تحذيرات من دعوات “تسهيل الهجرة”.. تنفيذ لمخطط الاحتلال وتصفية للقضية
في الوقت الذي يمارس فيه الاحتلال الإسرائيلي إبادته الجماعية لسكان قطاع غزة على مدار الساعة، تظهر على الساحة دعوات تختلط فيها الأهداف، بين السعي إلى إيجاد حلول إنسانية للمحاصرين والذين يواجهون الموت بكل أشكاله، وبين تنفيذ المخطط الإسرائيلي بتهجير سكان غزة بأشكال ملتوية بحجج تبدو في ظاهرها إنسانية أيضًا.
فخلال الفترة القليلة الماضية ظهرت حملة مكثفة ومنظمة على وسائل التواصل الاجتماعي تروج للسفر إلى خارج غزة، مستخدمة معلومات مغلوطة، ومعتمدة على شائعات كاذبة تهدف لطمأنة سكان غزة إلى صحة الإجراءات المراد لهم اتخاذها للسفر إلى خارج غزة عبر مطار رامون، وتكون الوجهة إلى دول متعددة.
الدعوات برز لترويجها شخصيات جدلية ليست بعيدة عن الاتهام بالتعاون مع الاحتلال لتحقيق أهدافه ولكن بمسميات أكثر براءة من مصطلح “تهجير”، وذلك بعد أن لم تثمر دعوات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل سكان غزة إلى مكان آمن يتمتعون فيه برغد العيش بعيدًا عن الحروب والتجويع، وكذلك بعد أن فشلت آلة القتل الإسرائيلية وحرب الحصار في إجبار الفلسطيني على ترك أرضه، لتظهر هذه الدعوات على أنها قارب إنقاذ إنساني يحمل شراعًا وطنيًّا.
صبيان نتنياهو
على هذه الظاهرة، يُعلّق الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا بقوله: “الحديث المتكرر عن “تسهيل الهجرة” من غزة تحت غطاء إنساني، ليس بريئًا، بل هو امتداد لمحاولة تصفية القضية وسحب المواطنين من أرضهم، خطوة بخطوة”.
ويضيف القرا أن “اللغة واحدة، والسردية واحدة، وكأنهم تلقّوا نصًا موحّدًا من جهة واحدة”، مشيرًا إلى أن الأكثر استفزازًا، أولئك الذين عاشوا في غزة، وخرجوا بتدخل مخابراتي معروف، ثم كشروا عن أنيابهم حين شعروا بالأمان.
وقال القرا: “ليست المشكلة في سفر أصحاب الحاجة والضرورات، وبقنوات واضحة ومعروفة، لكننا أمام حملة منسّقة يقودها “صبيان نتنياهو”، للنيل من صمود الناس والتحريض على التهجير المنظم”، مشددًا على أن من يتجنّد لتسويق الهجرة كحل، هو شريك في نزع الناس من أرضهم، وإن تخفّى خلف شعارات الرحمة وحقوق الإنسان.
أيادي الموساد
نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي وصفوا هذه الظاهرة بأنها نوع “من التواصل مع الموساد والمخابرات وأعوانهم”؛ حيث قالت “Nisreen Razayna” في منشور لها على فيسبوك: “انتشر بين أهالي غزة رقم المحامي الإسرائيلي يورام يهودا صاحب مكتب محاماة في تل أبيب”، موضحة أن أكثر من شخص من داخل غزة وخارجها حاولوا الاتصال مع صاحب الرقم للاستفسار عن الهجرة الطوعية، ليتبين أن عدة أشخاص (يتحدثون باللغة العربية)، يجيبون على نفس الرقم.
وأشارت إلى أنه لوحظ أن المتحدث يتوجه بعدة أسئلة للمتصل تتعلق باسم الشخص ورقم هويته، وأسماء الجيران والعائلات المحيطة بالمتصل، مرجحة أن المتحدث يتبع لجهاز الموساد الإسرائيلي.
ولفتت Razayna إلى أن المحامي يورام يهودا هو محام متخصص في قضايا الطلاق والأسرة ولا علاقة له بقضايا تسريب الأراضي بالقدس.
أما الناشط Hatem Abu Shammala فيرى أن القصة ليس بالهجرة حتي لو وصل العدد 500 ألف، موضحًا أن مكمن الخطورة في التوكيل؛ حيث إنه من يخرج عن طريق الصهاينة، يحرر توكيلاً، وبهذا يتنازل عن ملكية بيته في غزة، ويقوم بالتوقيع على تنازله عن حق العودة والتعويض، ويفقد رقم هويته الوطنية، وبهذا يتحول إلى “نازح”.
ونبّه Abu Shammala إلى أن هذا الأمر مختلف عن الذين سافروا إلى مصر أو أي دولة أخرى من خلال مصر، مشيرًا إلى أن المشكلة الكبرى ليست في عدد من يخرجون من غزة، ولكن في الجهل المترتب على الهجرة والتوقيع على النزوح.
دعاية مسمومة
بدوره أكد المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة أن شائعات الهجرة من قطاع غزة ما هي إلا جزء من حملة خبيثة يقودها الاحتلال “الإسرائيلي” لزعزعة صمود شعبنا وضرب وعيه الوطني، محذرًا من خطورة الانجرار خلف هذه الدعاية المسمومة.
وقال الإعلامي الحكومي في بيان له اليوم الاثنين: “نتابع ما تم تداوله مؤخرًا عبر بعض وسائل التواصل الاجتماعي من منشورات ومعلومات مُضللة تتعلق بترتيبات مزعومة للهجرة الجماعية من قطاع غزة؛ حيث يتولى ذلك شخصيات جدلية بالتعاون مع جهات خارجية، وتروج لسفر العائلات الفلسطينية عبر مطار “رامون” إلى دول مختلفة حول العالم”.
