الخليج، وأن ذلك حتماً سيؤدي لتصعيد متجدد في الحرب اليمنية السعودية”، في إقرار واضح بشراكة دول الخليج وخصوصاً (السعودية والإمارات) قائدتا التحالف العسكري ضد اليمن، مع الكيان الإسرائيلي في هذه المعركة الجارية بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، وأن تداعيات تصعيد اليمن سيصل إلى استهداف اليمن لدول الخليج التي بدأت بالفعل منذ اليوم الأول للعمل بكل جهد لحماية الكيان الإسرائيلي من الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة اليمنية والمساهمة في منع وصولها إلى أهدافها داخل الكيان الإسرائيلي.
ختاماً..
في الختام يجدر التركيز على أن معهد أبحاث الأمن القومي للكيان الإسرائيلي، أورد في دراسته بشأن اليمن أن التصعيد الإسرائيلي ضد حماس في قطاع غزة كلما توسع أكثر وأحدث ضرراً واضحاً وملموساً ضد حركة حماس، كلما انكشفت لإسرائيل حجم القيود المفروضة على محور المقاومة لعدم التدخل في المعركة.
ومع إعلان صنعاء على لسان زعيم أنصار الله اليوم منع السفن الإسرائيلية من المرور عبر مضيق باب المندب فإن الحسابات الإسرائيلية والغربية عموماً التي بنيت على اعتبار أن الأطراف المتحالفة مع إيران هي أدوات تابعة لطهران سوف تتغير جذرياً وخصوصاً فيما يتعلق باليمن تحديداً الذي أصبح اليوم يتصدر مشهد محور المقاومة كونه البلد الوحيد الذي أعلن رسمياً الحرب على الكيان الإسرائيلي وهو ما لم تفعله أي دولة أخرى من دول المحور التي فيما يبدو أنها تخوفت من التهديدات الأمريكية، فيما لم تجد هذه التهديدات لقيادة صنعاء طريقها حيث ضرب الحوثي تهديدات الأمريكيين عرض الحائط معلناً من على منبر “قناة المسيرة” أن لا تهديدات الأمريكيين ولا البريطانيين ولا غيرهم ستمنع اليمن من توجيه أقسى الضربات ضد الكيان الإسرائيلي ومساندة الشعب الفلسطيني التزاماً بواجب اليمنيين وعهدهم ومواقفهم السابقة بشأن القضية الفلسطينية.
المساء برس| تحليل: يحيى محمد الشرفي|