تجدُّدُ جرائم إحراق المصحف الشريف في أُورُوبا: حربٌ مفتوحةٌ على الإسلام
تتواصَلُ جرائمُ الإساءة للمقدَّسات الإسلامية، والاعتداء على حُرمةِ المصحف الشريف في أُورُوبا، برعاية رسمية من بعض الحكومات، حَيثُ أقدم متطرفون في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، الاثنين، على إحراق نسخة من القرآن الكريم، وذلك بعد أَيَّـام قليلة من إساءَات مماثلة شهدتها الدنمارك والسويد، في الوقت الذي تتصاعد الدعوات في العالم الإسلامي؛ لاتِّخاذ إجراءاتٍ صارمة ورادعة بحق الدولتين، والتصدي للحرب المفتوحة التي يشنها الغرب على الإسلام؛ وهي حرب يواصل الشعبُ اليمني تأكيدَ موقعه المتقدم في مواجهتها، من خلال حِراكٍ جماهيريٍّ مُستمرٍّ يستنفرُ الساحةَ الإسلامية بأكملها؛ لخوض هذه المواجهة المقدسة.
استمرارُ جرائم إحراق المصحف:
وقالت وكالةُ “رويترز” للأنباء: “إن متطرفين أقدموا، الاثنين، على إحراق نسخة من المصحف الشريف في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، أمام مبنى السفارة العراقية”، مشيرة إلى أن “هؤلاء المتطرفين ينتمون إلى جماعة تسمي نفسها “الوطنيين الدنماركيين” وكانت قد قامت بجريمة مماثلة الأسبوع الماضي”.
وسمحت السلطات الدنماركية والسويدية قبل أَيَّـام لمتطرفين بإحراق نُسَخٍ من المصحف الشريف، تحت عنوان “حرية التعبير”؛ الأمر الذي آثار ردودَ فعل غاضبةً على الساحة الإسلامية، حَيثُ أعلن العراق قَطْعَ العلاقات الدبلوماسية مع السويد ومقاطعتها اقتصاديًّا، بعد أن أضرم متظاهرون غاضبون النارَ في مبنى السفارة السويدية في بغداد، فيما غادرت السفيرةُ السويدية لبنانَ إثر احتجاجات غاضبة أَيْـضاً.
وكانت صنعاء قد تصدَّرت مشهدَ ردود الفعل الإسلامية على جرائم إحراق المصحف الشريف، عندما أعلن قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي مقاطَعَةَ السويد دبلوماسيًّا، وإبلاغها بعدم إمْكَانية استضافتها لأية مشاورات قادمة؛ توازيًا مع إعلان وزارة التجارة والصناعة عن مقاطَعةٍ اقتصاديةٍ شاملة للمنتجات والوكالات التجارية السويدية.
وتوسّعت دائرةُ ردود الفعل مع تكرار جرائم الإساءة للمقدسات الإسلامية، خلال الأيّام القليلة الماضية، حَيثُ أعلنت إيران أنها لن تستقبل السفير السويدي الجديد في طهران، وأنها لن تعيّنَ سفيرُا لها في ستوكهولم، فيما استدعت العديد من الدول العربية والإسلامية سفراء السويد لديها؛ للاحتجاج على السماح بجرائم إحراق نسخ المصحف الشريف.
حربٌ مفتوحةٌ على الإسلام:
وبرغم أن ردود الفعل التي تضمنت احتجاجاتٍ شعبيّةً غاضبةً في عدد من بلدان العالم الإسلامي، قد أوصلت رسائلَ مهمةً دفعت الحكومة السويدية عند نقطة معينة إلى إدانة إحراق المصحف الشريف، إلا أن الجرائم لم تتوقف بل تصاعدت وتوسعت رقعتها إلى الدنمارك التي تمتلك أَيْـضاً تأريخًا عدائيًّا فيما يتعلَّقُ بالموقف من المقدسات الإسلامية.
تكرار هذه الجرائم -برغم ردود الفعل الغاضبة في العالم الإسلامي- أكّـد بوضوح أن المسألة من بدايتها مسألة حرب ممنهجة ومتعمدة ضد المقدسات الإسلامية، ولا علاقة لها بالعناوين التي تروجها الحكومات الأُورُوبية كعنوان “حرية التعبير” الذي سبق أن انكشف زيفُه تجاه الكثير من القضايا الإنسانية، كانتقاد الصهيونية وإدانة جرائمها الوحشية وسياساتها العدائية تجاه الشعوب.
وكان قائدُ الثورةِ، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، قد أكّـد في وقت سابق أن جرائمَ الإساءة للمقدسات الإسلامية، تأتي برعاية من اللوبي الصهيوني المسيطِر على قرار الحكومات الغربية؛ وهو ما يؤكّـدُه تكرارُ الجرائم اليوم، إذ بات واضحًا أن هدف الاستمرار بالاعتداء على المصحف الشريف أكثرُ أولويةً لدى حكومتَي السويد والدنمارك من تفادي التداعيات الاقتصادية والدبلوماسية التي قد تترتب على ذلك؛ الأمر الذي يعني أن المسألة متعلقة باستهداف الإسلام وليس بأية عناوين أُخرى؛ وهو ما يمكن التعبير عنه بحرب معلَنةٍ ضد الإسلام.
