تحليل : كلمة السيد القائد الأسبوعية .. جرعة وعي ومحرك تغيير
كلمة السيد القائد الأسبوعية، جرعة وعي ومحرك تغيير
الجزء الأول الكلمة وتداعيات الحدث الأساسي
الحقيقة / تحليل/ علي احمد جاحز
مقدمة :
تتسارع مؤخرا ومع دخول المائة يوم الثالثة من طوفان الأقصى الذي انطلق من غزة، وتيرة التسارع والتتابع للمتغيرات المتجددة في المنطقة الناتجة عن الطوفان وما تلقيه من ظلال على مسار الاحداث والمواقف والرأي العام العالمي، بل وعلى إحداث زلزال داخل بنية الوعي الجمعي في مساحة واسعة من العالم.
وليس ثمة خلاف حول فاعلية الموقف اليمني المساند لغزة وتصاعده وتطور اساليبه وما نتج وينتج عنه من آثار وارتدادات وتداعيات، في صناعة وتوجيه المواقف والمتغيرات الإقليمية وربما الدولية.
ومن على منصة مشرفة على كل ذلك، تأتي كلمة السيد عبدالملك الحوثي قائد الثورة في اليمن، بشكل اسبوعي منتظم لتكون حدثا بالغ الأهمية والتأثير سواء لجهة قراءة وتحليل الحدث وتداعياته او لجهة توجيه الحدث وتحريكه.
لماذا الكلمة الأسبوعية؟
من المؤكد ان تساؤلا كهذا قفز الى اذهان الكثيرين، ولفهم الإجابة لابد ان نعرف ما هو الغرض منها ولكي نعرف الغرض لابد ان نفهم المنطلقات والمرتكزات للموقف اليمني الذي يقوده السيد القائد ويعتبره أولوية قصوى في هذه المرحلة.
باعتقادنا ان السيد القائد ينطلق عموما من المسؤولية الايمانية والتوجيهات القرآنية الجهادية التي تعتبر التحرك واجبا وفريضة.
وترتكز خطواته وتحركاته وضمنها خطاباته وانتظامها على عدة مرتكزات أهمها:
امتلاك المشروع التحرري الجهادي، وتوفر الفرصة السانحة للاشتغال عليه وتقديمه.
التحرك الجاد والصادق والمبادرة واستثمار الموارد والسنن المتاحة لصناعة أسباب القوة وأدوات المنازلة، ومن ثم استحقاق التأبيد الإلهي.
معرفة العدو ونقاط ضعفه وثغراته ودراسة سلوكه ومواقفه وادواته باستمرار للتحرك وفق ذلك الفهم ومخاطبته بوعي.
الرهان على وعي وايمان وشجاعة وحكمة الجمهور، وتنامي جاهزية الجيش وادواته وتقنياته.
وعلى هذا الأساس نبني اعتقادنا ان كلمة السيد القائد بذلك الشكل المنتظم أسبوعيا ولغتها ومحتواها ورسائلها المتصاعدة باستمرار، تأتي بغرض التالي:
الحشد والتعبئة للنفير داخل اليمن والاستنهاض للشعوب والنخب في العالم العربي والإسلامي.
الاستمرارية والديمومة في الارتباط بالحدث والتحرك معه ومواكبته، والتحديث المستمر لمشهدية الحدث الأساسي وما يرتبط به وما ينتج عنه من احداث وتوجيهها ومن ثم صناعة التداعيات والتأثيرات.
ضمان عدم الوقوع في مأزق الملل والتطبع على الوضع والذي ينتج عنه فتور الموقف وتراجعه وقد يؤدي الى توقفه والاستسلام لما يريده العدو الذي لا يمل ولا يكل.
إعادة برمجة الوعي الجمعي الإقليمي والإنساني عموما بالمعلومة والمنطق، سواء بتقديم وكشف الوجه الحقيقي للعدو وتعريته وتكريس العداء له، او بفضح وكشف ضعف وهشاشة العدو وتكريس القناعة بإمكانية مواجهته وسهولة هزيمته، وغير ذلك من الأمور التي تحدث زلزالا في بنية الوعي.
كلمة السيد القائد .. مؤسسة وعمل منظم:
نادرا ما تجد زعيما يمتلك القدرة على القاء خطابات ومحاضرات طويلة منظمة المتن ومرتبة المحاور، مؤيدة بالمعلومات الكافية والموثقة، ومتسقة الرؤى والأفكار وعميقة الدلالات، ومذخرة بالرسائل الموجهة بعناية، ومن بين النادر بل ربما يأتي في المقدمة السيد عبدالملك الحوثي الذي تمكن من ان يجعل كلمته الأسبوعية عملية نوعية فاعلة ومؤثرة ضمن حزمة العمليات النوعية اليمنية في ساحة المعركة المحتدمة مع العدو الصهيوني.
