بين مأرب والحديدة: أين مستقبل العدوان على اليمن؟
الحقيقة/شارل ابي نادر
في خضم المواجهة الدائرة في محيط مأرب، وبعد ان اكتمل تقريبا قوس الحصار على المدينة الأخيرة شمال اليمن، والتي ما زالت تحت سيطرة العدوان السعودي، وفيما الانظار شاخصة يمنيا وإقليميا ودوليا على هذه المواجهة، جاء الانسحاب اللافت لوحدات العدوان السعودي من محيط مدينة الحديدة الساحلية ومن بعض المناطق المحيطة بها، ليفتح باب التحليلات حول أسباب وابعاد هذا الانسحاب، خاصة ان تواجد العدوان في تلك المنطقة كلفه الكثير من الخسائر ومن الجهود، كونه يشكل عنصرا أساسيا من عناصر الحصار على اليمن، فكيف يتخلى عنه اليوم بهذه السهولة وبدون ضغط عسكري مباشر؟ وما هي المعطيات، الحالية او المستقبلية، والمرتبطة بهذا الانسحاب؟
لا بد من التطرق بشكل موضوعي ومجرد لأهمية وحساسية هذا الانسحاب، دون ربطه بداية بمعركة تحرير مأرب، حيث يشكل ( الانسحاب من محيط الحديدة) تغييرا شبه جذري في الموقف العسكري والاقتصادي والاستراتيجي في اليمن عامة، لارتباطه بالمرفأ الوحيد الذي ما زال يربط المناطق المحررة التي تقودها حكومة صنعاء بالعالم الخارجي، بالإضافة لما تشكله تلك المنطقة من أهمية ميدانية ، عسكرية واستراتيجية، بما لها من تأثير جدي على الموقف الإقليمي والدولي عبر الساحل الغربي لليمن، وامتداداً ـ عبر باب المندب ـ الى البحر الأحمر وشمال المحيط الهندي وخليج عمان ومضيق هرمز من جهة، وباتجاه الساحل الافريقي على البحر الأحمر مع قناة السويس وخليج العقبة، من جهة أخرى.
من هنا، ان يكون هذا الانسحاب خارج سياق الربط مع معركة مأرب، فان معطياته واهميته تفرض نفسها بقوة كما ذكر أعلاه، ولكن ان يرتبط الموضوع مباشرة بمعركة تحرير مأرب، في التوقيت الحساس الآن، وفي المكان لناحية وجهة القوى والوحدات المنسحبة او التي تم إعادة انتشارها، او في المهمة لناحية الدور الذي يمكن ان تلعبه، فان الامر يحمل الكثير من الاحتمالات، والتي يمكن الإضاءة عليها حسب التالي:
يبقى للانسحاب من محيط الحديدة والمتزامن مع معركة تحرير مأرب اكثر من بعد استراتيجي يثبت ويؤكد حتمية قرب انتهاء الحرب على اليمن
لا شك ان معركة مأرب ووضعية العدوان غير المتوازنة في تلك الجبهة الاستراتيجية حاليا، تفرض او تستدعي وبقوة، دعمها بعديد وبوحدات عسكرية، بهدف سد النقص في الانتشار الذي فرضته وحدات الجيش اليمني واللجان على ابواب مأرب، وفي كافة الاتجاهات تقريبا، وقد تكون تلك الوحدات المنسحبة، الاكثر امكانية وقدرة من بين ما تبقى من وحدات العدوان غير المشرذمة ، حيث يعتبر لواء العمالقة ، والمدعوم اساسا من الامارات ، من الاكثر تنظيما وتجهيزا ، وربما يكون الانسب لدعم جبهة التحالف المضغوطة حاليا في مأرب .
ايضا ، من المحتمل جدا ، ان تكون وجهة الوحدات المنسحبة من الحديدة ، مكانا أخر غير مدينة مأرب ، وهذا محتمل فيما لو اختارت عمليات العدوان القيام بمناورة ضغط على الجيش واللجان الشعبية في مكان غير مأرب، كون الاخيرة اصبحت تنازع تقريبا، وربما لن يفيد كثيرا دعمها بوحدات من الخارج، هي تتجمع على بعضها دون امكانية للمناورة بعد الحصار الذي اصبح شبه مكتملا على المدينة وعلى مديرية الوادي التابعة لها، وقد تكون جبهة تعز، اكثرها احتمالا لفتح مناورة ضغوط على الجيش واللجان، بهدف دفعهم لاعطاء جهود للمدافعة في تلك الجبهة الحساسة ايضا، الامر الذي ـ وباعتقاد قيادة عمليات التحالف ـ ربما يخفف من الضغوط المباشرة على مأرب.
بمطلق الاحوال، وحتى تحديد الوجهة الحقيقية للوحدات المنسحبة من الحديدة، وذلك خلال عدة ايام حد اقصى، وهي المدة الكافية للانسحاب واعادة تنظيم الوحدات ونقلها الى الوجهة المحددة لها، وانهاء اعمال تمركزها لتنفيذ مهمتها الجديدة، يبقى لهذا الحدث ( الانسحاب من محيط الحديدة) والمتزامن مع معركة تحرير مأرب، اكثر من بعد استراتيجي، يثبت ويؤكد حتمية قرب انتهاء الحرب على اليمن، وذلك تبعا للتالي:
ان يتخلَ العدوان هكذا وبكل سهولة عن تمركزه الاستراتيجي في محيط الحديدة، ومهما كان السبب من وراء ذلك، بعد ان كان قد وضع للوصول الى ذلك التمركز، جهودا ضخمة على كافة المستويات، فهذا امر يدعو للتساؤل وللاستغراب، إذ ما هو البديل الذي سيعوض له ما كان يجنيه من وراء هذا التواجد من نقاط حيوية لمعركته بشكل عام، حيث كان يشكل عبره نقطة ضغط اساسية في حصاره على اليمن، يتخلى عنها اليوم لصالح ماذا؟
ايضا، ليس من السهولة ان يتخلَ العدوان عن نقطة ارتكاز عسكرية وميدانية، هي اساسية في مسك الساحل اليمني الغربي، حيث تشكل الحديدة تقريبا، نقطة وسطية على هذا الساحل، ومنطقة الدريهمي جنوب الحديدة مباشرة والتي شملها الانسحاب، تشكل نقطة الارتباط الرئيسة بين مطار ومرفأ الحديدة ومدخل طريق صنعاء ـ الحديدة من جهة، وبين الشريط الساحلي المحتل نحو المخا مرورا بمنطقة الخوخة الساحلية الاستراتيجية من جهة اخرى.
من هنا، أن يتخلَّ العدوان عن تمرّكُزه في محيط الحديدة، فهو يتخلى عن اهم الاهداف الاستراتيجية التي عمل لها في حربه على اليمن، والتي كان لها الطابع الاقليمي والدولي لارتباطها بحركة البحر الاحمر ومضيق باب المندب، وان يترافق هذا التخلي مع انهيار شبه كامل على جبهة مأرب، بشهادة الاميركيين انفسهم داعميه الرئيسيين في عدوانه، فهذا يعني انه اصبح مقتنعا باستحالة تحقيق اي من اهداف هذا العدوان، وبالتالي، هو حتما يبحث الان ـ وفقط ـ عن المخرج الذي يسمح له بالانسحاب من هذه الورطة باقل قدر من الخسائر المعنوية والسياسية.
* المصدر : موقع العهد الإخباري
* المادة التحليلية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع