تحشيد سعودي لحماية «المعقل الأخير»
يبدو أن سخونة جبهات القتال في مأرب، واستشعار القيادة السعودية قرب سقوط المدينة، والاستهداف المتكرّر لمطار أبها الدولي جنوب البلاد، كلّها عوامل بدأت تُثقل ظهر القيادة السياسية للمملكة. وتسعى الرياض، بكلّ إمكاناتها، لمنع سقوط مأرب، لما سيكون لذلك من تداعيات كبرى على مسار الحرب. وهي مساعٍ يساندها فيها المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، الذي لا يكاد يوفّر فرصة إلّا وينتهزها، سواءً في إطلاق المبادرات المجتزأة أو المواقف المطالبة بوقف إطلاق النار في مأرب والتي تتماهى مع المواقف السعودية في هذا الإطار. غير أن صنعاء لا تزال ترفض التسويات المنقوصة، باعتبارها لا ترقى حتى إلى مستوى الحلول الوسط، من قبيل رفع الحصار الاقتصادي وفتح المعابر الجوية والبحرية، مشترطةً لقبولها وقف العمليات في مأرب تقديم رؤية شاملة وكاملة لوقف الحرب.
ويرى المطّلعون على العقلية السعودية صعوبة في تراجع الرياض عن سياساتها في أيّ من الملفات المفتوحة، خصوصاً في اليمن. كما لا يمكن التعويل على النوايا الحسنة أو الإشارات الإيجابية التي تصدر من حين إلى آخر عن المملكة؛ كونها تستهدف شراء الوقت أو الانحناء مؤقتاً لتمرير العاصفة، على رغم فداحة المأزق الذي تعيشه الرياض، والذي ينطق به بيان الخارجية السعودية الصادر عشية ذكرى مرور ألفَي يوم على اندلاع العدوان، إذ ناشد البيان المجتمع الدولي «الضغط على الحوثيين لوقف هجماتهم بالصواريخ والطائرات المسيّرة». وهي مناشدة تستبطن، بحسب مراقبين، استجداء التدخّل لإخراج المملكة من الوحول اليمنية، علماً أن الناطق السابق باسم «التحالف»، أحمد عسيري، كان قد أعلن، في الأيام الأولى للعدوان، أن نظامه قضى على 95% من ترسانة اليمن الصاروخية.
على أنّ التطوّرات العسكرية الأخيرة ليست وحدها مثار قلق مضاعف لدى السعودية. إذ كلّما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية تزداد خشية الممكلة من انكفاء إدارة دونالد ترامب عن الملفات الخاسرة في المنطقة، الأمر الذي من شأنه إضعاف موقف الرياض. وعلى رأس تلك الملفات، تأتي حرب اليمن التي يَتجنّب الرئيس الأميركي الخوض فيها لوجود مزاج رافض لها داخل بلاده. لكن، حتى على مستوى الدول المنخرطة – ظاهرياً أقلّه – في «التحالف»، والتي أجرى معها وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، أمس، جولة مباحثات هاتفية، لم تحصل الرياض على أكثر من الشجب والإدانة لهجمات «أنصار الله»، وتجديد الدعم الكامل لـ«التحالف»، كما جاء في بيان للخارجية المصرية. يضاف إلى ما تَقدّم، أن الوضع في جنوب اليمن يبقى مقلقاً للقيادة السعودية التي فشلت حتى اللحظة في تطبيق «اتفاق الرياض» – بنسخته المعدّلة – الذي رعته مع حليفتها أبو ظبي.
كلّما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية تزداد خشية المملكة من انكفاء إدارة ترامب
لا يجد النظام السعودي، إزاء تلك التطوّرات، سوى تكثيف الغارات الجوية على المدن اليمنية، وأبرزها العاصمة التي تَعرّضت في الأيام الماضية لسلسة ضربات في جولة من التصعيد المتوقّع في مثل هذه الحالات، بغية زيادة الضغط على القيادة السياسية في صنعاء. وهو تصعيد يترافق مع ترويج وسائل إعلام المملكة، نقلاً عن المبعوث الأممي، قرب انطلاق مفاوضات في جنيف بشأن الحلّ السياسي الشامل في اليمن. إلا أن القيادي في «أنصار الله»، عضو وفدها المفاوض عبد الملك العجري، نفى عقد مشاورات سياسية في سويسرا خلال الفترة المقبلة، مؤكداً أنه لا يوجد أيّ تقدّم على هذا المستوى، موضحاً أن ما يجري هو لقاء بين ممثلي ملف الأسرى لدى الوفدَين فقط.
يغيب الملف اليمني عن متابعة القيادة السياسية في السعودية بشكل علني، لا سيما في السنة الماضية، فيما يملأ الفراغَ عادةً السفيرُ السعودي في اليمن، محمد آل جابر، في لقاءاته مع الوكلاء اليمنيين، وفي استقباله ضيوفاً بدرجة سفراء، في مقدّمهم سفراء دول مجلس الأمن المقيمون في الرياض وجدة، فضلاً عن مندوبي الأمم المتحدة. على أن هذه اللقاءات تبقى في الإطار البروتوكولي. أما التطوّر الفارق الذي برز في الآونة الأخيرة، فهو إقالة رئيس «القوات المشتركة» لـ«التحالف»، فهد بن تركي بن عبد العزيز، وإحالته على التحقيق بتهمة الفساد. رُبطت هذه الخطوة بالصراع القائم على العرش السعودي، وخشية وليّ العهد، محمد بن سلمان، من احتمال انقلاب أبناء عمومته عليه، إذا ما امتلك أحدهم المقدرة على ذلك، خصوصاً أن منصب فهد (سابقاً) يمثّل مصدر تهديد في حال تمرّد صاحبه على أسياده. وما يعزّز تلك القراءة هو تعيين خَلَف لفهد من خارج الأسرة الحاكمة، وهو نائب رئيس الأركان اللواء مطلق الأزيمع. على أنه يبقى ثمة رأي في الأوساط العسكرية المتابعة بأن الإقالة والإحالة على التحقيق مردّهما فعلاً قضايا الفساد المستشري في مفاصل مهمّة في الجيش السعودي، والمهيمن على جيش ما يسمى «الشرعية»، بالشراكة بين الطرفين.
الاخبار اللبنانية