تأكيدات عسكرية وسياسية: لا “سلام” على مقاس رغبات العدو
هجوم مركّز على أرامكو وقواعد “الباتريوت” وأهداف حساسة في جيزان بـ11 صاروخاً وطائرة
عبد السلام: السلام يجب أن يكون للجميع وكل دعوة لا تتضمن رفع الحصار كلياً غير جادة
جدّدت صنعاءُ التأكيدَ على عدمِ جِدية “دعوات السلام” الدولية بشأن اليمن، وفي الوقت ذاته، جدّدت التأكيدُ عمليًّا على المضي في الخيارات العسكرية الاستراتيجية التي تحاول تلك “الدعوات” حماية النظام السعوديّ منها انطلاقاً من تصورات “انتقائية” تهدف لإعفاء الرياض من كلفة وتداعيات استمرار العدوان والحصار، والتي تتضاعف بشكل مُستمرٍّ مع تصاعد ضربات الردع، وخُصُوصاً تلك الضربات التي تستهدفُ المنشآت النفطية داخل المملكة، في ظل فشل كامل وفاضح للتقنيات والمنظومات الدفاعية الغربية التي باتت هي نفسُها تتعرض لضربات يمنية دقيقة ومدمّـرة.
التصورات “الانتقائية” للسلام مرفوضة
في تصريح جديد، قال رئيسُ الوفد الوطني وناطق “أنصار الله” محمد عبد السلام، أمس الجمعة: إن “أية دعوة للسلام لا تعتبر جادةً ما لم تتضمن رفعَ الحصار كليًّا”، وأضاف: “لم نلحظ بعد أية جدية لوقف العدوان، والدعوات الصادرة عن بعض الجهات الدولية في هذا الشأن تقدم تصوراً انتقائياً عن السلام بمنحه لدول العدوان ومنعه عن اليمن، فيما السلام للجميع أَو لا سلام”.
يأتي هذا بعدَ يومٍ من جلسة عقدها مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن قدم خلالها المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، إحاطة أعادت تقديم نفس التصور غير الواقعي لـ”السلام”، والذي يقتضي أن توقفَ صنعاء عملياتها العسكرية في مأرب، وضرباتها الصاروخية والجوية على العمق السعوديّ، بدون إيقاف العدوان ورفع الحصار في المقابل، مع التمسُّك بربط المِلف الإنساني كورقة للابتزاز والضغط؛ مِن أجلِ تحقيق هذا السلام “الانتقائي” واللا منطقي.
ومتمسكةً بهذا التصور أَيْـضاً، عادت الولايات المتحدة لاجترارِ الحديث عن “وقف إطلاق النار”، والدعوة لـ”محادثات سلام”، فقط بما يكفي لإيقاف العمليات ضد السعوديّة ومرتزِقتها، وبدون أن يكون وقف العدوان أَو إنهاء الحصار جزءاً من هذا “السلام”.
تصريحُ رئيس الوفد الوطني مثل ردًّا واضحًا، بأن الطريق الذي يصر السعوديّون والأمريكيون والأمم المتحدة على المضي فيه، لا يؤدي إلى أية نتيجة، وهو أمر قد تم إثباتُه سابقًا على طاولة النقاشات في مسقط.
هجوم صاروخي – جوي مركز على جيزان
الموقفُ السياسي لصنعاء جاء كعادته منسجماً مع الموقف العسكري، حَيثُ نفذت القواتُ المسلحة، أمس الأول، هجوماً صاروخياً وجوياً جديداً، استهدفت فيه شركة أرامكو ومواقعَ أُخرى في جيزان، بسبعة صواريخ بالستية نوع “بدر” و”سعير”، كما استهدفت قواعد منظومات “الباتريوت” في جيزان أَيْـضاً بأربع طائرات مسيّرة من نوع “صماد 3″ و”قاصف 2k”.
بهذه العملية جدّدت صنعاء التأكيد عمليًّا، ومن موقع قوة، على أن العدوّ لن يحظى بأي “سلام” على مقاساته هو فقط، وقد جاءت العملية قبل جلسة مجلس الأمن بساعات لإيصال هذه الرسالة إلى الأطرافِ الدوليةِ المنخرطة في صف العدوان، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي سارعت إلى “إدانة” الهجوم.