وشدد على المكتب بشكل قاطع أن هذه المعلومات عارية تمامًا عن الصحة، وهي جزء من حملة خبيثة وممنهجة تهدف إلى زعزعة صمود شعبنا الفلسطيني، والنيل من وعيه الوطني، ودفعه نحو الهجرة القسرية تحت ضغط المعاناة والحرب.
أكد أن من يقف خلف هذه المنشورات بالدرجة الأولى الاحتلال “الإسرائيلي”، وتروج لها حسابات وهمية أو حسابات مغرضة أو حسابات تعرضت للتضليل أو أشخاص لا يمتلكون معلومات صحيحة، فيستخدمون وثائق مزيفة ونماذج توكيل قانوني لا قيمة لها، ويروجون لوهم الاحتلال بما يطلق عليه “الهجرة الآمنة” التي يتكفل الاحتلال بتمويلها، في محاولة لتجميل الوجه القبيح لمخططات التهجير الجماعي، التي فشل الاحتلال في فرضها بالقوة، ويسعى اليوم لتمريرها بأساليب ناعمة مكشوفة.
تحقيق حلم (إسرائيل)
وحذر المكتب -في بيانه- أبناء شعبنا الفلسطيني العظيم من خطورة الانجرار خلف هذه الدعاية المسمومة التي تخدم هدفًا استراتيجيًّا صهيونيًّا واضحًا يحلم به الاحتلال منذ عقود طويلة، يتمثل في تفريغ الأرض من سكانها الفلسطينيين الأصليين، وتحقيق حلم “إسرائيل”.
ونبه إلى ضرورة عدم تداول أرقام هواتف ومعلومات مشبوهة تُنشر ضمن هذه الحملات، داعيًا المواطنين إلى الحذر الشديد واليقظة التامة، “فبعض هذه الأرقام تُستخدم كأدوات تجنيد وتواصل أمني، بهدف إسقاط الشباب الفلسطيني بعد فشل الاحتلال “الإسرائيلي” في اختراق نسيجنا الوطني المقاوم”.
وتابع بيان الإعلامي الحكومي: “إن الهجرة من الوطن في ظل الاحتلال ليست خيارًا آمنًا، بل هي فخ مغلف بالوعود الكاذبة، تقود إلى الاستدراج والاعتقال والتحقيق أو الإعدام والقتل المباشر، خصوصًا عند التنقل عبر المناطق الحساسة أو خارج الأطر القانونية والرسمية”.
وأكد أن الحالات القليلة التي غادرت قطاع غزة مؤخرًا، معلومة تمامًا، وهي من فئة المرضى والجرحى الذين أتموا إجراءات السفر لتلقي العلاج في الخارج عبر معبر كرم أبو سالم، وليسوا مُهاجرين، وما يُشاع خلاف ذلك هو كذب متعمد وتحريف للوقائع.
“فلسطين ليست للبيع”
ودعا البيان أبناء شعبنا الفلسطيني إلى عدم الانسياق خلف الشائعات والمعلومات الزائفة وعدم المساهمة في ترويجها، وإلى إبلاغ جهات الاختصاص بشكل فوري عن أي جهة مشبوهة تحاول استغلال حاجة الناس أو الإيحاء بقدرتها على ترتيب “هجرة قانونية، كما دعا إلى التواصل مع الجهات المختصة للتأكد من أي معلومات، أو لطلب مساعدة ذات علاقة.
وأكد المكتب انه لا تهاون مع كل من يثبت تورطه في ترويج هذه الأكاذيب والشائعات، أو التواصل مع جهات معادية لشعبنا الفلسطيني، حفاظًا على أمن المجتمع وسلامة نسيجه الوطني.
واختتم البيان بالتأكيد على أن “فلسطين أرض مقدسة، وهي ليست للبيع، وشعبنا الفلسطيني العظيم لن يُقتلع من هذه الأرض، والرباط فيها شرف ومقاومة، والهجرة منها وهم قاتل”.
مخططات معلنة
ويجدر بالذكر أن المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر، قد وافق بتاريخ السبت 22 من مارس، على مقترح تقدم به وزير حرب الاحتلال، يسرائيل كاتس، بإنشاء “وكالة خاصة للهجرة الطوعية لسكان قطاع غزة” إلى دولة ثالثة.
ووفقًا لبيان صادر عن وزارة الحرب الإسرائيلية، فإن مهمة الوكالة الجديدة ستتمحور حول “تمكين الانتقال الأمن والخاضع للمراقبة لسكان قطاع غزة إلى دولة ثالثة، بما في ذلك تأمين حركتهم وإنشاء مسار انتقال وفحص أمني للمشاة في المعابر المحددة في قطاع غزة، بالإضافة إلى تنسيق إنشاء البنية التحتية التي تسمح بالمرور برا وبحرا وجوا إلى بلدان الوجهة”، وقال كاتس حينها: “إن إنشاء الوكالة يأتي تنفيذا لمقترح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب”.
وشددت جماعات حقوقية، منها منظمة هيومن رايتس ووتش، على أن “أي تهجير جماعي لسكان غزة في خضم حرب مدمرة سيرقى إلى تصعيد خطير للنزوح القسري والتطهير العرقي بحق الفلسطينيين في غزة”.
ويحظر القانون الإنساني الدولي “التهجير القسري الدائم لسكان الأراضي المحتلة”.
المركز الفلسطيني للإعلام