بين الفشل وتضارب المصالح: ما مصير التحالف السعودي في اليمن؟
ثمة شيء مهم وغير مطمئن يحدث للتحالف العربي بقيادة السعودية. ففي حين تعيش القوات السعوديّة في دوامّة العجز العسكري، تُرخي الخلافات بين قوى العدوان بظلالها على المشهدين الأمني والعسكري.
قصص لوم كثيرة، وتبادل اتهامات أكثر بين أطراف عدة في تحالف العدوان، إلا أن تغيّيرات المشهد السياسي سواءً لناحية انسحاب بعض الدول من التحالف، في حين أن بعض الدول الأخرى تدرس خياراتها، أو لناحية تلميحات سعوديّة عن خيار بديل يُنهي العدوان القائم منذ عامين ونصف.
ونظراً لطفرة التطوّرات القائمة في مختلف ملفّات العدوان، وقبل الخوض في أسباب الفشل السعودي في بناء التحالفات السياسيّة والعسكريّة، أو هشاشتها، لا بد من الوقوف على أبرز هذه التطورّات، مع الإغفال عن السير الميداني للمعارك على الحدود السعودية اليمنية، والتي لا يتّسع المقام لذكرها هنا.
أوّلاً: هناك أنباء عن خروج جدّي للمغرب من تحالف العدوان، في حين أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح تحدّث عن دولتين تجريان الترتيبات اللازمة للخروج من تحالف العدوان. رغم أن حضور المغرب وأغلب دول تحالف العدوان شكلّياً، عدا السعوديّة والإمارات، إلا أنه ذو أهميّة كبيرة للسعوديّة بغية إضفاء صبغة إقليمية معيّنة على العدوان. لا نستبعد بقاء المغرب، وتراجع الدولتان اللتان تحدّث عنهما صالح مقابل مال مقبوض ثمنه من قبل السعودية، خاصّة أنها ليست المرّة الأولى التي تسعى المغرب للخروج من دول العدوان ولو كان حضورها شكليّاً منذ خسارتها طائرة عسكرية في سماء صعدة في العام 2015. أغلب الدول المشاركة (17 دول) ليس لها نصيب من العداء مع اليمن، بل مجاملة للرياض مقابل سخاء الأخيرة ماديّاً.
ثانياً: برز الخلاف السعودي الإماراتي، غير المباشر، إلى الواجهة من جديد، لاسيّما بعد كلام رئيس حكومة الرياض، أحمد عبيد بن دغر، عن توجه لدمج الوحدات العسكرية والأمنية التي نشأت في السنوات الأخيرة، لتستنفر الإمارات، والمحسوبين عليها، للتصدي لفكرة دمج الوحدات العسكرية. العديد من القيادات والناشطين السياسيين الجنوبيين تناولوا حديث رئيس الحكومة من الزاوية الشمالية الجنوبيّة، مستغلين حساسية الشارع تجاه القوات الشمالية التي كانت مرابطة في الجنوب قبل العدوان. ففي حين قال القيادي الجنوبي السلفي هاني بن بريك، نعتبر كلام بن دغر في إعادة قوات شمالية للجنوب تهديداً مباشراً للجنوب وأهله”، قال القيادي في الحراك الجنوبي، عمر بن فريد، إن بن دغر تجاوز حدود التهريج وتحول فعلاً إلى “حصان طروادة” الذي ستدخل منه وخلاله (قوات الاحتلال) إلى الجنوب مرة أخرى.
ثالثاً: وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، قال قبل أيّام أن الحَل العَسكري لم يَعد مُمكنًا وحده لحَسم الأمور في اليمن، وأن الرياض تَدعم الحَل السياسي في الأزمتين اليمنيّة والسوريّة. ربّما يكون الهدف من التصريح تخدير أي أطراف تسعى لتحرّك دبلوماسي لوضع حدّ للمجاز السعوديّة، إلا أنه ليس بعيداً عن قناعة الرياض بفشل خياره العسكري.
وأما عند البحث في أسباب فشل الرياض في بناء تحالفات قويّة، فلا بدّ من الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: هناك العديد من الدول، كالأفراد العائمة، تميل مع الريح. هذه الدول وقفت مع السعودية بسبب قوّتها الاقتصاديّة اعتقاداً منها أن الوضع العسكري سيكون مشابهاً لذلك، إلا أن سير المعارك وفشل الخيار العسكري، اعاد هذه الدول لخيار “الريح” التي لم تجري كما تشتهي السفن السعوديّة. قد لا تقتصر مواقف هذه الدول عند هذا الحدّ، فعندما تقع البقرة تكثر السكاكين حولها.
ثانياً: ورغم أنّ لوقائع الميدان نصيب أساسي في فشل التحالف السعودي، إلا أن السياسة “الهمجيّة” المتّبعة من قبل الحاكم السعودي الفعلي الأمير الشاب محمد بن سلمان وعداءه مع دول عدّة ترتبط بعلاقات مع تلك الدول التي تتشارك والسعوديّة، ولو شكلياً، في العدوان، أثّرت بشكل واضح على التحالفات القائمة. لم تكتفِ السعوديّة بعداء ايران، بل أرخت الأزمة الخليجية، وخلافها السابق مع مصر، بظلالها على المشهد السياسي الخليجي الذي يمكن اختصاره اليوم بالسعوديّة والإمارات مقابل قطر وعمان بدرجة أقل، في حين تسعى الكويت لتمسك بالعصا من الوسط حفاظاً على مصالحها.
ثالثاً: رغم أن سياسية البترودولار التي تستخدمها السعودية منذ عقود خلت، باتت اليوم أكثر ضعفاً من السابق، ومصر خير دليل على ذلك، إلا أن غياب الهالة السعوديّة خلال السنوات الماضيّة في المنطقتين العربية والإسلاميّة تعد أحد أبرز أسباب ومصاديق الفشل. لعل خروج عمان سابقاً من العباءة السعوديّة الخليجية، وحالياً قطر، والكويت بدرجة أقل تكشف واقع الرياض التي كانت مركزاً لصنع القرار الخليجي خلال العقود السابقة.
رابعاً: الخلافات بين دول العدوان نفسها أحد أسباب الفشل. فالخلافات الجديدة التي شهدتها، وتشهدها عدن، تؤكد فشل التحالف العربي في تكريس نموذج للتعايش السلمي بين أبناء المنطقة الواحدة. يشكّل ملف الوحدات الأمنية هاجساً للأطراف المشرفة عليه كون التأسيس العسكري المناطقي بات على نحو يهدد وحدة البلاد، من ناحية، فضلاً عن كونه يزرع بذور صراع محتمل في إطار المناطق نفسها من ناحية أخرى. لا تقتصر الوحدات الأمنيّة الحاليّة على انّها تتكوّن من “جنوبيين” فقط، بل إنها تعبر عن مناطقية داخل الجنوب نفسه. يرى الكاتب السياسي أمجد خشافة، أن قوات الحزام الأمني وقوات النخبة لا تعبر عن قوة عسكرية تتبع مؤسسات الدولة تأتمر بأوامر الحكومة الشرعية، وهذا ما يشكل فشلا للحكومة الشرعية بعدم قدرتها على إدارة المؤسسة العسكرية والأمنية في المناطق المحررة.
خامساً: المجازر السعوديّة بحق الشعب اليمني تعدّ أحد الأسباب الآنفة الذكر. هناك العديد من الدول باتت محرجة في البقاء إلى جانب السعوديّة حتى لا تتحمّل وزر وتبعات الدماء والمجازر التي بات السكوت عنها غير ممكن، وهذا ما عزّز فشل التحالفات السعوديّة.
الوقت