ومن الواضح ان السيد القائد يبني كلمته وفق ديناميكية عمل مؤسسي وجهد منظم ربما يتفوق على أداء منابر وقنوات إعلامية مجتمعة، سواء من حيث الرصد الكفؤ والمواكب للمعلومة والإحصاءات والتحليل العميق لها، ثم التوظيف الذكي لها واستخدامها بعناية في الموضع والموعد المناسبين، او من حيث القدرة على إيصال المحتوى والرسائل والدلالات، والسرعة العالية في التأثير والتوجيه.
غزة.. الحدث الأساسي وتداعياته :
تظل الحرب الاجرامية على غزة او بالأصح المحاولات الصهيونية الاجرامية لتركيع غزة ومقاومتها وأهلها، هي الحدث الأساسي والمركزي، وبرغم ان معظم الاحداث البارزة عالميا ترتبط وثيقا بغزة الا انها تبقى تداعيات وارتدادات للحدث الأساسي في غزة، وهي اما ارتدادات للإجرام الصهيوني المسعور الذي فاق الاستيعاب والمدعوم بشكل كامل عالميا، او تداعيات وارتدادات للصمود الأسطوري لغزة ومقاومتها وأهلها والذي نستطيع ان نقول انه يوازي مستوى الاجرام ويتصاعد معه طرديا، وعلى هذا الأساس، يبقى الحدث الأساسي في غزة متصدرا التناول الإعلامي والسياسي والحقوقي والشعبي الى حد ما.
ولو تتبعنا كل خطابات السيد القائد عبدالملك الحوثي الأسبوعية، سنجدها تفتتح بقراءة متجددة وتحديث رؤيوي وتقييمي للحدث الأساسي بثنائيته المتمثلة في استمرار وتصاعد الاجرام الصهيوني، واستمرار وتصاعد الصمود والتصدي الفلسطيني في غزة، وحيث انها تأتي نتاج عمل منظم مؤسسي كما اسلفنا فان كلمة السيد القائد تحتوي أسبوعيا على تحديث نوعي لمستجدات الحدث في غزة سواء إحصاءات حصيلة الجرائم او متابعة عمليات المقاومة وخسائر العدو في المعركة المحتدمة.
الكلمة الخميس الفائت وهذا الخميس بدت اكثر ثراء بالمعلومات واكثر عمقا في التحليل لتلك المعلومات، واكثر جاذبية واقناعا لجهة أسلوب وطريقة تقديم وايصال المعلومات ودلالاتها للمتلقي، وفوق ذلك وهو الأهم هو القدرة على إعادة الحدث الى قمة الأهمية في الوعي الجمعي، وتحريك التفاعل العاطفي والشعور بالمسؤولية تجاه الحدث لدى الرأي العام، وكل ذلك يعتبر نجاحا في قتل حالة الملل، وهو كما اسلفنا من اهم أغراض الكلمة الأسبوعية.
الكيان .. جرائم وهزائم:
بات من الواضح بعد تجاوز 200 يوم على الطوفان وحرب الإبادة في غزة ان ما حصده الكيان المجرم يتلخص في كلمتين “جرائم هزائم “، فالعدو الذي اعلن أهدافا واضحة لحربه على القطاع كان يبرر لداعميه وللأنظمة العربية المتواطئة معه انه مضطر لارتكاب تلك الجرائم لأنه يراهن على نجاحه في اجتثاث المقاومة وتحرير الاسرى وضمان إزالة ما يسميه خطر حماس عليه، فبعد كل هذه الفترة الطويلة وجد نفسه امام هزائم ووضع ميداني يزداد تعقيدا، ولم يكن هذا هو المأزق فعادة ما يخرج بهزائم من أي معركة مع المقاومة، لكنه هذه المرة خرج بهزائم غير مسبوقة وهو مثقل بأرصدة هائلة من الجرائم التي وضعته في مأزق أخلاقي وسحبت داعميه الى جواره في المأزق، واحرجت الأنظمة المتواطئة امام شعوبها، بمعنى انه ارتكب جرائم وحصد هزائم.