الشعبُ اليمني يتصدَّرُ المشهدَ الجماهيري الإسلامي:
فيما يرجع الكثيرون تكرارَ جرائم الإساءة للمقدسات الإسلامية إلى غِيابِ رَدِّ الفعل المطلوب من جانب دول العالم الإسلامي، التي لا زال معظمها يرفُضُ تجاوُزَ حاجز استدعاء السفراء أَو يكتفي بإصدار بيانات إدانة واستنكار، فَــإنَّ الخطوات العملية التي أعلنتها بعض الدول، لا زالت مرشَّحةً للتصاعد، ومرشحة لأن تشكل ضغطًا على بقية الحكومات للتحَرّك، كما أن ردود الفعل الجماهيرية في العديد من الدول الإسلامية مرشحة أَيْـضاً للتصاعد نحو الضغط على الحكومات؛ لاتِّخاذ مواقف رادعة نصرة للمقدسات الإسلامية.
ومثلما كان اليمن سبَّاقًا إلى إعلان مواقفَ رسمية عملية؛ للرد على جرائم إحراق المصحف الشريف في السويد، فَــإنَّ الشعب اليمني لا يزال يتصدر المشهد الجماهيري على مستوى العالم الإسلامي في التفاعل المُستمرّ والمتصاعد من الإساءَات المتواصلة للمقدسات الإسلامية.
وفي هذا السياق، شهدت العاصمة صنعاء، الاثنين، خروجاً جماهيرياً كَبيراً، طالب حكوماتِ العالم الإسلامي بالتنسيق لاتِّخاذ خطوات عملية رادعة ضد الدول التي تتبنى الحربَ على الإسلام، وعلى رأسها السويدُ والدنمارك، كما طالب بتقديم مرتكِبِي جرائم الإساءة للمقدسات الإسلامية إلى العدالة لينالوا العقابَ.
هذا الزخم المُستمرُّ للغضب الشعبي في الشارع اليمني إزاء الجرائم الغربية المعادية للإسلام من شأنه أن يستنفر الساحة الجماهيرية في العديد من دول العالم الإسلامي؛ للخروج والضغط على الحكومات لاتِّخاذ مواقفَ عملية رادعة، كما حدث في العراق.
وكانت وزارة الخارجية في حكومة الإنقاذ قد دعت، مساء الأحد، الدول العربية والإسلامية إلى “اتِّخاذ خطوات ملموسة وفاعلة من خلال فرض مقاطعة اقتصادية على المنتجات السويدية والدنماركية”؛ رَدًّا على استمرار جرائم إحراق المصحف الشريف.
توحيدُ الموقف الإسلامي ضرورةٌ تاريخيةٌ ملحة:
في تناوله لجرائم الإساءة للمصحف الشريف، أشار سماحة الأمين العام لحزب الله اللبناني، السيد حسن نصر الله، في وقت سابق هذا الأسبوع، إلى أن هذه الجرائمَ من المرجَّح أن تستمرَّ إذَا كان وراءها الموسادُ الصهيوني، مؤكّـداً على ضرورة المواكبة بمواقف قوية.
تكرارُ وتصاعدُ جرائم إحراق المصحف خلال الأيّام الماضية يؤكّـدُ صحةَ هذه القراءة؛ وهو ما تتطرق إليه بوضوح الدعوات المتصاعدة في اليمن وغيرها لتنسيق إسلامي يردع دول الغرب الخاضعة لسيطرة اللوبي الصهيوني عن تصعيد جرائمها.
وهذه القراءة تعني أن الساحة الإسلامية ستشهدُ المزيد من ردود الفعل الرسمية والشعبيّة الغاضبة خلال الفترات القادمة؛ فحتى إن لم تغادر بعض الدول مربع الإدانة والاستنكار على المستوى الرسمي، فَــإنَّ السقفَ الذي يمكن أن تصل إليه الاحتجاجات المواكبة لجرائم الإساءة يمكن أن يرتفعَ بشكل مفاجئ حتى بالنسبة لحكومات هذه الدول نفسها.
ويعني ذلك أن الحاجةَ إلى توحيدِ الجبهة الإسلامي اليوم يُعتبَرُ ضرورةً تاريخيةً؛ لتحقيق نتيجة مؤثرة سيترتب عليه وضع حَــدٍّ للهجمة الغربية العدائية تجاه الإسلام، وقد يترتب على التنصل عن هذا الموقف نتائجُ سلبية كبيرة، سواء على مستوى الصراع مع المشروع الغربي المعادي، أَو حتى على مستوى الاستقرار الداخلي للعالم الإسلامي نفسه.
المسيرة