تحقيق: الإمارات تستهدف فرض وصايتها على اليمن لخدمة أطماعها
رغم مضي سنوات على إعلان الإمارات سحب قواتها من اليمن، فإنها واصلت تنفيذ سلسلة من المؤامرات سعيها منها إلى فرض وصايتها على أجزاء واسعة من البلاد لخدمة أطماعها.
ويجمع مراقبون على أن مؤامرات الإمارات ضد اليمن المستمرة منذ سنوات تأتي لامتيازات الموقع الجغرافي التي يحظى بها اليمن ودفع البلاد إلى أن تكون لقمة سائغة لأهدافها في كسب النفوذ الإقليمي.
يأتي ذلك بعد سنوات من حالة الحرب وسياسة القوى المتصارعة والمتدخلة في تفتيت مركز اليمن كدولة ذات سيادة ومن ثم تنازع مركزها القانوني بين الفرقاء والأوصياء وعلى رأسهم الإمارات.
فبموجب وقوع اليمن تحت البند السابع، أصبحت خاضعة لوصاية متعدّدة من الفاعلين الدوليين وحلفائهم في الإقليم، حيث استفادت من شروط الحماية لصالحها، كما أن تثبيت الوضع الحالي في اليمن فرض المقاربة الأمنية لصالح القوى التي تتقاسم النفوذ والهيمنة على الممرّات اليمنية.
وفي ظل تطورات الصراع الدولي المتعدّد الأقطاب، جرّاء تحوّلات الحرب الروسية – الأوكرانية والتنافس الأميركي – الصيني في المنطقة، فإن الإشراف وتأمين الممرّات البحرية أصبح جزءا من المعركة البينية، وهو ما يضاعف من حدّة التحدّيات في بلد يفتقر لسلطة وطنية كاليمن.
ولعقود طويلة خضع اليمن للمقاربة الأمنية التي ظلت المعيار الذي يحدّد تعاطي القوى الدولية مع أزماتها الداخلية، وإذ كان خطر التنظيمات الإرهابية، كتنظيم القاعدة، قد حكم أشكال التدخلات الأميركية في اليمن بذريعة مكافحة الإرهاب.
والذي أسفر عن استمرار انتهاك الأجواء اليمنية، والتسبب بمقتل ضحايا أبرياء، فإن الهجمات العابرة للحدود التي نفذتها جماعة الحوثي على المنشآت النفطية السعودية جعلت اليمن مصدر تهديدٍ لمصادر الطاقة في السعودية والخليج.
بحيث أخضعت الحرب للمقاربة الأمنية، بما في ذلك المسار السياسي، مقابل تجاهل الهجمات السعودية في حق اليمنيينز
ما أن غياب سلطة محلية فاعلة تشرف على المنافذ اليمنية، والأهم المنافذ البحرية جعلها منطقة مفتوحة لاستثمار الخيار الأمني، وإن كان تحت مبرّر مواجهة نشاط قوى معادية.
ومع أن تأمين المنافذ البحرية وخفض خطر الحرب على السعودية أصبح الهدف المعلن للقوى الدولية في اليمن، إلا أنه عكس مستويات مُتباينة من الخلاف في وجهات النظر بين الحلفاء.
إذ إن السعودية التي حدّدت خيار حماية مجالها القومي تدخلها العسكري في اليمن، للقضاء على نفوذ جماعة الحوثي، وكيل إيران، فإن ذلك، وإن منحها دعما دولياً في بداية الحرب، فإنه ما لبث أن أصبح نقطة خلاف جوهرية مع أهم حلفائها، الولايات المتحدة.
وهو ما جعل السعودية تنتقل من توظيف ورقة النفط في الضغط على أميركا إلى تحسين علاقتها بالصين، المنافس التقليدي لأميركا، حليفا استراتيجيا في هذه المرحلة، والذي أسفر عن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض في ديسمبر/ كانون الأول الحالي.
وبعيداً عن الخيارات التي ستلجأ إليها السعودية في تعزيز وسائل حماية أمنها القومي، بما في ذلك علاقتها بحلفائها الدوليين، فإنها، في كل الحالات، مستفيدة من بقاء اليمن مصدر تهديد، ومن ثم دعم وصايتها السياسية وأشكال تدخلها العسكري إلى امتيازات إشرافها على الممرّات اليمنية.
في المقابل، تقارب أميركا، والقوى الدولية الأخرى، الوضع في اليمن من منطلق استثمار مخاوف السعودية لصالحها، ومن ثم تحرص على بقاء اليمن حالة أمنية، إلى جانب الأطراف المحلية وحلفائها الإقليميين.
تنشط قوى دولية وإقليمية متعدّدة في المنافذ البحرية والمضائق والسواحل اليمنية، وذلك تحت ذريعة تأمين الملاحة العالمية ومواجهة الأعمال العدائية التي تستهدف حركة التجارة.
إلى جانب مراقبة تنفيذ القرارات الأممية في ما يخصّ اليمن، وتحديداً حظر الأسلحة، أي إعاقة تدفق شحن الأسلحة الإيرانية لوكيلها في اليمن، جماعة الحوثي، وتضطلع القوات البحرية الأميركية من خلال أسطولها بالمهام العسكرية في الإشراف على المنافذ البحرية.
وذلك باعتبارها القوة العالمية التي تحمي المصالح التجارية العالمية، إلى جانب البحرية البريطانية، فضلاً عن حضور عسكري للسعودية والإمارات بموجب تدخلهما في اليمن.
وتشمل السواحل اليمنية والمنافذ البحرية نطاقات جغرافية واسعة متعدّدة تختلف من حيث القوى المحلية التي تخضع لسلطتها، حيث تشرف سلطة المجلس الرئاسي اسمياً على الأقل على سواحل خليج عدن وبحر العرب وحتى جزيرة سقطرى في المحيط الهندي.
إلا أن المعطيات تؤكّد غياب قوة عسكرية وأمنية موحّدة تتبع لسلطة المجلس الرئاسي، تراقب المنافذ البحرية، إذ تختلف طبيعة القوى الأمنية والعسكرية باختلاف السلطات المحلية وولاءاتها، وإن هيمن على بعضها المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات.
ومع محدودية النشاطات العدائية في خليج عدن، تبعاً لبلاغات البحرية البريطانية التي غلب عليها الإعلان عن قوارب تهريب المهاجرين الأفارقة، فإن بحر العرب، بما في ذلك خليج عُمان، ظل ساحة مفتوحة لنشاطات متعدّدة تحكمها صراعات القوى الإقليمية والدولية.
فإضافة إلى الهجمات التي طاولت سفنا نفطية قبال سواحل عُمان في الأعوام الأخيرة، والذي دفع بريطانيا إلى تكثيف وجودها العسكري في مدينة المهرة اليمنية، فإن إيران تحضر من خلال بحريتها للحفاظ على موقع متقدّم قرب السواحل العُمانية لتأكيد نفوذها الإقليمي في مواجهة السعودية وأميركا في المقام الأول، التي هي الأخرى تعمل على تقييد النشاط الإيراني.
وذلك بإعلان الأسطول الأميركي إحباط سفن أسلحة إيرانية مهرّبة متجهة إلى جماعة الحوثي في اليمن، واتهام إيران بخرق حظر الأسلحة، إضافة إلى تصاعد هجمات جماعة الحوثي على موانئ تصدير النفط في حضرموت وشبوة، وهو ما يضاعف من مخاطر تأمين هذه الممرّات، من جهة أخرى.
وفي سياق استفادتها من وضعها قوة حماية، فإن أميركا إلى جانب بريطانيا، تستثمران ذلك، ليس فقط في تتبع النشاط الإيراني، ومن ثم توظيفه في علاقتها مع السعودية، بل في تقييد نشاط روسيا، أي تنفيذ العقوبات الاقتصادية، وتحديدا بيع النفط الروسي، إلى جانب مراقبة النشاط الصيني.
في المقابل، ضمنت السعودية، من خلال تدخلها وسلطة وكلائها، التمركز في المنافذ البحرية في جنوب اليمن في مناطق لا تتقاطع مع دعاوى أمنها القومي، إلى جانب الإمارات التي تتمركز في جزيرة سقطرى التي توليها أهمية كبيرة في سياق مشروعها التوسّعي في السواحل والموانئ اليمنية.
إلى ذلك، يبدو وضع السواحل اليمنية الغربية، بما في ذلك المنافذ الاستراتيجية، أكثر تعقيداً، سواء في السياق المحلي أو الإقليمي والدولي، ففي حين تشرف جماعة الحوثي التي تسيطر على مدينة الحديدة على جزء من السواحل الغربية.
بما في ذلك ميناء عيسى، فإن قوات العميد طارق محمد عبد الله صالح، المدعومة من الإمارات، تشرف على مدينة المخا، وكذلك على باب المندب، أهم الممرات التجارية العالمية.
ومع أن اتفاقية استوكهولم قد فرضت ترتيب وضع خاص لمدينة الحديدة ومينائها، فإن السلطة ظلت تخضع لجماعة الحوثي، إلى جانب أن إعادة تموضع قوات طارق في نهاية العام الماضي مكّن الجماعة من التمدّد في بعض المناطق غربا، حيث استطاعت جماعة الحوثي توظيف تمركزها في السواحل الغربية في صراعها ضد خصومها المحليين والإقليميين، من خلال استهداف سفن تجارية ومدنية بالألغام البحرية.
وإذا كان تشكيل الجماعة قوة بحرية في الأشهر الأخيرة يصعد من التحدّيات في منطقة البحر الأحمر مستقبلاً، فإن الحالة السياسية لهذه المنطقة الاستراتيجية يغذّي من حالة الصراع واستمراره، وذلك لتعدّد الدول المطلّة على البحر الأحمر وتباين أوضاعها الداخلية وتحالفاتها الإقليمية، بما في ذلك أولوياتها الأمنية.
فإلى جانب حرص القوة الإقليمية الرئيسية في البحر الأحمر، كالسعودية ومصر، على عقد تحالفاتٍ لتثبيت مركزهما السياسي، فإن تنامي النفوذ الإسرائيلي يمثل خطرا مضاعفا.
وذلك سواء بإقامة علاقات مع بعض الدول العربية، أو من خلال استغلال الأنظمة الموالية لها في منطقة القرن الأفريقي، لإعادة التحالفات في منطقة البحر الأحمر لصالحها، وإن أتى كالعادة تحت ذريعة مواجهة إيران.
فضلا عن الإمارات التي تتمركز من خلال سلطة وكيلها العميد طارق في باب المندب، بما في ذلك توقيعها اتفاقية مع السلطة السودانية لتمويل إنشاء ميناء جديد على البحر الأحمر.
وفي دولة كاليمن، تطلّ على أهم السواحل البحرية والمنافذ من مضيق باب المندب على البحر الأحمر إلى بحر العرب وخليج عدن، فإن بقاءها حالة أمنية يضمن مصالح الأوصياء وأدواتهم.
مصدر: إمارات ليكس