الى ذلك، بات معلوما لدى الرأي العام والغرف السياسية والمجتمع الدولي كيف تحول السلوك الاجرامي للكيان وسلوك داعميه المتصلب، الى مأزق أخلاقي وقانوني وسياسي ليس للكيان وحسب، بل للوبي الصهيوني العالمي واذرعه وادواته الامريكية والاوربية، وهذا ما نجحت كلمة السيد القائد الخميس الماضي في تشخيصه وبلورته باحترافية ودقة عالية
نجحت غزة المحاصرة التي تعيش داخل سجن مغلق بأحكام تحت نيران الكيان بلا طعام ولا دواء، نجحت في ان تشعل العالم وتزلزل الأرض تحت اقدام الصهيونية في أمريكا وأوروبا، فالمظاهرات والاعتصامات التي تتصاعد يوميا في جامعات الولايات المتحدة وتداعياتها في أوروبا وما تواجهه من قمع ومحاولات اسكات، تأتي لترسم صورة لما يجري في غزة، تعري الأنظمة الديموقراطية والنظام العالمي وقيمه الزائفة
الملف الإنساني والحقوقي في يد الشارع.. من يحرك الاحتجاجات؟
لأجل استمرار الكيان في حرب الإبادة في غزة، تنصلت المؤسسات الأممية امام الاجرام الصهيوني في غزة عن القيام حتى باليسير من دورها القانوني والسياسي والإنساني، سواء مجلس الامن الذي ظهر منظمة مرتهنة للصهيونية، او منظمات الأمم المتحدة الإنسانية الاغاثية منها والحقوقية التي اتضح انها ليست إنسانية ولا تتجاوز كونها أدوات تخدم اجندات صهيونية، او المحكمة الدولية التي لم تصمد في واجهة الحدث لشهر كامل ثم اختفت وتعرت حقيقتها لأول مرة بشكل فاضح انها مجرد اكذوبة كبيرة، وكل هذا التنصل وهذا التعري طوال هذه المدة الطويلة لم ينجح في جعل الكيان يحقق أهدافه، ولم ينجح في طي الملف الإنساني والحقوقي ورميه في بئر النسيان، بل نجحت غزة وجراحها ووجعها ومآسيها ودماءها ان تشعل اكبر تحرك حقوقي وقانوني في التاريخ، وتملأ اثقل ملف انساني بما يكفي لاجتثاث الكيان من على وجه الأرض.
لا يبدو ان الملف الإنساني والحقوقي هذه المرة محتاجا لمؤسسات او منظمات اممية لتحمله أساسا فقد وضعت غزة المؤسسات والمنظمات الأممية الإنسانية على هامش الوقت بعد ان تورطت في مستنقع التواطؤ مع الكيان القاتل، فقد فرض ذلك الملف الثقيل نفسه على الشعوب الحرة، وحمله الاحرار، وباتت المحاكمة والمساءلة مفتوحة منعقدة يوميا على ارصفة الشوارع وفي أروقة الجامعات وفي الساحات
من وقت مبكر ركزت كلمة السيد القائد عبدالملك الحوثي الأسبوعية على استنهاض الشعوب ودعت شعوب أوروبا وامريكا للخروج والضغط على أنظمتها التي تزج بها في مازق دعم الكيان المجرم، ومن متابعتنا للكلمة التي كما اسلفنا تأتي ملمة ومحيطة بالأحداث، لم تعول على الدور الاممي الإنساني ولم تدع أيا من تلك المنظمات للضغط او للتدخل، بل غالبا ما تستشهد بصمتها ان لم تكن كلمة السيد القائد قد أسهمت بشكل فاعل في تعرية المؤسسات والمنظمات الأممية ونقلها الى خانة العار في الوعي الجمعي، بل ان تأثير ومفعول الكلمة الأسبوعية للسيد القائد فاعل وعميق في صناعة وتوجيه الرأي العام والمواقف الشعبية من جهة، وهو ما يؤكده الاتهامات الامريكية التي تقول انه ضالع في تحريك الاحتجاجات الجامعية مؤخرا، وبالنظر الى المتابعة
المركزة وما يشبه التبني العالي للتحركات الجماهيرية في كلمة السيد القائد الأسبوعية، فان من الطبيعي الاعتقاد انه ضالع باي مستوى في تحريك السخط الشعبي والطلابي والحقوقي تجاه جرائم الكيان وداعميه، على غرار تأثير الموقف اليمني السياسي والعسكري في تحريك وتفعيل المواقف السياسية والعسكرية عموما وهو ما سوف نتطرق اليه لاحقا.