العمليةُ حملت مواصفاتِ وملامحِ المرحلة الراهنة والمتقدمة من الردع الاستراتيجي العابر للحدود، فعلى الرغم من أن الضربات تركزت في منطقة واحدة (جيزان)، وكانت عدد الذخائر المستخدَمة فيها أقلَّ مما كان في العمليات السابقة، إلا أن آثارَ هذه العملية ودلالاتها جاءت على نفس المستوى، بل إنها تميزت في جوانب أُخرى.
لم يكد العدوُّ السعوديّ يعلنُ عن “اعتراض” الطائرات والصواريخ حتى كان ناشطون سعوديّون قد بثوا مقاطعَ فيديو أظهرت حرائق كبيرة في أرامكو جيزان (ووثقت أَيْـضاً لحظة وصول بعض الصواريخ التي استطاع بعض المراقبين أن يميزوا منها ما بدا وكأنه صاروخٌ من نوع “بدر”؛ لأَنَّه انفجر على ارتفاع أمتار من الهدف).
تلك الحرائقُ مثّلت دلالةً واضحةً على أن مسار استهداف القلب النابض للاقتصاد السعوديّ لا زال مُستمرًّا وبوتيرة متصاعدة، وقد رأى محللون أن استخدام الصواريخ بدلاً عن الطائرات المسيرة في ضرب أرامكو يمثل تصعيداً، ويوجه إنذاراً للنظام السعوديّ بأن خياراتِ “تدمير” منشآته نفطية تتجه نحو مستوى أعلى.
من جهة أُخرى، أظهر استخدامُ طائرات “صماد3” في هذه العملية تصاعُدًا واضحًا في “شدة” مسار الردع، فهذه الطائرات بعيدة المدى وتستخدم غالبًا لضرب أهداف بعيدة على مديات تصل إلى 1500 كيلو متر، ودخولها على خط هجمات متوسطة المدى يمثل تطوراً لا يمكن تجاهله.
وكان لاستهداف قواعد منظومات “الباتريوت” في هذه العملية دلالات واضحة تجدّد التأكيد على أن القدرات العسكرية اليمنية قد كتبت نهاية هذه المنظومات التي يدفع النظام السعوديّ المليارات لأجلها، وتتولى قوات أمريكية مهمة تشغيلها واستخدامها، وخُصُوصاً في المناطق النفطية داخل المملكة.
وبالنظر إلى العملية من زاوية أشمل، فَـإنَّها تعبر عن تنوع مثير للإعجاب في الخيارات والآليات التي تمتلكها القوات المسلحة اليمنية، فبعد تنفيذ عمليات وصلت إلى الجبيل ورأس تنورة، تأتي هذه العملية لتترجم تصاعد قوة الردع ولكن بصيغة مختلفة تشمل دائرة النيران فيها منطقة واحدة قريبة مع تحقيق هيمنة كاملة على الأجواء وتوجيه ضربات عالية الشدة على أهداف متنوعة وحساسة، الأمر الذي يحقّق أثراً كَبيراً يوازي أثرَ تلك الضربات بعيدة المدى، وهذه الصيغة من الردع ما زالت قابلة للتصاعد؛ لأَنَّ بنكَ الأهداف داخل المناطق الجنوبية للمملكة ما زال ممتلئاً بالمواقع الحسَّاسة، وبالتالي على العدوّ السعوديّ أن يتوقع ضربات أقسى بأساليبَ مختلفة.
ويشيرُ هذا التنوعُ في أساليبِ تصعيدِ الردع إلى أن حساباتِ صنعاء العسكرية باتت تضم خططاً متعددة ومحكمة لفرض واقع جديد كليًّا يجعل العدوّ يبدو أكثر عجزاً مما هو عليه، وهو واقع تتحكم صنعاء وحدَها بتفاصيله ولا يمتلك العدوّ فيه إلا انتظار الضربة القادمة وتخمين أُسلُـوبها، لإعداد “الاستغاثة” المناسبة التي سيوجِّهُها للمجتمع الدولي.