تبدُّد الرهان السعودي: لا تجفيف لمصادر دخل «أنصار الله»
مع إلغاء إدارة جو بايدن، اليوم، تصنيف «أنصار الله» منظّمة «إرهابية»، يتبدّد رهان السعودية والحكومة اليمنية الموالية لها على تجفيف مصادر دخل «أنصار الله». يأتي ذلك على رغم أنهما بذلتا جهوداً كبيرة للإبقاء على التصنيف، الذي لا تجد الإدارة الجديدة مصلحة في بقائه، في ظلّ سعيها إلى نفض يدها من حرب اليمن
صنعاء | على وقع الهجمات اليمنية المتواصلة بالصواريخ الباليستية والطيران المُسيَّر على مطار أبها و»قاعدة الملك خالد الجوية» في جنوب السعودية، تُلغي إدارة الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، اليوم الثلاثاء، رسمياً، تصنيف حركة «أنصار الله» في قائمة «الجماعات الإرهابية»، بعدما أشعرت الكونغرس بقرارها ذاك، الذي من شأنه إصابة السعودية وحكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، بخيبة أمل كبيرة. صحيح أن الخطوة تستهدف، بحسب قيادة صنعاء، تحسين صورة الولايات المتحدة التي ازدادت قتامةً بفعل الجرائم المرتكَبة في اليمن، إلا أنها تُفقد حكومة هادي ورقة علّقت عليها الآمال في تجفيف مصادر دخل «أنصار الله»، والانتقام من عشرات الشركات التجارية العاملة في المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة الإنقاذ بتهمة «التعاون مع الحوثيين».
وكان وزير خارجية هادي، أحمد عوض بن مبارك، وهو سفيره السابق في واشنطن، قد دفع بثقله الدبلوماسي لإقناع الخارجية الأميركية بضرورة الإبقاء على التصنيف. كما لجأ إلى جماعات ضغط في الولايات المتحدة للاستعانة بخدماتها على هذا الصعيد مقابل ملايين الدولارات. وبحسب مصادر استخبارية، فإن بن مبارك وجّه، أيضاً، كلّ سفارات اليمن في الخارج للعمل في اتّجاه مناهض لإعادة النظر في القرار، فيما شُكّلت أربع فرق من عشرات الموالين للتحالف السعودي ــــ الإماراتي للتحريض على «أنصار الله» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً «تويتر»، حيث قوبلت تلك الحملات بأخرى مضادّة تحت وسم «أميركا تقتل الشعب اليمني».
ومنَح القرار الصادر عن إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في اليوم ما قبل الأخير من مغادرتها البيت الأبيض، حكومة هادي، فرصة كبيرة للنيل من خصومها في صنعاء. وعلى رغم تصاعد التحذيرات الدولية آنذاك من وجود مخاطرة بالأوضاع الإنسانية، عمدت تلك الحكومة، بتوجيهات من السفير السعودي محمد آل جابر، إلى إعداد عشرات القوائم التي تضمّنت أسماء أكثر من 300 شركة تجارية عاملة في صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة «أنصار الله» لتسليمها للجانب الأميركي، بالإضافة إلى أكثر من ألفَي اسم لرجال أعمال وسياسيين ونشطاء وقيادات عسكرية وأمنية وزعماء قبائل وصحافيين وشخصيات اجتماعية بتهمة «التعاون مع الحوثيين». وعلى مدى الأسابيع الماضية، شَكّلت حكومة هادي عدداً من اللجان، التي كَلّفت إحداها بإعداد خطّة طارئة للسيطرة على المساعدات الدولية كافة، وتحويلها إلى عدن (جنوب)، باستثناء بعض المساعدات الغذائية.
اعتزمت حكومة هادي استغلال القرار الأميركي لتشديد الحصار على ميناء الحديدة
كذلك، وتحت ذريعة التصنيف نفسه، شدّد «التحالف» وحكومة هادي حصارهما على ميناء الحديدة، بمنع دخول سفن المشتقّات النفطية إليه. ووفقاً لمصادر مقرّبة من حكومة هادي، فقد كان في نيّتها استغلال القرار الأميركي لمنع دخول أيّ سفن مُحمّلة بالمشتقّات النفطية إلى ميناء الحديدة، وإلغاء تصاريح التجّار المستوردين لمصلحة شركة النفط في صنعاء، ومراجعة التصاريح التي مُنحت لشركات ورجال أعمال ــــ يعملون في الاستيراد من الخارج للأسواق اليمنية ــــ خلال السنوات الماضية، فضلاً عن إعادة الأمل لتجّار نفط مقرّبين من مكتب هادي بالسيطرة على الحصّة السوقيّة لمبيعات النفط في المحافظات الشمالية.
فضلاً عمّا تقدّم، حاولت حكومة هادي، التي تتّهمها «أنصار الله» بالتسبّب بتكدّس السيولة المالية لأكثر من 1.8 تريليون ريال من العملة اليمنية المطبوعة من قِبَلها من دون غطاء نقدي خلال السنوات الماضية، استغلال قرار التصنيف الأميركي لفرض تلك العملة الممنوعة من التداول في نطاق الأسواق الواقعة تحت سيطرة «الإنقاذ». وبحسب مصادر مطّلعة، فإن حكومة هادي وجّهت، بموجب خطّتها التي أعدّها فريق مكوّن من وزارات التخطيط والمالية والتجارة والصناعة والنفط والمعادن في مدينة عدن، بتنفيذ قرارها السابق الرقم 49 لعام 2020، القاضي بربط أيّ واردات أساسية أو كمالية لصنعاء بتقديم طلب مسبق للبنك المركزي في عدن واستحصال موافقة المكتب الفني في «المجلس الاقتصادي الأعلى» التابع لها بهدف التحكّم بالسوق، وفرض ضرائب وجمارك مسبقة قبل استيراد أيّ سلعة.
وعقب فشل حكومة هادي في استهداف القطاع الخاص، الذي يقود العملية الاقتصادية والتجارية منذ ستّ سنوات، عبر قرار التصنيف الأميركي الذي كاد يتحوّل إلى سيف مصلت على عشرات البيوت التجارية اليمنية، لجأت السعودية، أواخر الأسبوع الماضي، إلى تقديم قائمة لمجلس الأمن الدولي تطلب تجميد حسابات 60 شركة يمنية عاملة في مجال تموين السوق المحلّي بالمواد الغذائية والأساسية من الأسواق الخارجية. ووفقاً لمصادر دبلوماسية مطّلعة، فإن هذا التوجّه يأتي تحت ذريعة التلاعب بالوديعة السعودية، بناءً على ما كشفه تقرير الخبراء الدوليين من فضائح فساد كبيرة يُتّهم بها مصرف عدن المركزي بقيمة 430 مليون دولار. وأكدت المصادر أن هناك إلحاحاً سعودياً على الدفع بمجلس الأمن لاتخاذ قرارات بتجميد حسابات تلك الشركات التي تستحوذ على نسبة 80% من السوق اليمني.
الاخبار اللبنانية