اليمن .. خارج قوالب الخطاب السياسي العربي:
الخطاب السياسي الرسمي العربي طوال عقود مضت أصيب بحالة تبلد واصبح مجرد قوالب جاهزة كرستها الوصاية الصهيونية في بروتوكولات النظام العربي الرسمي، واتضح جليا امام هول ما جرى ويجري في غزة الى مدى اصبح الخطاب السياسي معلبا والى أي حد لا تستطيع الأنظمة الخروج من تلك القوالب، في مقابل خطاب سياسي صهيوني غربي امريكي واوربي منفلت وقح يتعاطى بتعال واستخفاف مع الزعامات والأنظمة العربية، ويعلن ويجاهر بدعمه ومشاركته مع الكيان المجرم في إبادة شعب كامل امام كل المحافل الدولية بلا سقوف ولا حدود ولا اعتبارات بروتوكولية.
امام كل هذا، يأتي الخطاب السياسي في كلمة السيد عبدالملك الحوثي مختلفا عاليا، لا سقوف ولا قوالب تقزمه وتحده، خطاب يؤسس لقواعد جديدة في اللغة السياسية، فقط سقف القيم والأخلاق الإنسانية التي تفرضها الهوية الايمانية والشخصية القيمية التي يتحلى بها القائد، يضبط مستوى الخطاب السياسي الجديد الذي يؤسس السيد الحوثي لتكريسه في المنطقة متجاوزا النمطية الدبلوماسية التي جعلت الخطاب السياسي العربي والإسلامي معلبا وباردا حد التبلد.
تعودت الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية التي تمثل اذرعا أساسية للوبي الصهيوني على توجيه وتحريك موقف النظام العربي الرسمي والإسلامي ” عدا أنظمة الممانعة” الى هذا المستوى الغير مستوعب منطقيا الذي جعل الشارع يقف مذهولا امام عدم قدرة الأنظمة ان تتحرك للضغط باتجاه ادخال شاحنة غذاء او دواء لغزة، اما التعبير عن الغضب والسخط والاحتجاج، او التهديد باستخدام حقها في الدفاع عن عرضها وشرفها، فهذا بدا مستبعدا كليا.
امام غزة ومأساتها وصمودها كان الامتحان الفاضح للمواقف السياسية، فقد سقطت أوراق التوت عن عورة النظام العربي والإسلامي الموالي للصهيونية، بل كان الامتحان قاسيا في تعرية وفرز الأنظمة والتيارات التي ظلت تختبئ خلف قناع الوقوف مع المقاومة طوال عقود لتظهر عارية في طابور المصطفين مع الكيان المجرم كل وفق الدور المرسوم من الحياد الذي يخدم الكيان بالصمت واسكات الشعب والجيش، الى الحياد الذي يلعب دور الوسيط، الى المتواطئ الذي يغلق المعبر وصولا الى الذي يدعم جيش الكيان بالغذاء والسلاح وفق عقود توريد حصرية، فضلا عن المواقف المؤيدة للعدو صراحة، وانتهاء بالموقف الممجوج الذي يقول انه يسعى للتطبيع انقاذا لغزة، فيما يفضحه الأمريكي ويؤكد انه اشترط القضاء على المقاومة مهرا للتطبيع.
كان من الممكن ان يبدو كل هذا المشهد السياسي العربي اعتياديا لو لم يكن ثمة انموذجا مغايرا نجح السيد عبدالملك الحوثي ان يكرسه في الوعي الجمعي، حين وجه السلطات ان تعلن رسميا الدخول في المعركة منذ البداية واعتبر العدوان على غزة تهديد للأمن القومي العربي ولليمن، وهو ما جعل الأنظمة تخاف من الانتقال الى الخطوة التي تريدها الصهيونية وهي تصفية القضية نهائيا والاجهاز على المقاومة بشكل حاسم، ولذلك واستمرارا لهذا التوجه يأتي ضمن كلمة السيد القائد أسبوعيا محور خاص بتشخيص وتقييم الموقف السياسي العربي والإسلامي الرسمي، و مع انه يلتزم النصح والتحذير والتنبيه والتذكير الا انه يحمل رسائل قوية للأنظمة وللجماهير ويحاصر التحرك الرسمي في زاوية الخوف والتردد، وباعتقادي سينجح في استنهاض الشعوب للضغط وربما اسقاط الأنظمة.
سنواصل معكم بأذن الله في الجزء الثاني قراءة التداعيات السياسية والاقتصادية والعسكرية للطوفان، وفي الجزء الثالث قراءة في الموقف اليمني وتأثيره في صناعة التحولات.